الجنرال قايد صالح يتحدى القوى الرافضة للانتخابات الرئاسية
انتهت حملة الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة، الخميس، بعد ثلاثة أسابيع وجد فيها المرشحون الخمسة صعوبة في تنشيط تجمّعاتهم بسبب الرفض الواسع لهذه الانتخابات من حركة احتجاجية غير مسبوقة بدأت قبل عشرة أشهر وما زالت مستمرة أملا في عرقلة إجراء الانتخابات.
استفاق الجزائريون على وقع حالة من الارتباك والترقّب، بعد الشلل الجزئي الذي مس قطاعات عديدة في البلاد، خاصة في الجامعات والمدارس والوظيفة العمومية، فضلا عن نشاطات اقتصادية وخدماتية أخرى، في المقابل شدد الرجل القوي في السلطة والمؤسسة العسكرية على أن بلاده تواجه “عملاء الاستعمار والعصابة”.
وعاشت العديد من المدن والمحافظات الجزائرية على غرار العاصمة وتلمسان وبجاية وتيزي وزو والبليدة وبجاية ووهران وغيرها إضرابا شلّ نسبيا عددا من القطاعات خاصة في الجامعات والمدارس وبعض الخدمات، وذلك تلبية لنداء الإضراب الذي أطلقه الرافضون للانتخابات الرئاسية، بداية من يوم الأحد إلى غاية الخميس المقبل.
وفي معاينة لـ”أخبارنا الجالية” في منطقة الحميز (شرقي العاصمة) المعروفة بنشاطها التجاري الضخم، فإن نسبة الاستجابة كانت متفاوتة، فكما لبّى البعض نداء الإضراب، فتح البعض الآخر أبواب المحلات بشكل عادي، إلا أن اللافت هو الشلل شبه التام للنشاط التجاري، حيث كان الزبائن يعدّون على الأصابع، رغم أن الضاحية تعرف بزحمة قوية طيلة أيام الأسبوع.
وحسب أحد تجار المواد الكهرومنزلية، فإن “الإضراب ظل سائرا حتى وإن فتح بعض التجار محلاتهم، لأن الزبائن مفقودون على غير العادة.. كما ترون هم يعدّون على الأصابع”، ونفس الحالة سجلت في العديد من المدن التي استفاقت على وقع استجابة غير متوقعة رغم أنها كانت جزئية.
الحلول الوسطى بين دعاة الخيار الانتخابي المتخذ من طرف السلطة، وبين الرافضين للانتخابات في الظروف والشروط الحالية باتت منعدمة
وسجلت الجامعات الجزائرية نسبة استجابة عالية، حيث قاطع طلبة العديد من الجامعات كالعاصمة وبجاية والبويرة والمسيلة مقاعد الدراسة، وبشكل أقل في المدارس والثانويات، كشكل من أشكال التصعيد الذي تبناه الرافضون للانتخابات الرئاسية المقررة يوم الخميس المقبل.
وفيما تدخل الاثنين، مهلة الصمت الانتخابي، بعدما أنهى المتنافسون على قصر المرادية، أطوار حملة انتخابية استثنائية نتيجة المقاطعة والرفض من طرف الشارع، تتواصل عملية الاقتراع في المهجر في ظروف مماثلة، حيث سجلت الأصداء الأولية نسبة مشاركة ضعيفة جدا، لم تتعدّ حدود أصابع اليد في بعض المكاتب، بينما اضطرت بعض القنصليات إلى غلق أبوابها ووقف العملية تحت ضغط الجالية المهاجرة، كما هو الشأن في لوزان السويسرية، وبراغ في جمهورية التشيك، ومدريد الإسبانية.
لكن في المقابل شدّد الجنرال أحمد قايد صالح، على أن بلاده في “صراع مع الاستعمار ومع العصابة”، في تلميح للبيان الصادر عن البرلمان الأوروبي الذي انتقد وضعية حقوق الإنسان في الجزائر وحضّ السلطة الحاكمة على الاستماع لمطالب الشارع ولمنظومة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
ورغم محاولة السلطة توجيه الرأي العام المحلي لأطوار محاكمة بعض من رموز الرئيس السابق من مسؤولين ووزراء ورجال أعمال، وتفجير أحد ملفات الفساد الذي تضمن أرقاما خيالية، إلا أن الرافضين للانتخابات بقوا متمسكين بموقفهم، ويسيرون في اتجاه الضغط إلى غاية إجهاض الاستحقاق الرئاسي.
وقال قائد أركان الجيش في كلمة أدلى بها الأحد بالعاصمة، “إن الصراع الحقيقي يدور اليوم بين الشعب الجزائري الأصيل المسنود بالجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، وبين خدام الاستعمار من العصابة وأذنابها، الذين تنصّلوا من كل مقومات الوطنية ووضعوا أنفسهم في خدمة الأعداء، وراحوا يعملون من أجل عرقلة مسعى الخيّرين من شعبنا وجيشنا، فخاب مسعاهم وتأكدوا بأنفسهم بأنهم أخطأوا في حق شعبهم، لما شاهدوا هذه الهبات الشعبية، عبر كافة أرجاء الوطن، التي يستحضر من خلالها الجزائريون ماضيهم التاريخي العريق”.
وتوحي مفردات الجنرال قايد صالح، بأن القطيعة قد تكرست بين الطرفين، وأن الحلول الوسطى بين دعاة الخيار الانتخابي المتخذ من طرف السلطة، وبين الرافضين للانتخابات في الظروف والشروط الحالية باتت منعدمة، ممّا يفتح الأزمة السياسية في البلاد على أفق غير معلوم، ويؤكد أن الاستحقاق الرئاسي لن يكون إلا مجرد محطة فقط في مسار الأزمة وليس حلا لها.
ويبدو أن تصريح الرجل عشية دخول مهلة الصمت الانتخابي، وبداية تصعيد احتجاجي في البلاد، يتجه نحو تمرير الانتخابات الرئاسية بالقوة وبكل الوسائل، وعدم اعتراف السلطة بالتيار المعارض لها، وحتى تخوينه وإدراجه في خانة “المؤامرة التي تتعرض لها البلاد من طرف قوى خارجية وداخلية”.
ورافع المتحدث عمّا أسماه “مرافقة الجيش للحراك الشعبي”، بالقول “من وحي هذه المرافقة المتبصرة والمتلمّسة لمصلحة الجزائر في الحاضر والمستقبل، عملنا على اجتثاث رؤوس العصابة، وتم الشروع في شل أطرافها وأذنابها من خلال مكافحة بؤر الفساد الذي استلزم منا مرافقة العدالة بصفة كاملة، بكل ما تعنيه عبارة مرافقة من معنى، أي فتح المجال أمامها لكي تقوم بواجبها الوطني بكل حرية ونزاهة والتزام، فنجاح مكافحة الفساد، هو جزء لا يتجزأ من صدق المرافقة الشاملة للشعب الجزائري ولكافة مؤسسات الدولة الجزائرية”.
وهذا التوجه لم يعد يقنع المعارضين لخيارات السلطة في ظل ما يسميه هؤلاء، بـ”الشكوك في نزاهة العدالة، وتوظيفها في تصفية الحسابات السياسية بين أجنحة السلطة، وأن المتغير الوحيد هو تحويل مصدر القرار القضائي من مبنى الرئاسة في عهد بوتفليقة، إلى مبنى وزارة الدفاع فقط في عهد الجنرال قايد صالح”.