الجيش الجزائري يبحث عن رئيس بأي ثمن
كانت الجلسة التي خصصها البرلمان الأوروبي لمناقشة ما يجري في الجزائر بمثابة الهدية الثمينة التي كان ينتظرها الحكام لرفع يافطة التدخل الخارجي واستنفار العواطف الوطنية ضد فرنسا، المستعمر القديم، بعدما شدد عليهم المتظاهرون الخناق رفضا للانتخابات الرئاسية الشكلية التي يريدون فرضها كأمر واقع يوم 12 ديسمبر.
لكن يبدو أن هذا النظام لم يفهم أن فزاعة التدخل الأجنبي باتت نكتة باهتة وأن الشعب الجزائري في أغلبيته بات مدركا أن القوى الاستعمارية الجديدة هي حليفة وفية لهذا النظام الذي تنازل لصالحها عن أثمن ما يملك البلد كما يدل على ذلك قانون المحروقات الأخير المصادق عليه من طرف برلمان بلا مصداقية وحكومة مطارَدة في كل مكان، هي من مخلفات نظام عبدالعزيز بوتفليقة.
تماديا في الخداع والتضليل برمج الفريق الغالب محاكمة الفريق المغلوب في قلب الحملة الانتخابية المجهضة كأن الشعب لا يعي بأنها تهدف إلى خدمة الانتخابات المرفوضة لا العدالة، وأنها محاولة يائسة لاستدراج الجزائريين نحو صناديق الاقتراع.
وفي سابقة فريدة من نوعها يرتكب وزير الداخلية ما لم يجرؤ مسؤول آخر في العالم على ارتكابه في حق شعبه. انتقل من مرحلة نكران الحراك ومظاهراته الصاخبة إلى مرحلة العنف اللفظي والشتم واستخدام لغة منحطة. فراح ينعت المعارضين للانتخابات بعملاء فرنسا وأولادها، ويجردهم حتى من جزائريتهم وليس هذا فحسب بل اعتبرهم من المثليين ومن الشواذ.
أما نائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الوطني، قايد صالح، فيواصل تهديده في خطابه الأخير ملوحا بعصا الجيش والتخويف باستعمال قوته ضد كل من يحاول عرقلة سير الانتخابات الرئاسية التي حدد هو تاريخها من الثكنة ضاربا بعرض الحائط دستور البلد وتقاليده السياسية. ولم يقتصر تهديده باستعمال القوة العسكرية بل كل القوى الأمنية حتى غير التابعة منها لقيادة الأركان.
وفي محاولة لإحباط معنويات الحراكيين يتم اعتقال المحتجين كل يوم وتقديمهم إلى العدالة بتهم واهية واستعمال القوة المفرطة ضدهم، كما حدث هذا الأسبوع في مدينة البويرة شرق العاصمة وفي محافظة بجاية الأسبوع الماضي. وأصدرت المحاكم أحكاما قاسية في حق متظاهرين أبرياء وصلت إلى السجن لمدة 18 شهرا نافذة كما حدث في تلمسان. وحسب منظمات حقوقية، بلغ عدد الموقوفين حوالي 300 من أشهرهم الرائد لخضر بورقعة، أحد أبطال ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962) البالغ من العمر 87 سنة.
ورغم كل القمع والتضييق ورفع فزاعة الإرهاب بالحديث عن العثور على قنبلة مزروعة قرب تلمسان، والادعاء باكتشاف مخطط تخريبي في العاصمة من تدبير طالب جامعي ينتمي إلى حركة الماك، المطالبة بالحكم الذاتي في منطقة القبائل، ورغم ذلك الوعد الصبياني بالزيادة في الأجر القاعدي بعد الانتخابات، قرر الرافضون للانتخابات تصعيد احتجاجهم ابتداء من 8 ديسمبر بالبدء في إضراب عام في كل أنحاء البلاد حتى يوم 12 ديسمبر، موعد الاقتراع المزعوم.
هكذا لم تفلح إستراتيجية النظام الوحيدة المتلخصة في التخويف والتخوين والتسويف والتوقيف في القضاء على ثورة الابتسامة، بل هي في صعود مستمر وعاقدة العزم على تغيير النظام ورفض الانتقال من مرحلة الرئيس المقعد إلى مرحلة الرئيس الدمية المطعون في شرعيته سلفا، والذي سيكون ممثلا مدنيا لنظام عسكري لا يرغب في التنحي والعودة إلى الثكنات كما هو الشأن في كل بلدان العالم المتحضر.
وحتى وإن جرت الانتخابات بالقوة ونصب رئيس بنسبة مشاركة في حدود 10 بالمئة من أصوات الناخبين، فلن يزيد ثورة الابتسامة سوى إصرارا وسيكون ذلك إيذانا بالدخول في مرحلة من اللااستقرار تتضاعف فيها مشكلات الجزائريين الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ولا أحد يستطيع التكهن بمخلفاتها. وقد تفقد حينها الثورة ابتسامتها وسلميتها.