مراجعة مغربية صريحة لشراكات التبادل التجاري الحر

توجه الرباط لإعادة تقييم اتفاقيات التبادل الحر يأتي نتيجة الأضرار التي لحقت الاقتصاد بسبب إغراق شامل للسوق المحلية من السلع المستوردة

فاجأت الحكومة المغربية المتابعين بإعلانها عن تقييم صريح وشفاف لشراكات التبادل التجاري الحر، وأقرت بضعف الجدوى الاقتصادية للخطط الحالية، كخطوة أولى لمراجعتها والبحث عن حلول لضمان نجاحها بهدف تعزيز الصادرات، التي تعول عليها كثيرا في تعبئة الموارد المالية.

قرر المغرب إعادة النظر في عدد من اتفاقيات التبادل الحر، التي تربطه مع دول أخرى بعد أن تفاقم العجز التجاري بشكل مقلق في السنوات الأخيرة.

وفي خطوة اعتبرها كثيرون جريئة وتتماشى مع خطط الإصلاح الاقتصادي، كشف وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي حفيظ العلمي هذا الأسبوع، أن الوزارة تعكف على إعداد دراسة تتعلق بتقييم جميع اتفاقيات التبادل الحر.

ورغم أن العلمي لم يحدد بالتدقيق تلك الاتفاقيات، لكنه أشار خلال تصريحاته لوسائل إعلام محلية إلى أن الوزارة قد تتخذ قرارا بإلغاء البعض من الاتفاقيات التي تلحق أضرارا بالاقتصاد المحلي.

ويجمع محللون على أن تلك الاتفاقيات لم تأخذ بعين الاعتبار الآليات الكفيلة بحماية الشركات المحلية من المنافسة الشرسة.

وأكدوا أن توجه الرباط لإعادة تقييم الاتفاقيات، جاء نتيجة الأضرار التي لحقت الاقتصاد خاصة بعد ظهور نتائج التحقيقات التي فتحتها الوزارة، وأكدت وجود إغراق شامل للسوق المحلية من السلع المستوردة، ومنها التركية.

ومن هذا المنطلق، يعتقد هؤلاء أن حقائق الواقع تفرض إعداد مقاربة جديدة عبر التوجه إلى تبني اتفاقيات مع مجموعات إقليمية، مقارنة بالاتفاقيات الثنائية، بما يفضي إلى تفادي الصدمات التنافسية.

وقد أكد العلمي في هذا السياق أن الحكومة مستعدة للنظر بشكل شامل في كل الشراكات المضرة بالاقتصاد ودراسة الملفات بعقلانية.

ومنذ العام 2006 تطالب أوساط الأعمال المغربية بمراجعة كافة الاتفاقيات التجارية كونها شراكات غير متكافئة.

وأظهرت بيانات لمكتب الصرف ارتفاع العجز التجاري المغربي بنحو 2.4 بالمئة، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، بمقارنة سنوية.

ووصل العجز التجاري منذ بداية العام الحالي حتى نهاية سبتمبر الماضي إلى 15.78 مليار دولار، بزيادة تقدر بنحو 370 مليون دولار خلال الفترة المماثلة من 2018.

وقد وصل حجم التبادل التجاري بين المغرب وتركيا إلى 2.7 مليار دولار خلال العام الماضي. ولذلك ألغت الرباط الإعفاء الضريبي على المنسوجات التركية، وهو القرار الذي اتخذته الوزارة قبل أكثر من عام لحماية قطاع النسيج المحلي.

كما تم تفعيل تدابير التعديلات الانتقالية المشار إليها في المادة 17 من اتفاق التبادل الحر بين المغرب وتركيا بشأن بعض منتوجات النسيج والألبسة.

وفي ضوء ذلك، تم رفع قيمة الضرائب على الواردات التركية من منتوجات النسيج والألبسة إلى 90 بالمئة، وأرجعت الحكومة السبب إلى التأثر السلبي لشركات الإنتاج المحلية، وكذلك تضرر موردين آخرين للمغرب.

ويبلغ عدد الشركات التركية في المغرب 80 شركة، تعمل في صناعات النسيج والصناعات الغذائية والأثاث، وقطاعات أخرى مثل العقار والأشغال العمومية والبنى التحتية.

وتشتكي قطاعات من إغراق السوق بمنتجات تضر وضعها في السوق المحلية، وهذا ما تؤكده الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة.

وتعتبر الجمعية أن أطرافا أجنبية في اتفاقيات التبادل الحر لم تكن لديها نوايا حسنة، حيث أخلت بالتزاماتها خصوصا مع تسجيل صادرات قطاع النسيج والجلد تراجعاً بنحو 1.2 بالمئة لتصل إلى 1.9 مليار دولار، أي ما يمثل 12.9 بالمئة من إجمالي صادرات المغرب.

وعلى نفس المستوى، دعا مصدرون محليون إلى ضرورة مراجعة اتفاقية التبادل الحر الموقعة بين المغرب والولايات المتحدة منذ 13 عاما، وتسهيل تسويق المنتجات المغربية بكميات أكبر نحو السوق الأميركية، وفتح المجال  للاستفادة من الإمكانات التي تتيحها.

15.78 مليار دولار، العجز التجاري في أول 9 أشهر من 2019، مرتفعا بنحو 2.4 بالمئة بمقارنة سنوية

واعتبر رئيس الجمعية حسن السنتيسي أن اتفاقية التبادل الحر مع واشنطن تتيح مجموعة من الفرص للسوق الأميركية، والتي لم يقم المصدرون المغاربة باستغلالها على الوجه الأكمل.

وعزا السنتيسي ذلك إلى التدابير الصارمة التي تواجههم في هذا الشأن، داعيا إلى ضرورة مراجعة هذه الاتفاقية عبر الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية العاملة في المجال.

وأشار فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب بالبرلمان، إلى أن الرباط لديها شبكة واسعة من الاتفاقيات التفضيلية والتبادل الحر تمكن من دخول سوق قوامها مليار مستهلك بقدرة شرائية من بين القدرات الأكبر عالميا، ولكن الاستفادة من هذه الاتفاقيات تطرح تحديات كبرى.

وقد انبثق عن هذه الاتفاقيات انفتاح تجاري يغذي تسريعا قويا للواردات، كان من نتائجه عجز تجاري بنيوي يرتبط تفاقمه بتحرير التجارة الخارجية في إطار اتفاقيات التبادل الحر، كان في حدود 3 مليارات دولار عام 2000 وخمسة مليارات دولار في عام 2003 ليتضاعف بعد ذلك في السنوات الأخيرة.

وأشارت إحصائيات صادرة عن وزارة الاقتصاد إلى أن ارتفاع الصادرات المغربية في النصف الأول من 2019 لم يؤثر إيجابيا على العجز التجاري، حيث استمر في التفاقم نتيجة الارتفاع التصاعدي للواردات.

وتشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع الواردات بنسبة 2.9 بالمئة بقيمة مالية بلغت 34 مليار دولار، مقابل صادرات بلغت 19 مليار دولار فقط، رغم ارتفاع نسبتها بحوالي 3.2 بالمئة.

وبعد رصده حجم العجز التجاري المزمن، أوصت مديرية الدراسات والتوقعات المالية بالعمل على مراجعة شاملة لاتفاقيات التبادل الحر المبرمة، والبحث عن السبل الكفيلة بإعادة التوازن للعلاقات التجارية مع أهم الشركات.

وأكد التقرير على ضرورة دعم ترسانة الحماية التجارية، بما يساعد على محاربة المنافسة غير المشروعة، خاصة عبر المراقبة على الحدود لمواجهة التهريب والتصريحات غير الحقيقية والغش، معتبرة أن ذلك من شأنه أن يحافظ على سلامة السوق المحلية.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: