فيلم مغربي يعبر الحدود مع الجزائر بهوية فلسطينية

حسن بن جلون كاتب ومخرج سينمائي مغربي، قدّم العديد من الأفلام الروائية الهامة، من أشهرها فيلم “المنسيون” الذي أنتجه في عام 2010 حول الهجرة غير الشرعية للشباب، وها هو يعود اليوم بفيلم “من أجل القضية” ليطرح موضوعا “قديما/ جديدا” حول الحدود ومعاناة الشباب العرب، وخاصة الفلسطينيين منهم، بسببها.

تبدو قصة الفيلم المغربي “من أجل القضية” جديدة على السينما العربية، لكنها في الحقيقة قضية قديمة ومستمرة سبق وأن طُرحت سينمائيا في فيلم “الحدود” لدريد لحام، مع فارق أن حسن بن جلون، مخرج الفيلم، تجرأ واختار منطقة حدودية بعينها ليقدّم أحداث فيلمه، بينما اكتفى دريد لحام بالتلميح واللعب على المكان.

وتدور أحداث الفيلم الذي لعب بطولته الممثل الفلسطيني رمزي مقدسي، حول موسيقي فلسطيني موجود في المغرب يقرّر السفر برفقة صديقته الفرنسية للمشاركة في إحياء حفلات في الجزائر، وعبر رحلته البرية لتجاوز الحدود المغربية والجزائرية يتعرّض للعديد من العقبات.

حكاية مكررة

لكن قصة وأحداث الفيلم التي اختارها المخرج المغربي لم تأتيا من فراغ، فلقد عايش بنفسه تلك الظروف منذ سنوات، تحديدا في عام 1972، أثناء رحلته البرية برفقة صديقة بين حدود تشيكوسلوفاكيا والنمسا، وما يعنيه ذلك حينها من مسألة العبور بين عالمين أحدهما  شيوعي والآخر رأسمالي.

ليست القضية قضية حدود وشاب فلسطيني فحسب، بل إن المخرج يلفت انتباهنا إلى وجود حدود مغلقة بين دولتين عربيتين لا حرب بينهما، ويقول حسن بن جلون في حواره مع “أخبارنا الجالية ” “أغلقت الحدود بين الجزائر والمغرب منذ عام 1994 لأسباب غير مفهومة، وهذا أمر يشبه تماما ما يحصل بين الكوريتين”.

لجان الدعم السينمائي في المغرب ترفض أعمال بن جلون باعتبارها تتعرض لموضوعات حسّاسة تعدّ من المحظورات

كما أن الفيلم لا يكتفي بطرح قضية الحدود التي باتت هما حقيقيا بالنسبة إلى بعض الشعوب العربية وخاصة بالنسبة إلى الفلسطينيين والسوريين مؤخرا، بل يستثمر أحد مشاهده (مشهد الزفاف الذي تجمع فيه الأموال) ليمرّر مقولة إن الدول العربية تستفيد وتستغل القضية الفلسطينية، بل وأكثر من ذلك تسرق أموال شعوبها بحجة تلك القضية، وهو مشهد غني برمزيته رغم مروره السريع.

وعبر زمن الرحلة التي استغرقت أياما بين صد ورد من قبل موظفي الحدود على الطرفين المغربي والجزائري تنشأ قصة حب بين الموسيقي الفلسطيني والفتاة الفرنسية التي نكتشف أنها يهودية، وتأتي لحظة الحب هذه بعد أن باح كل منهما للآخر بأسراره الخاصة، أي في اللحظة التي تجرّدا فيها من خلفياتهما الفكرية والدينية والسياسية ليعودا بشرا.

عن هذه العلاقة والهدف منها في مجريات الفيلم، يقول المخرج “منذ البداية كان مقصودا أن تنشأ علاقة حب بين الفتاة الفرنسية اليهودية، التي هي غالبا من أصول مغربية، وبين الشاب الفلسطيني”.

ويضيف “صحيح هي امرأة يهودية ولكنها ليست صهيونية، وهو أمر يجب الانتباه له، وكان واضحا منذ المشهد الأول تعاطفها مع العرب وكيف كانت تبحث عن موسيقي يجيد العزف على العود في مكان يتم فيه تناول شعر محمود درويش ونسمع فيه تحديدا قصيدة ‘ريتا’ الحبيبة اليهودية، كما أنني اخترتها فرنسية لتمثل الغرب ولتكون السبب المباشر الذي يدفع موظفي الحدود إلى معاقبة وعرقلة الفلسطيني المرافق لها بهدف إزعاجها وتعطيلها، فهي جريئة ووقحة تجاههم، وبالمقابل لا يمكنهم التعرّض لها ولا حتى اعتقالها، لأن جنسيتها الفرنسية تحميها”.

وينهي حسن بن جلون فيلمه بمفاجئة، فهذا الفلسطيني لم يكن بحاجة أصلا إلى تأشيرة دخول إلى الجزائر، وكل العراقيل التي عاشها كانت غير قانونية وخاضعة فقط لمزاج الموظف المناوب حينها، ويقول محدثنا “الحقيقة أن الجزائر تسمح لفلسطينيي 48 بالدخول إلى أراضيها دون تأشيرة، بل إن الجزائر تقريبا هي البلد الوحيد الذي يسهّل عملية دخول الفلسطينيين إليه، وهذا أمر مهم جدا وأريد توضيحه لأنني رجل حق والجزائر بلد أحبه وأحترمه، ولكن غالبا ما يختلط الأمر على البعض في مسألة دخول الفلسطينيين بشكل عام للجزائر، بل فلسطينيي 48 تحديدا”.

أطروحات جديدة

حسن بن جلون: أعتبر نفسي محظوظا لأنني أعمل في السينما وما زلت أبتسم

استغرق إنتاج فيلم “من أجل القضية” ثلاث سنوات أضاعها المخرج في التصوير وفي البحث عن الممثل المناسب للدور، والذي ستسمح جنسيته بالحصول على تأشيرة لدخول الأراضي المغربية (مكان التصوير)، خاصة أن عليه أن يكون ممثلا إما سوريا وإما فلسطينيا، إلى أن وقع اختياره على الممثل الفلسطيني رمزي مقدسي المقيم في برشلونة. ومع ذلك، يؤكد حسن بن جلون أنه رغم حصول رمزي مقدسي على الإقامة في أوروبا، إلاّ أن مسألة سفره إلى المغرب بجواز سفره الفلسطيني كانت تحتاج إلى وقت طويل للحصول على التأشيرة، ممّا جعله يفضّل دخوله بتأشيرة سائح بجواز سفره الإسرائيلي، ولكن تلك التأشيرة كانت لا تتجاوز مدتها 15 يوما ممّا يعني عدم كفايتها لإتمام تصوير الفيلم.

ويضيف “ولأننا لم نستطع قانونيا زيادة مدة التأشيرة، أي تمديدها، وضعنا رمزي في موقف مخالف للقانون عند مغادرته المغرب، واضطررنا لاحقا إلى متابعة التصوير في إسبانيا، وهذه وحدها تعتبر قضية أخرى تُضاف إلى قضية بطل الفيلم”.

يعاني بعض المخرجين المغاربة من قلة الإنتاج، إما لأسباب مالية وإما لأسباب تتعلق بالمضامين التي تطرحها أفلامهم، إلاّ أن حسن بن جلون لا يعتبر نفسه قليل الإنتاج مقارنة بغيره من المخرجين.

ولكنه يرى أن فيلمه “القمر الأحمر” الذي قدّمه في عام 2013 لم ينتشر كما فيلمه “المنسيون” (2010)، لأن موضوعه كان محليا، فقصة الفيلم تدور حول الموسيقار المغربي عبدالسلام عامر، وهو موسيقار رغم أهميته لم يكن معروفا حتى في المغرب، ومع ذلك أصرّ على تقديمه باعتباره أحد أهم الموسيقيين العرب، ولكنه ظل منسيا ومجهولا بسبب أفكاره اليسارية والثورية، وكان يريد عبر هذا الفيلم أن يعيد إليه الاعتبار.

ويقول “اليوم الشبان المغاربة باتوا يعرفونه، وهم الذين استمعوا مدة سنوات إلى موسيقاه فقط، وذلك من خلال أشهر أغانيه ‘القمر الأحمر’ التي غناها عبدالهادي بالخياط”.

ويعتبر حسن بن جلون نفسه من المخرجين غير المطلوبين أو المرغوب فيهم لدى لجان الدعم في المركز السينمائي المغربي، ويقول “لجان الدعم ترفض مشاريعي باعتبارها تتعرض لموضوعات حسّاسة تعدّ من التابوهات، وفيلم ‘من أجل القضية’ على سبيل المثال تم رفضه ثلاث مرات، وفي النهاية وبعد إلحاحي تم دعمه عبر مساعدة مالية صغيرة جدا، ولكني مع ذلك أعتبر نفسي محظوظا لأنني أعمل في السينما وما زلت أبتسم وما زالت عندي إرادة، وأتمنى أن يكون لديّ ما أضيفه للمجتمع العربي والمغربي بشكل خاص”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: