الجزائر: محاكمات للفساد أم لتمرير الانتخابات؟
تصدّر أنباء الجزائر لهذا الأسبوع خبران فاضحان، الأول يظهر تفاصيل الفساد الكبير خلال محاكمات كبار مسؤولي نظام عبد العزيز بوتفليقة، وبينهم رئيسا الوزراء السابقان عبد المالك سلال وأحمد أويحيى، ووزراء مثل يوسف يوسفي ومحجوب بدة وعبد السلام بوشوارب (وزراء سابقون للصناعة)، ونورية زرهوني (وزير سياحة سابقة)، وسبقتها محاكمات كثيرة لمسؤولين كبار سابقين، وعلى رأسهم من سمّاهم قائد أركان الجيش الجزائري قايد صالح بـ«العصابة»، والتي تضم السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المستقيل، ومسؤولي المخابرات السابقين محمد مدين وبشير طرطاق بالإضافة إلى لويزة حنون زعيمة حزب العمال بتهم خطيرة بينها «التآمر على الجيش»، إضافة إلى وزراء ومسؤولين آخرين ورجال أعمال كبار كعلي حداد ومحي الدين طحكوت وأحمد معزوز.
الخبر الثاني يتعلّق بوزير حاليّ، وهو وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، الذي وصف من يعارضون الانتخابات المقبلة الحالية بـ«الخونة والمثليين» وبـ»أشباه الجزائريين» متهما إياهم بالعمالة عبر دعم التدخل الدولي والتحريض عليه، وهو ما استدعى شجبا واسعا من سياسيين وناشطين جزائريين.
الرابط بين الخبرين هو حصولهما قبيل الانتخابات المزمعة في 12 من الشهر الجاري والتي يرفضها الحراك السلمي المستمر منذ نحو تسعة أشهر ويعتبرها «تكريسا للثورة المضادة واستمرارا للنظام السابق»، بينما تدعمها قيادة أركان الجيش وتعتبرها الحكومة الحل الوحيد الذي يكرس الخيار الدستوري للخروج من أزمة الفراغ السياسي منذ 2 نيسان/إبريل الماضي تاريخ استقالة الرئيس السابق بوتفليقة.
تفهم المحاكمات، في هذا السياق، على أنها إعلان من الجيش عن التبرؤ من «العصابة» وذيولها من الطبقة السياسية الجزائرية الفاسدة غير أن هذا «الانقلاب» على السياسيين ورجال الأعمال لا يجب أن يعني، حسب قيادة الجيش، إسقاط النظام برمّته الذي يعتبر الجيش عموده الفقري، كما يُفهم التخوين وتهم العمالة وصولا إلى اعتبار المعارضين للانتخابات «أشباه بشر» و«عملاء للخارج»، شكلاً آخر من المحاكمات لا يتناول الفاسدين من الساسة ورجال الأعمال بل يتوجّه إلى عموم الحراك الجزائري، كما أنه يظهر العصبيّة التي تنتاب المسؤولين السياسيين الحاليين حين يرون ما حلّ بـ«أشباههم» السابقين، فيندفعون للمبالغة في تشويه الحراك السلمي والنفاق للجيش، ولكنّهم، في واقع الأمر، لا يبتعدون كثيرا عن منظور القيادة العسكرية لما يجري في الجزائر، وإذا كانت قيادة الجيش لم تنحدر لهذا المستوى من الألفاظ من قبل لكن مضمون خطابها لا يبتعد كثيرا عن خطاب وزير الداخلية المذكور.
نتيجة هذا الاستقطاب فالسيناريو الواقعي سيكون انتخاب أحد المرشحين الخمسة (أو الأربعة بعد التحطيم الإعلامي الكبير الذي تعرض له رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون والاتهامات الكبيرة التي سيقت له من قبل مجموعة «النهار» الإعلامية المقربة من السلطة)، وهو انتخاب سيقابل، على الأغلب، بمقاطعة شعبية واسعة وباستمرار الحراك الجماهيري وهو ما سيفتح الأفق في الجزائر على مرحلة صراع جديدة.