الانتخابات الرئاسية الجزائرية هل تجرى في موعدها

المشهد الحالي بالجزائر يطرح عدة استفهامات جوهرية حول دور المؤسسة العسكرية ما بعد الانتخابات خاصة في ظل تعهدات الجنرال أحمد قايد صالح حول التزام الجيش بالحياد

تُنظّم الجزائر في 12 ديسمبر انتخابات رئاسيّة لاختيار خلف للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي استقال في أبريل تحت ضغط الشارع والجيش. ورغم بدء العد التنازلي إلا أن المشهد ما زال يسوده الغموض سواء من حيث الأوفر حظا أو من حيث اجراء الانتخابات في حد ذاتها حيث يرفض المحتجّون الانتخابات الرئاسيّة معتبرين أنّها تهدف إلى إعادة إنتاج النظام السابق، فيما تتمسك السلطة بها باعتبارها المخرج من الأزمة الراهنة.

 ما زال الغموض يخيم على مخارج الاستحقاق الرئاسي الجزائري، المقرر بعد أقل من أسبوعين، رغم بروز معالم تشكل هوية الرئيس الجزائري القادم، بعد قرار غير معلن من طرف حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، دعم المرشح عزالدين ميهوبي، ومع ذلك تبقى الأنظار مشدودة إلى حسم موقف المؤسسة العسكرية، وإلى السيناريوهات الممكنة لجزائر ما بعد الانتخابات الرئاسية.

ويستبعد توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، سيناريو إجهاض الانتخابات الرئاسية المقررة في أقل من أسبوعين، أسوة بما حدث في موعدي الثامن عشر من أبريل والرابع من يوليو الماضيين، رغم حالة الغليان التي يعيشها الشارع الجزائري، وإمكانات التصعيد خلال الأيام القليلة القادمة.

ورسم بوقاعدة، في حوار مع “أخبارنا الجالية ”، سيناريوهين اثنين للمآلات التي سيفرزها الاستحقاق الرئاسي في البلاد. ويبقى المشهد الجزائري بعد الانتخابات المذكورة مرهونا بما ستقرره السلطة الفعلية الآن؛ فبقدر دفعها بالوضع نحو الانفراج عبر خيار انتخابي معين تبقى أبواب الأزمة مشرعة أمام العودة إلى ما بعد إلغاء المسار الانتخابي في مطلع تسعينات القرن الماضي.

ويرى بوقاعدة أن الجزائر أمام سيناريوهين اثنين. يتعلق الأول بحرص السلطة على شفافية الانتخابات وعدم وجود أي مؤشر من مؤشرات التزوير، وفوز أحد المرشحين من ذوي الخطاب التصالحي مع الحراك الشعبي، وله ماض معارض لنظام عبدالعزيز بوتفليقة. ويقصد هنا بصفة خاصة علي بن فليس. فالخطة التي عرضها هذا الأخير في حملته الانتخابية قد تعجل بالحل وتخفف أثر الأزمة السياسية، من خلال فتح قنوات للحوار الجاد مع الطبقة السياسية والحراك، والدخول في مرحلة انتقالية تأسيسية، يعاد فيها النظر في كل المنظومة القانونية بداية من الدستور.

ويتعلق السيناريو الثاني بظهور بوادر تزوير ونجاح أحد المرشحين المحسوبين على عهد بوتفليقة، حينها ستزداد حالة الاستقطاب. وتعود الأزمة إلى المربع الأول، وربما بشكل أكثر عنفا، مما قد يدخل البلاد في متاهات لا يعرف أحد نتائجها على المدى القصير والمتوسط. وهذا السيناريو يرى بوقاعدة أن فرصه ضعيفة، لأنه ليس في مصلحة أي طرف الإبقاء على الأزمة الحالية.

التدخل الخارجي

توفيق بوقاعدة: المؤسسة العسكرية تبدو أكثر الأطراف تضررا من هذه الأزمة؛ فقد فقدت خلالها  بعض الرمزية التي تحظى بها لدى الشعب الجزائري
توفيق بوقاعدة: المؤسسة العسكرية تبدو أكثر الأطراف تضررا من هذه الأزمة؛ فقد فقدت خلالها  بعض الرمزية التي تحظى بها لدى الشعب الجزائري

بإمكان العواصم المؤثرة التأثير على وجهة التطورات المتسارعة في الجزائر، إلا أن مواقف باريس وواشنطن وموسكو وبكين، تبقى صامتة لحد الآن وتتجاهل زخم الحراك الشعبي الصامد في احتجاجاته منذ عشرة أشهر، وهو ما وصفه مراقبون في الجزائر بـ”التواطؤ غير المعلن مع السلطة”، عكس ما تقوم به في لبنان والعراق رغم تأخر الانتفاضة الشعبية هناك عما يجري في الجزائر بأشهر كاملة.

في المقابل، لا يعتقد بوقاعدة أن المجموعة الدولية غير مهتمة بما يحدث في الجزائر، لكن يرى أنها حذرة جدا، لأنها في حالة معارضة المسار الحالي ليس لديها بديل يمكن أن تثق فيه ويؤمّن لها مصالحها في البلاد، لذلك فهي حريصة على إبقاء الود مع السلطة القائمة لكنها في نفس الوقت متخوفة من انزلاق الوضع، ما يجعلها تخسر مصالحها.

ويعتبر بوقاعدة أن ما تقوم به الممثليات الدبلوماسية من نشاط مكثف مع المرشحين دليل اهتمام وليس دليل إهمال، لكن يجب أيضا التنويه بأن الجزائر ما زالت في مفهوم مصالح الدول الغربية دولة تتآكل فيها مصالحها التي في أغلبها مرتبطة بالنفط، مع تراجع مستوى مساهمتها في الطاقة العالمية، كما أن الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد تجعل الرهان على الجزائر كسوق لسلعها أيضا في تقلص مستمر.

دور الجيش

يطرح المشهد الحالي عدة استفهامات جوهرية، حول موقع ودور المؤسسة العسكرية في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية القادمة، خاصة في ظل التعهدات التي كررها الرجل القوي في السلطة الحالية وفي المؤسسة العسكرية الجنرال أحمد قايد صالح، حول “التزام الجيش بالحياد وعدم وجود مرشح للعسكر”، وحتى حول مصير الرجل بعد استلام الرئيس القادم لمهامه وتشكيل حكومته الجديدة.

وتتحدث مصادر متابعة عن بداية تجاذبات داخل المؤسسة نفسها، تتعلق بالتموقع الجيد من أجل خلافة قايد صالح، في منصب قائد أركان الجيش، لاسيما في ظل أحاديث دائرة عن مغادرة الرجل بعد الانتخابات الرئاسية، ولأن الأمر يتعلق بقرار تعيين يصدره رئيس الجمهورية، للتسمية في قيادة الأركان أو وزارة أو نيابة وزارة الدفاع الوطني…، فإن جنرالات أقوياء شرعوا منفردين في الدفع الخفي لهذا المرشح أو ذاك من أجل رد الجميل في نهاية المطاف، وتعيينه في المنصب المذكور.

ويبدو أن عدم الإجماع لدى الجنرالات الأقوياء داخل الجيش حول مرشح معين، هو الذي أضفى غموضا متأخرا حول موقف الجيش المباشر من الاستحقاق الرئاسي، ولو أن المرشحين الخمسة، هم من عهد بوتفليقة أو من المحسوبين على النظام، مما يزيح أية مخاوف لدى السلطة القائمة من إمكانية انفلات قصر المرادية من بين أيديها.

وفي تصور بوقاعدة في هذا الشأن تبدو المؤسسة العسكرية أكثر الأطراف تضررا من هذه الأزمة. فقد فقدت بعضا من الرمزية التي تحظى بها لدى الشعب الجزائري، بسبب انخراطها بشكل كلي في المسار السياسي الذي لا يرضي المحتجين.

توفيق بوقاعدة يستبعد سيناريو إجهاض الانتخابات الرئاسية المقررة في أقل من أسبوعين، أسوة بما حدث في موعدي الثامن عشر من أبريل والرابع من يوليو الماضيين

ولذلك يتصور أن جزءا من مهمة المؤسسة العسكرية في المرحلة التي تلي الانتخابات هو العودة إلى وظائفها الدستورية في حال تحقق السيناريو الأول. أما في حال الذهاب إلى السيناريو الثاني، فدور المؤسسة في الحقل السياسي سيستمر بالشكل الذي كان عليه الأمر عقب إلغاء المسار الانتخابي في بداية تسعينات القرن الماضي.

ويلفت بوقاعدة إلى أنه إذا لم يكن للسلطة العسكرية مرشح، فإن مرشحها الوحيد هو الانتخابات ذاتها. ولا يعتقد أنها تخاطر بمرشح يمكن أن يستنسخ تجربة بوتفليقة التي فقدت في عهده الكثير من المواقع، في إشارة إلى عمليات التفكيك التي أجراها الرئيس للمؤسسة القوية خلال السنوات الماضية، وتحييدها بشكل لافت عن صناعة القرار السياسي في البلاد.

ويبدو أن الرئيس الجزائري القادم لن يكون طليق اليدين، مما قد يعيد سيناريو صراع “المرادية” (قصر الرئاسة) و”الطاغارا” (وزارة الدفاع) إلى الواجهة كما كان في وقت سابق بين الرئيس السابق بوتفليقة، وقيادة جهاز الاستخبارات السابق، وذلك بسبب الخطوط الحمراء المسبقة التي رسمت له في شكل اتفاقيات إستراتجية والتزامات سياسية داخلية.

ويرجح بوقاعدة في هذا الشأن فرضية سعي المؤسسة إلى إنهاء الأزمة بأقل الأضرار سواء للشعب أو لها، وعدم المخاطرة مجددا في الفترة القصيرة القادمة، بإعطاء اليد الطولى للرئيس القادم في فعل ما يشاء، لأنها ستظل في حالة رقابة لكل قراراته وسياساته، حفاظا على مصلحة البلاد كما تصورها هي، وليس حتما كما تراها الطبقة السياسية وجموع الشعب الجزائري. فقد تأكّد مؤخرا بأن المؤسسة العسكرية لم تتخلص من النظرة الأبوية تجاه الجميع، وأنها أكثر حرصا على مصلحة البلاد. وترى في السياسيين مجرد فاسدين بحاجة دائمة إلى من يقوّم سلوكهم والتدخل في الوقت المناسب.

حملة الانتخابات الرئاسية

تجاذبات داخل المؤسسة العسكرية تتعلق بالتموقع الجيد من أجل خلافة قايد صالح في منصب قائد أركان الجيش
تجاذبات داخل المؤسسة العسكرية تتعلق بالتموقع الجيد من أجل خلافة قايد صالح في منصب قائد أركان الجيش

وصف بوقاعدة حملة انتخابات الرئاسة بـ”المأزومة”، و”الباهتة”، في شكل تجمعاتها، وفي مواضيع المرشحين التي طرحوها على أساس أنها مشاريع انتخابية. وكان مضمون الحملة في أساسها لدى جميع المرشحين هو الحث على الانتخاب أكثر منه الدعوة إلى انتخاب أشخاصهم ومشاريعهم الانتخابية، وهذا أمر طبيعي وامتداد للمسار الذي انتهجته السلطة وتمضي في تحقيقه رغما عن إرادة الحراك الشعبي، وتجاهلا لمطالبه في إزاحة بقايا النظام وإطلاق سراح المعتقلين. وأجج هذا الوضع غضب المتظاهرين الذين كانوا يضيّقون الخناق على المرشحين ويستفزونهم مما جعل الحملة أشبه بساحة معركة بين المؤيدين للانتخابات وأنصار المرشحين، وبين الرافضين لها. وشهدت العديد من التجاوزات والعنف المعنوي والجسدي.

ويخلص توفيق بوقاعدة إلى أن المرشحين لم يستقطبوا أطرافا جديدة للانتخابات، وفي المقابل فإن الرافضين للمسار الانتخابي لم يقنعوا المرشحين بالعدول عن الخيار، ويعتقد أن حالة الاستقطاب حول الاستحقاق الرئاسي، قد بلغت مداها ولن يستطيع أي طرف إقناع الطرف الثاني بوجهة نظره، مما جعل الحملة الانتخابية مجرد حملة لتأجيج العنف والعنف المضاد.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: