أجواء مشحونة تواكب بدء العد التنازلي للاستحقاق الرئاسي الجزائري
أوحت الإجراءات الأمنية التي دخلت حيز التنفيذ قبل أسبوع على الانتخابات الرئاسية، بأن القبضة الحديدية بين السلطة والشارع دخلت مراحلها الأخيرة، ففيما يتهيأ معارضو الاستحقاق للدخول في إضراب شامل، كثفت الحكومة الإجراءات الاحترازية لتمرير الانتخابات في ظروف عادية.
ودخلت الأجهزة الأمنية وقوات الدرك والجيش الجزائري، في حالة يقظة عالية المستوى، تحسبا للانتخابات الرئاسية المقررة الخميس القادم، وذلك تنفيذا لأوامر السلطة الراغبة في تمرير الاستحقاق الرئاسي بشتى الوسائل وقطع الطريق على الرافضين له.
وفي المقابل يتهيأ الشارع لشن إضراب وطني شامل بداية من يوم الأحد القادم إلى غاية يوم الاقتراع، تلبية لنداءات وحملة تعبئة على شبكات التواصل الاجتماعي، فضلا عن تكثيف الاحتجاجات الميدانية خلال الأيام المذكورة.
تتجه الأنظار إلى متابعة تطورات الوضع في الجزائر، في ظل اشتداد القبضة الحديدية بين طرفي الصراع
وكانت عدة نقابات عمالية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي دعت إلى تنظيم إضراب عام في الجزائر لمدة أربعة أيام بداية من الثامن من ديسمبر الجاري بهدف عرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
وبحسب بيانات صادرة عن الجهات الداعية إلى تنظيم هذا الإضراب العام، فإن هذه الخطوة تدخل في إطار الاحتجاجات الشعبية الرافضة لتنظيم الانتخابات الرئاسية من طرف بقايا النظام السابق.
وتتجه الأنظار إلى متابعة تطورات الوضع في الجزائر أثناء الأيام المتبقية، لاسيما في ظل اشتداد القبضة الحديدية بين طرفي الصراع، والظروف التي تجري فيها الانتخابات، خاصة وأن السلطة أحرقت العديد من الأوراق التي كانت بحوزتها، على غرار التصريح الاستفزازي لوزير الداخلية صلاح الدين دحمون.
وأمام مخاوف تصعيد الاحتجاجات بشكل يحول دون إجرائها أو يؤثر عليها، كثف الرجل القوي في السلطة والجيش الجنرال أحمد قايد صالح تحذيراته الشديدة لمن أسماهم بـ”المتربصين”، وكشف عن توجيه تعليمات شديدة لكل الأسلاك الرسمية والعسكرية لحماية وتأمين الاقتراع.
وحذر في تصريح له من وصفهم بـ”العصابة وأذنابها من مغبة المساس بالمسار الدستوري أو عرقلته من خلال التشويش على الانتخابات أو محاولة منع المواطنين من ممارسة واجبهم الانتخابي، وأن العدالة وكل أجهزة الدولة ستكونان لهم بالمرصاد”.
ولفت خلال زيارة تفقدية لمقر الناحية العسكرية الثانية بوهران، إلى أنه “من المنتظر من كافة المواطنين والمواطنات عبر جميع أنحاء الوطن أن يثبتوا للعدو قبل الصديق، من خلال المشاركة الواسعة في الاستحقاق الرئاسي”.
إلا أن النيران الصديقة في معسكر السلطة، باتت تؤدي مفعولا عكسيا على أجندتها، وتساهم في تنفير الشارع من الانخراط في العمل الانتخابي، مما أوقع السلطة في حرج شديد بسبب ما يصدر من بعض رموزها أو المحسوبين عليها. وكان وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، قد أثار غضبا شديدا في الشارع الجزائري، اضطر رئاسة الدولة إلى استدعائه سريعا إلى مصالحها، لكن لم تتبين نتيجة الاستدعاء، ولو أن بعض المصادر رجحت فرضية إقالته من منصبه.
ووصف دحمون، في تصريح له أمام نواب البرلمان، المعارضين للانتخابات بـ”الخونة والمرتزقة والشواذ والمثليين”، وهو الانزلاق الذي دعا وزارة الداخلية إلى تقديم توضيح لاحق، ذكرت فيه أن “كلام الوزير أُوّل في غير محله، وأنه لا يقصد ما يتم تداوله في الشارع “.
ودعا ناشطون سياسيون ومدونون، إلى محاكمة وزير الداخلية نظرا لما ارتكبه في حق الجزائريين، واعتبروا تصريحه تكريسا للذهنية السائدة لدى السلطة في التعاطي مع غضب واحتجاجات الشعب منذ عشرة أشهر، ودليلا على صواب مطلب تنحي السلطة الفاسدة.
وما زالت السلطة الفعلية تتعامل بمعايير متباينة مع زخم الشارع، ففيما تصف زخم الحراك الشعبي المستمر منذ شهر فبراير الماضي بـ”الأقلية” و”الشرذمة”، تشيد دوما بالمسيرات التي تنتظم من أجل دعم الخيار الانتخابي والمؤسسة العسكرية، ورفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية، رغم أن وجه المقارنة بين الحالتين غير متوفر تماما، نظير الفارق الكبير للأعداد المشاركة.
وصرح قائد أركان الجيش في هذا الشأن، بأن “ما تشهده بلادنا في الفترة الأخيرة من هبة شعبية قوية ومسيرات سلمية، يعكس قوة الإرادة الشعبية لتخطي هذه المرحلة الحساسة في تاريخها، ويبشر باقتراب انفراج الوضع والمرور بالجزائر إلى بر الأمان، بفضل تصميم الشعب الجزائري وإصراره عبر كامل ربوع الوطن على المشاركة بقوة في الاستحقاق الرئاسي المقبل يوم 12 ديسمبر 2019 والتفافه حول جيشه الوطني الشعبي”.
وأضاف “إن الشعب الجزائري الأصيل استحسن بشدة وبارك المواقف التي عبرت عنها المؤسسة العسكرية، بكل وضوح ومنذ بداية الأزمة وإلى غاية اليوم، وقدرها حق قدرها، انطلاقا من الثقة الكبيرة التي يضعها في جيشه، العازم على مواصلة أداء مهامه بكل عزم وتصميم، مهما كانت الظروف والأحوال”.
ولم يفوت المتحدث الفرصة ليشيد بالمظاهرات المناهضة للتدخل الخارجي، في إشارة إلى المسيرات الشعبية المنظمة للرد على بيان البرلمان الأوروبي، الذي انتقد “أوضاع الحريات في البلاد، وانتقد السلطة في التعاطي مع انتفاضة الجزائريين السلمية”.