الموت يغيب الفنان المصري شعبان عبد الرحيم
غيّب الموت، صبيحة الثلاثاء، الفنان الشعبي المصري شعبان عبدالرحيم، الشهير بـ”شعبولا”، وهو الذي أحيا قبل أيام حفلا غنائيا ضمن فعاليات موسم الرياض بالسعودية، وظهر جالسا على كرسي متحرك بسبب إصابته بكسر في القدم وتركيب شرائح داخلها، لكنه كان يعاني قبلها من مشكلات في عضلة القلب والعظام.
رحل الفنان الشعبي المصري شعبان عبدالرحيم في أحد مستشفيات حي المعادي بالقاهرة عن عمر يناهز 62 عاما، الثلاثاء، تاركا فراغا في الساحة الغنائية الشعبية، رغم بساطة كلمات أغانيه واعتماده على لازمة موسيقية واحدة.
وقال الشاعر إسلام خليل، الذي ألّف جميع أعمال الراحل، لـ”أخبارنا الجالية ”، إن وفاته تمثل خسارة كبيرة للأغنية الشعبية، معتبرا أنه نقل مجالاتها إلى آفاق جديدة غير معتادة، وجعلها قريبة من الأحداث اليومية الحياتية للمواطنين.
ونجح شعبان، المولود بحي الشرابية بالقاهرة عام 1957، في النزول بالقضايا السياسية إلى رجل الشارع بأغانيه التي التصقت بالواقع، فلم يترك تطورات محلية أو عربية إلاّ واشتبك معها لتتنوع أعماله ما بين القضايا المحلية وحتى التعبير عن الانتفاضة الفلسطينية وانتقاد سياسات تركيا في المنطقة.
وحقّقت أشهر أغانيه “أنا بكره إسرائيل” التي استوحاها من أحداث الانتفاضة الفلسطينية، جدلا وصل إلى درجة اتهامه بمعاداة السامية، واضطرت سلسلة مطاعم لوقف حملة دعائية بصوته بعد اعتراض اللجنة الأميركية اليهودية.
وجذب خبر الوفاة أنظار عشرات الإسرائيليين على موقع “تويتر” للتغريدات القصيرة الذين تداولوا الخبر، وكتب بعضهم تدوينات معادية له تعتبر أعماله محرضة وتصفه بـ”داعية معروف للكراهية”.
وأعد شعبان قبل أشهر أغنية تنتقد نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، تضمنت هجوما لاذعا على الرئيس دونالد ترامب، ووصفه بالمجنون ودعا شعبه إلى تنحيته من الحكم.
الراحل عُرف بتأديته لأغان ضعيفة الكلمات ذات لازمة موسيقية واحدة، لكنها تشتبك مع الواقع السياسي والاجتماعي
وقال السيناريست عبدالرحيم كمال، إن شعبان بألوان ملابسه ولازمته الموسيقية المكرّرة كان مؤدّي الفن الشعبي الوحيد وسط جميع الفنانين الذي صرخ في أكثر فترات الوطن خنوعا “أنا بكره إسرائيل”.
ولم ينكر الفنان الراحل معاناته في بداية حياته من الفقر والتحاقه بمهن متواضعة من أجل مساعدة والده في الإنفاق على إخوته السبعة، ليتناوب على العمل بكيّ الملابس في محل صغير يمتلكه الأب وسط القاهرة، وكخفير يحرس المنازل، ومساعدا لعمال البناء والدهانات.
وظل يغني في الأفراح الشعبية حتى اكتشفه موزع جرائد بمنطقة بولاق بالجيزة، وقرّر إنتاج أول ألبوماته بعنوان “أحمد حلمي أتجوز عايدة” تضمن أغنية “مبخفش وأنت عارف (لا أخاف وأنت تعلم)” التي كانت سببا في دخوله السينما وجذبت أنظار داود عبدالسيد إليه.
ويقول الناقد الفني طارق الشناوي، إن المغني الشعبي الراحل عبّر عن طبيعة إنسانية تتجاوز الحالة الفنية، واستطاع من خلالها القفز على رهانات النقاد عند بداية ظهوره على اعتباره ومضة سرعان ما تختفي، لكنه استمر لنحو 20 عاما.
وتلقى شعبان على مدار رحلته الفنية هجوما حادا من نقاد الفن، ورفضت نقابة الموسيقيين طوال تاريخه الاعتراف به، واعتبرت أن ما يقدّمه ليس غناء ولا حتى مونولوج.
ويوضح الشناوي، لـ”أخبارنا الجالية ”، أن شعبان كان حالة لاقت النجاح في الشارع المصري عند ظهوره، لكن النقلة الجماهيرية حدثت عندما اقترب بأعماله من نبض الناس فترك تأثيرا يتعدى الأغنية الشعبية إلى التعبير عن معاني عميقة في النفوس.
وحرص الفنان الراحل على اللعب على تلك النقطة طوال تاريخه بتفريغ شحنات الغضب المشتعلة في النفوس واستغلال الطبيعة القومية للعرب، فهاجمت أغنياته قناة الجزيرة القطرية، وهنأ الليبيين على ثورتهم وحذرهم من الاقتتال.
ناصب شعبان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العداء وأعد ثلاثة أعمال خصيصا له تنتقد تدخلاته في الشؤون العربية، وموقفه في التعاطي مع شعبه وجيشه، امتلأت بكلمات فجة تصل إلى درجة الشتائم، لكنها واكبت موجة الهجوم التركي على النظام المصري.
ويقول نقاد، إن شعبان لم يكن مطربا بالتأكيد ولم يمتلك الوعي السياسي بالمعنى العميق، لكن بداخله “ابن بلد” (تعبير مصري يشير إلى الشهامة) يشعر بوجود عدو إسرائيلي يواجهه أو مخاوف ما تحيق ببلده يعبّر عنها.
وأعلن الراحل قبل 11 عاما عن تدوين سيرته الذاتية في كتاب، لم ير النور بعد، كي يستفيد منه المطربون الجدد من أبناء المناطق الشعبية الفقيرة التي عاش فيها طوال حياته حيث تنقل بين 14 منطقة فقيرة قبل أن يبلغ الشهرة ويكشف عبرها المشكلات التي ستواجههم.
وأكد الفنان الشعبي نبيل وهيب، الذي كانت تجمعه صداقة وطيدة بشعبان عبدالرحيم، أنه شجع كل من يريد الغناء ودفعه ليأخذ خطوة للأمام، ونجح بسبب تلقائيته وطبيعته البسيطة، وقدرته على تغيير مزاج من يسمعه من الحزن والاكتئاب إلى الارتياح.
ويعتبر البعض أن شعبان كان يمثل إرهاصات بداية عصر أغاني المهرجانات التي سادت عرش الغناء الشعبي حاليا بسبب دفاعه المستميت عن حق الفنانين الشعبيين في الغناء، وظهوره معهم في أكثر من لقاء تلفزيوني، بعدما جمعتهم مشكلة واحدة تتمثل في عدم اعتراف نقابة الموسيقيين بهم.
كان شعبان عبدالرحيم بسيطا في تعاملاته ويقابل النقد دائما بسخرية حتى من هيئته وملابسه المزركشة، اكتسب احترام الجمهور بعلاقاته الخاصة بزوجته الراحلة التي رفض الزواج بغيرها لوقوفها معه في أيام الفقر، وتأكيده أن صوته ليس جيدا وأنه فقط يقدّم شيئا يبهج الناس.