انحصار البوليساريو بين إهمال الجزائر و تناقض الأوروبيين

سوف لن يختلف اثنان في أن الأيام المقبلة لن تكون سهلة أبدا على التنظيم الذي ظهر في سبعينيات القرن الماضي، ليطالب بتقرير المصير للصحراء. فأكبر تحد سيواجهه البوليزاريو، قدرته على البقاء وسط موجة من التحولات الجذرية والدراماتيكية التي تجتاح المنطقة وتدق على بابه بقوة.
ومع ذلك لن يخطر ببال كل من يتابع ما تنقله الأخبار الصحراوية من  موضوعات، من أنه سيكون من المناسب جدا أن يطرح مثل ذلك السؤال الوجودي في ظل ما ينشر باستمرار عن قرب التوصل لتحقيق نصر كاسح على من يطلق عليه «العدو المغربي»، الا أن من يتابع بالمقابل ما يستجد من تطورات واحداث على اطراف البوليزاريو، وحتى داخل معقلها التقليدي في تندوف، سوف لن يتوانى أبدا عن الإقرار بأن طرحه اليوم بالذات بات أمراً مستعجلا، حتى إن كان هناك شك في أن يكون ذلك دليلا ساطعا على أن الطريق باتت مفروشة تماما أمام نصر ساحق لوجهة النظر المغربية في حل النزاع الصحراوي المزمن.
ولعل ما يلفت الانتباه، أنه في الشهر نفسه الذي تُقدم فيه الجزائر على منعرج سياسي حاسم، من خلال تنظيم انتخابات رئاسية مفتوحة على المجهول، تعقد جبهة البوليزاريو بالمثل مؤتمرا قد يكون مفصليا ومصيريا في تحديد مستقبلها. لكن مفتاح الربط بين الموعدين قد يكون موجودا على الضفة الاخرى. فالعلاقات الجزائرية الأوروبية تمر اليوم باختبار دقيق. والسبب المباشر في ذلك، اللائحة التي أصدرها البرلمان الاوروبي الخميس الماضي، وتعلقت بالأوضاع في الجزائر، وكان قصد بعض البرلمانيين من ورائها، كما اعلنوا هم عن ذلك، التعبير ربما في ظرف لم يكن مناسبا، وبشكل قد لا يبدو ملائما أيضا عن تضامنهم مع الحراك الشعبي الجزائري الراغب في التغيير الشامل، وهو ما كان بمثابة الهدية المسمومة التي سارعت السلطات لالتقاطها وتقديمها حجة وبرهانا لا يطاله الشك، على أن هناك أيادي أجنبية خبيثة تريد أن تفرض رؤيتها وأجندتها الخاصة على بلد يدرك الجميع حساسية كل أبنائه، على اختلاف توجهاتهم، لأي تدخل خارجي في شؤونه. لكن بيانين مختلفين صدرا الخميس الماضي أيضا من داخل الجزائر الأول، ردا على موقف البرلمان الأوروبي، والثاني على موقف آخر أخذته الحكومة الإسبانية قبلها بيوم، وجاءا مختلفين من حيث الشكل فقط، رغم أنهما كانا يخصان مسألتين منفصلتين تماما في الظاهر.

في الوقت الذي تقدم فيه الجزائر على منعرج سياسي بتنظيم انتخابات رئاسية مفتوحة على المجهول، تعقد جبهة البوليزاريو مؤتمرا قد يكون مفصليا ومصيريا في تحديد مستقبلها

ففيما ورد الأول بلهجة حادة، وأعربت من خلاله وزارة الخارجية الجزائرية عن إدانتها ورفضها شكلا ومضمونا للائحة البرلمان الأوروبي، التي صدرت في اليوم نفسه، ونددت بانتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية في الجزائر، واعتبرتها «تدخلا سافرا» في شؤونها الداخلية، مشيرة إلى أنها «تحتفظ لنفسها بالحق في مباشرة تقييم شامل ودقيق لعلاقاتها مع المؤسسات الأوروبية، قياسا بما توليه هذه المؤسسات فعليا لقيم حسن الجوار، والحوار الصريح والتعاون القائمين على الاحترام المتبادل «لوحظ أن الثاني الذي قالت فيه قيادة البوليزاريو في تندوف، إنها تدين بيان وزارة الخارجية الإسبانية، الذي صدر الأربعاء الماضي، وحذّر الإسبان من زيارة مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر بحجة عدم استتباب الأمن فيها، واحتمال تعرضها لعمل إرهابي، معتبرة أن مثل ذلك التحذير «ليس له ما يبرره، اللهم إلا إذا كانت هناك أهداف أو دواع سياسية خلفيتها التواطؤ المفضوح، الذي لا يستهدف هؤلاء اللاجئين وحدهم، بل يتعداهم إلى البلد الذي يستضيفهم « مثلما جاء في النص كان نسبيا أقل حدة، لكن هل كانت هناك علاقة بين الامرين؟ ثم ما الذي دفع الأوربيين لأن يعلنوا الآن بالذات عن مواقف تبدو عدائية تجاه السلطة في الجزائر وقريبة أو موالية إلى حد ما لجارتها المغرب؟ ثم ما الذي دفع الأوربيين لأن يعلنوا الآن بالذات عن مواقف تبدو عدائية تجاه السلطة في الجزائر، وقريبة أو موالية إلى حد ما لجارتها المغرب؟ من الواضح أن كثيرين في الضفة الشمالية للمتوسط باتوا يتطلعون بقلق إلى موعد الثاني عشر من الشهر الجاري، المقرر لانتخابات الرئاسة في الجزائر وينظرون بشيء من الحيرة أيضا إلى ما يمكن أن تعرفه الأحداث من تطورات، في ظل إصرار السلطات على تنظيم اقتراع لا يبدو أن معظم الجزائريين يتحمسون له.
ولكن الأوروبيين ليسوا ممن يضع بيضه في سلة واحدة مثلما أن موقفهم من تلك التطورات المرتقبة على حدودهم ليس واحدا أو ثابتا، فالمسألة شديدة التعقيد، وربما أكثر من اللازم، لأنها لا تخص فقط تأمين مصالحهم في بلد مهم كالجزائر، بل كامل تصورهم للخريطة المستقبلية لشمال افريقي يقع في قلب منطقة تعج بالصراعات والتقلبات الخطيرة. وهم يدركون وسط ذلك انهم ليسوا اللاعب الوحيد، أو الطرف الذي سيرسم الحدود والتفاصيل منفردا. فقد حط الأمريكان والروس هناك ثقلهم، مثلما لم يتخلف الصينيون بدورهم عن الإشعار بوجودهم. ولأجل ذلك فإن الاوروبيين يحاولون السير على أكثر من حبل واحد، والجمع بين المتناقضات معا في الوقت نفسه. ففيما يكررون الإشارات الودية تجاه المغرب يطلقون بالمقابل أكثر من رسالة نحو الجزائر، ولكنهم يأخذون دائما وأبدا بيد ما يمنحونه بالاخرى. فهم لا يصدرون مثلا مواقف رسمية من التطورات في الجزائر تجعل بلدانهم ملزمة بها، بل يتركون المهمة لبرلمان ليس لقراراته سوى سلطة رمزية ومعنوية، وبينما يحذرون مواطنيهم مثلما فعلت اسبانيا من زيارة مخيمات الصحراويين، لا يمنعونهم بالمقابل من ذلك، بل يصل وزير داخلية مدريد اربعا وعشرين ساعة بعد إصدار القرار إلى الجزائر، ليعبر عن رفضه التدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية.
ولكن من سيكون في خضم كل تلك الاشارات المتناقضة الطرف الاقوى أو بالمقابل الحلقة الاضعف؟ وما هو الرقم الذي سيحتفظ به الاوروبيون كورقة ضغط وابتزاز على الطرفين معا، أي المغربي والجزائري؟ لقد كان البوليزاريو لعقود هو من يستوعب كل ذلك الخليط من المتناقضات الاوروبية.

ولا شك أن ذلك كان يحصل في ظل تنسيق تام مع الجزائر أو بالاحرى مع بعض القيادات العسكرية فيها. ولكن ما قد يغير قواعد اللعبة الآن، أن يتحول أولئك المتضامنون أو البعض منهم إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في اي وقت، وربما الارتداد حتى على الجبهة نفسها، أو أن يصبحوا رهائن لدى جهة ما. وفي كلا الحالتين يتضح أن تنبيهات مدريد من وقوع عمل ارهابي وشيك في الصحراء، لم تكن عملا مجانيا. ولاجل ذلك فسيكون من أوكد اولويات جبهة البوليزاريو الآن أن لا تكتفي باتهام المغرب  فقط، بل أن تراجع مجمل خياراتها واستراتيجياتها، وتدرك طبيعة المرحلة التي تنتظرها حتى لا يكون مصيرها شبيها بمصير كثير من التنظيمات التي ظهرت مثلها في سبعينيات القرن الماضي، ثم اندثرت تماما من الوجود.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: