التفاف شخصيات سياسية حول بن فليس لدعمه في الانتخابات الرئاسية
دخلت الحملة الانتخابية للاستحقاق الرئاسي في الجزائر أسبوعها الثالث والأخير. وعلى الرغم من الجدل الذي طغى بشأن الرافضين والداعمين للعملية الانتخابية، حسمت شخصيات سياسية وأكاديمية موقفها واختارت دعم المرشح الرئاسي علي بن فليس الذي نجح في الترويج على أنه الشخصية التي تقتضيها المرحلة، بسبب تبنيه خطابا وسطيا متوازنا، فهو متفهم لصوت الشارع من جهة، وخيارات وأولويات السلطة من جهة ثانية.
تتواصل الحملة الانتخابية للاستحقاق الرئاسي في الجزائر في أجواء استثنائية، بسبب المعارضة الشديدة التي يبديها الشارع للمخرج الذي حددته السلطة الفعلية للأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ عشرة أشهر، ومع ذلك يطمح المرشحون الخمسة إلى فرض الأمر الواقع، والفوز بكرسي الرئاسة بعد عشرة أيام من موعد الانتخابات.
ويحظى المرشح للانتخابات الرئاسية الجزائرية علي بن فليس، بدعم عدة شخصيات أكاديمية وسياسية ونقابية ونواب برلمانيين، ورأوا فيه الشخصية المناسبة لإنقاذ البلاد من المأزق الذي تتخبط فيه، ولتحقيق المطالب الأساسية للشارع الجزائري، وذلك حسب بيان وقّعته، الاثنين، العشرات من الشخصيات.
وذكر الموقّعون بأن “الرغبة في تحقيق مطالب الحراك الشعبي تكون عبر إصلاحات سياسية عميقة تحافظ على الثوابت الوطنية وتكرس الاستقرار في البلاد، والذهاب إلى تعديل دستوري عميق بشكل يعيد السيادة للشعب، بغية بناء مؤسسات رسمية تحظى بالشرعية. غير أن المعنيين اعتبروا أن المشاركة في الانتخابات خيار حتمي، ودعم بن فليس هو المخرج الأساسي من الأزمة “.
وظهر من بين الشخصيات الموقعة على المبادرة، نواب برلمانيون وأكاديميون ومستقلون، ومنهم من ينحدر من مختلف التيارات السياسية، بما فيهم تيار الإسلام السياسي، في صورة محمد حديبي، وفاتح ربيعي ومحمد الهادي عثامنية، وهم شخصيات قيادية في حركة النهضة الجزائرية.
ويعكس ذلك تشتت الإسلاميين في الانتخابات القادمة، ففيما تعارض أكبر الأحزاب الإخوانية في الجزائر ( حركة مجتمع السلم ) الاستحقاق الرئاسي، وأرجأت قرارها النهائي إلى الجمعة القادم، انخرطت حركة الإصلاح في الصفوف الداعمة للمرشح المستقل عبدالمجيد تبون، وتتوّجه رؤوس النهضة لدعم علي بن فليس.
ويبقى التيار القوي في صفوف الإسلاميين، وهو وعاء جبهة الإنقاذ من بين التيارات المغذية لزخم الحراك الشعبي، رغم تفاديه رفع شعارات الخطاب الإسلامي، تفاديا لأي انقضاض للسلطة على الشارع بدعوى تطويق تمدد الإسلاميين، وحتى بروز مراجعات فكرية وأيديولوجية في خطاب ملهم لقواعد جبهة الإنقاذ، مثل القيادي علي بلحاج، الذي بات يزعم بـ”حتمية التعايش بين جميع التيارات من أجل الجزائر”.
وفي ظل غياب الأجواء والشروط الأساسية لإجراء حملة دعائية، بسبب هيمنة المناهضين على الشارع، والافتقاد إلى مراكز سبر آراء، وحتى رفض المرشحين خوض مناظرة تلفزيونية، يبقى الغموض يخيّم على حظوظ المتنافسين حول كرسي الرئاسة، والرهان على ظهور معالم دعم السلطة لمرشح معين على حساب الآخرين، بغية معرفة مؤشرات كل واحد من الخمسة.
وعكس الاستحقاقات الماضية التي يظهر فيها الرئيس بأشهر سابقة وحتى سنوات، فإن السلطة الحالية عمدت إلى إبقاء حالة الغموض على موقفها، لإضفاء طابع الحياد على السباق، مما جعل كل المرشحين يملكون حظوظا للفوز بكرسي الرئاسة.
ويرى مراقبون في الجزائر أن “حالة الغموض السائدة لا تترجم حالة عدم الانحياز والوقوف على مسافة واحدة بين المرشحين الخمسة، لتكريس مزاعم الرجل القوي في السلطة والجيش الجنرال قايد صالح، الذي تعهد في أكثر من تصريح بحياد العسكر، وإنما هي حالة من الارتياح على مصير النتائج، لأن المرشحين الخمسة كلهم من نظام بوتفليقة أو من مدرسة النظام، ومهما كانت نتيجة الاقتراع فإنها لن تخرج من سياق السلطة”.
وهو ما يجعل علي بن فليس واحدا من المرشحين المحظوظين، لحيازته على شروط اللعبة السياسية، فهو من جهة ابن النظام ومن جهة أخرى عارض نظام بوتفليقة، كما أنه بإمكانه امتصاص ضغط الشارع بعد الانتخابات بالتعهدات التي أطلقها في حملته الانتخابية، في ظل التوقع باستمرار الاحتجاجات، وليس من المغامرين بقلب الطاولة على النظام الحالي.
تصريحات بن فليس بمثابة رسائل تنطوي على خطاب وسطي، حيث يريد الجمع بين مطالب الشارع المنتفض وبين السلطة المتمسّكة بخياراتها
وقال بن فليس في تجمع شعبي له، الاثنين، في مدينة مستغام بغرب البلاد “يجب الحفاظ على مشعل الجزائر. جئت لأن حب الجزائر يجمعنا.. بلدنا يبكي ومتعب لكن المستقبل سيكون زاهرا بحول الله، لا بالحقد، لا بالكره ولا بتصفية الحسابات بل بمشروع سياسي يدفع بها إلى الخير”.
وأضاف “يجب حل الأزمة السياسية أولا، وأن يبقى الشعب متمسكا بالدولة وأن يبنيها بشرعية المؤسسات، يجب أن يلتحم معها ويدافع عنها من خلال اختيار رئيس للبلاد، وبرلمان ومنتخبين محليين حتى تصبح المؤسسات تسير في الاتجاه الصحيح، وبعدها ننطلق في بناء الاقتصاد وتحقيق مشروع المجتمع”.
وتابع “ليس محتّما علينا العيش وسط الأزمة، يجب بناء عدالة مستقلة ونظيفة، وإعلام نقي، وأن ندافع عن قيم الشعب الجزائري وتحسين واقع التعليم والصناعة والفلاحة وكل القطاعات. الجزائر بلد خير ويمكننا تجاوز الوضع بسلام”.
وتصريحات بن فليس هي بمثابة رسائل تنطوي على خطاب وسطي، حيث يريد الجمع بين مطالب الشارع المنتفض وبين السلطة المتمسكة بخياراتها للخروج من الأزمة، ليكون بذلك خطا ثالثا، وهو ما يؤهله لأن يكون صاحب حظوظ وأحد الخيارات المتاحة للسلطة الحالية، من أجل التخفيف من الاستقطاب القائم بين طرفي الأزمة، والذهاب إلى حلول ترضي الجميع.