أموال القذافي لازالت تتابع نيكولا ساركوزي

أعاد تحقيق صحافي في فرنسا تسليط الضوء على ملف فساد يرتبط بتلقي مقربين من الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي أموالا مصدرها ليبيا في عهد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، ويعيد طرح الأسئلة حول حقيقة التدخل الفرنسي، الدولي، في ليبيا في 2011، والذي انتهى بمقتل القذافي.

كانت باريس قادت حملة عسكرية دولية شاركت فيها بريطانيا والولايات المتحدة ضد قوات تابعة لنظام القذافي، كما أن قاذفات فرنسية بدأت بقصف أرتال للقوات الليبية كانت متجهة إلى مدينة بنغازي (مارس 2011) قبل صدور قرار عن مجلس الأمن رقم 1973 والداعي إلى فرض وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وقد أثار الأمر أسئلة حول عجالة فرنسا للتدخل قبل أن تحظى بغطاء دولي شرعي.

ونشر موقع “ميديا بارت” الفرنسي الاستقصائي، الأحد، تحقيقا قال فيه إن أحد المقربين من ساركوزي تلقى في عام 2006 تحويلات مالية بلغت قيمتها 440 ألف يورو من نظام القذافي من خلال حساب مصرفي يملكه الوسيط في هذه الصفقة ومهندس العلاقات بين القذافي وساركوزي، رجل الأعمال الفرنسي اللبناني زياد تقي الدين.

وكان “ميديا بارت” الشهير بتحقيقاته الاستقصائية كشف في 28 أبريل عام 2013 عن هذه القضية من خلال نشر مذكرة ليبية رسمية تتحدث عن تفاهمات جرت بين النظام الليبي بقيادة القذافي وساركوزي لتمويل حملته للانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو 2007.

في هذه المذكرة، التي تعود إلى تاريخ 10 ديسمبر 2006 والموجهة إلى بشير صالح، المدير السابق لمكتب القذافي ومدير محفظة ليبيا أفريقيا الاستثمارية، يؤكد موسى كوسا، المدير السابق للمخابرات الليبية، أن نظام القذافي قبل تمويل حملة ساركوزي في 2007 “بخمسين مليون يورو”.

ساركوزي تلقى أموالا ليبية لتمويل حملته الانتخابية عام 2007 من خلال حسابات وسيطة لمقربين منه

وقد ادعى ساركوزي على “ميديا بارت”، متهما إياه بتقديم وثائق مزوّرة، إلا أنه بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من التحقيقات القضائية رد القضاء شكوى ساركوزي عام 2016، مؤكدا أن الوثيقة ليست مزوّرة وأن ما يملكه القضاء من معلومات يؤكد أن القضية صحيحة.

وأعادت تقارير حيثيات الحماس الفرنسي لإسقاط القذافي في عهد ساركوزي، إلى رغبة الأخير في دفن فضائح حول علاقة ملتبسة مع القذافي والتغطية على ملفات فساد كان من شأنها الإطاحة بساركوزي وحظوظه في التجديد لنفسه في الانتخابات الرئاسية عام 2012.

وساهمت الأسئلة حول طبيعة ما جمع ساركوزي بالقذافي في فشله في تلك الانتخابات أمام منافسه الاشتراكي فرنسوا هولاند، إلا أن خروج ساركوزي من الحكم واعتزاله مؤقتا للعمل السياسي لم يوقفا التحقيقات التي تولتها أجهزة القضاء والصحافة الفرنسية لإجلاء غموض تلك الحقبة.

كشف تحقيق “ميديا بارت” الأخير أن تيري غوبرت، الذي شغل منصب مستشار لنيكولا ساركوزي، حين كان الأخير عمدة بلدة نويي القريبة من باريس، ووزير المالية لاحقا (1993-1995)، تلقى المبلغ المالي، المنوه عنه، في 8 فبراير 2006، على حساب تم فتحه في جزر البهاماس، عن طريق تحويل لشركة روسفيلد المملوكة لرجل الأعمال اللبناني الفرنسي زياد تقي الدين، وأنه قد تم تحويل الأموال في اليوم التالي إلى حساب مجهول.

واعتبر المراقبون أن هذا الكشف يعد تحولا في هذه القضية وسيراكم مزيدا من الأدلة على تلقي ساركوزي أموالا ليبية لتمويل حملته الانتخابية عام 2007 من خلال حسابات وسيطة استلمها مقربون من الرئيس الفرنسي الأسبق.

وكان ساركوزي قد قال في مارس 2018 إن مزاعم تلقيه أموالا لتمويل حملته الانتخابية من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي جعلت حياته “جحيما”. ونقلت الصحف الفرنسية أنه قال للقضاة الذين يباشرون التحقيق معه “إنني متهم دون أي دليل مادي”.

ووجه القضاء الفرنسي آنذاك اتهامات إلى ساركوزي بشأن قضية تمويل ليبي لحملته الانتخابية، وتتعلق التهم التي يحقق بها معه بـ”التمويل غير القانوني لحملته الانتخابية” و”إخفاء أموال عامة ليبية” و”الفساد المقصود”.

معمر القذافي تبرع بمبلغ 50 مليون يورو لدعم حملة ساركوزي الرئاسية

وأفرج عن ساركوزي حينها بعد التوقيف الاحتياطي الذي استمر لـ26 ساعة وإخضاعه ليومين من الاستجواب بشأن تمويل حملته الانتخابية الرئاسية عام 2007.

وتقول تحقيقات “ميديا بارت” إنه ثبت أن كافة تمويلات شركة روسفيلد كانت ترد من نظام القذافي، وأنها وصلت إلى 6 ملايين يورو في عام 2006. وأوضح التحقيق أن 3 ملايين وصلت في يناير، أي قبل أيام قليلة من التحويل الذي ذكره الموقع، الأحد، وأن تحويلا آخر جرى في مايو وتحويلين آخرين في نوفمبر. وقالت وسائل الإعلام الفرنسية إن تيري غوبرت وزياد تقي الدين لم يجيبا على أسئلة الصحافيين حول هذا الكشف الجديد، إلا أن موقع “ميديا بارت” نقل عن غوبرت قوله إن “شركة روسفيلد ليست مملوكة لتقي الدين وأن أموال الشركة ليست ليبية على الإطلاق”.

ومازال القضاء الفرنسي يحقق في هذه القضية منذ 6 سنوات. وقد تقدم القضاء بمجموعة من القرائن التي تجعلها صالحة لاتهام ساركوزي بأنه استخدم تمويلا أجنبيا في عام 2007 وأن هذا التمويل مصدره نظام القذافي.

وكان زياد تقي الدين قد أقر بأنه كان وسيطا بين فرنسا وليبيا لتسهيل عقود تم إبرامها بين الطرفين. وادعى في نوفمبر 2016 أنه سلم ما بين نهاية عام 2006 وبداية 2007 مبلغ 5 ملايين يورو لساركوزي، وكان في حينها وزيرا للداخلية، بحضور مدير مكتبه كلود غيان. ومع ذلك خلت اتهامات تقي الدين من أي أدلة حسية حول هذه المزاعم، إلا أن القضاء استند في اتهاماته لساركوزي على تحويلات وأنشطة مصرفية مشبوهة أثارت شكوك المحققين.

ووجه القضاء 8 اتهامات إلى ساركوزي في 21 مارس 2018 مرتبطة بـ”الفساد والتمويل غير القانوني للحملة الانتخابية وإخفاء اختلاس الأموال العامة الليبية”. ويقوم جهاز ساركوزي القانوني بنقض هذه الاتهامات وتفنيدها وتقديم الأدلة على بطلانها، على أن ينظر القضاء في هذه الدفوع في 19 مارس المقبل أمام محكمة الاستئناف في باريس.

ومثل غوبرت أمام المحكمة الجنائية في باريس الإثنين بتهمتي “التهرب الضريبي” و”غسل الأموال والاحتيال الضريبي”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: