الهاجس القانوني و السياسي للحريات الفردية بالمغرب

ناقش عدد من رؤساء الأحزاب المغربية مسألة الحريات الفردية في المملكة لما تشكله من هاجس قانوني وسياسي، في خطوة اعتبرها مراقبون غير مسبوقة، حيث جمعت أغلب الأحزاب حول طاولة واحدة.

ودعت الأحزاب الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والقضائية إلى المساهمة بشكل مسؤول في انبثاق منظومة قانونية وتشريعية تفتح المجال لحريات دون التناقض مع هوية المجتمع ولا تتنكر للتطورات الجارية.

وعلى الرغم من التباينات والجدل الذي لطالما رافق ملف الحريات الفردية في المغرب، إلا أن الأحزاب المغربية على اختلافاتها أجمعت على ضرورة تعزيز هامش الحريات، مشيدة بحرص المغرب على تعزيز ترسانته الحقوقية اتساقا مع دعوات العاهل المغربي الملك محمد السادس في هذا المجال.

واعتبر مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، خلال مشاركته في الجامعة الشعبية التي نظمها حزب الحركة الشعبية، السبت، بمدينة سلا، حول الحريات الفردية، أن “الأمر الحاسم في تحديد مساحة الحرية هو منظومة القيم السائدة داخل المجتمع، سواء ارتبطت هذه المنظومة بما هو ديني أو قانوني أو مجتمعي”.

من جهته تساءل محمد العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية في كلمته الافتتاحية خلال اللقاء الذي نظمه حزبه، عما إذا كانت هناك حدود مقبولة للحريات الفردية.

وبين العنصر أنه يجب البحث عن كيفية التوفيق بين تطوير المجتمع وبين القيود المجتمعية.

بدوره أكد محمد أوزين، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية، أن موقف حزبه من مسألة الحريات الفردية وسطي ومعتدل، ومنبثق من “الابتعاد عن رياح الشرق وعدم الانغماس في رياح الغرب”.

ولفت منير بنصالح، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى أن القوانين ذات الصلة بالحقوق والحريات، لا بد أن تتسم بالانسجام والشرعية، وتواكب التطورات الحاصلة في المجتمع وهي تستشرف المستقبل، مبرزا أنها “لا بد أن تستجيب لحاجات الناس المختلفة في مجال الحريات والحقوق، بحيث إن الفرد يزداد ارتباطه بمجتمع يحمي حقوقه ويضمن له ممارسة حرياته في نطاق القانون، وفي إطار من الاحترام المتبادل بين الجميع”.

وتقدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمذكرة في موضوع الحريات الفردية للبرلمان، تضمنت جملة من التوصيات من قبيل رفع التجريم عن ممارسة الحريات الفردية.

وطالب مصطفى الناوي، مدير الدراسات والبحث والتوثيق في المجلس، بحذف الفصول المجرمة للحريات الفردية من نص القانون الجنائي، معتبرا أن هذه الفصول “تجعل المجتمع يتخبط في تناقضات، حيث يتمّ الترويج لخطاب معين، لكن الممارسات على أرض الواقع تُناقض تماما هذا الخطاب، وهذا يؤدي إلى اضطراب المنظومة القانونية للبلاد”.

هاجس الجميع

وقال الناوي في هذا الإطار إن “القانون الجنائي وُضع أساسا لحماية الحقوق والحريات، ولا يمكن أن يجرم إلا الأفعال التي تلحق الضرر بالغير، ولكن حين يجرم الأفعال التي لا ضرر فيها على الغير، مثل الإدمان، فهذا يطرح إشكالا قانونيا، لأنّ الإدمان يُعتبر مرضا والمدمن يُضرّ نفسه ولا يضر أحدا آخر، لهذا فهو يحتاج إلى العلاج وليس إلى العقاب”.

وتفاعلا مع ما ذكره الناوي، أوضح مصطفى الرميد أنه “لا يجوز أن نضع أي خطوط حمراء أمام المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لكن في نفس الوقت الحكومة غير ملزمة بآرائه”.

وبين أن المغرب فتح في المرحلة السابقة موضوع الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة ومن بينها القانون الجنائي، الذي كان من المفترض أن يعدل بشكل كامل لكن للأسف هذا لم يحدث بسبب انتهاء الولاية الحكومية السابقة، وتم بعد ذلك الاقتصار على التعديلات الضرورية اللازمة فقط.

وقد وقف محمد ساجد، الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري، على الجمود الذي يعيشه مشروع القانون الجنائي، ما يشكل “إحراجا” للطبقة السياسية في البلاد، حسب تعبيره.

ورأى أن “هناك مواقف غير واضحة داخل هيئاتنا ومجتمعنا، حول المواضيع المتعلقة بالحريات الفردية وهي مواضيع حساسة قد تسبب مشاكل سياسية وانتخابية”.

أما البرلمانية آمنة ماء العينين، فلفتت إلى أن القيادات السياسية معزولة عن النقاش الدائر حول الحريات الفردية، ودعت الأحزاب إلى التحلي بالجرأة في طرح مواقفها بخصوص الحريات الفردية وألا تخاف من المجابهة”.

وطالب الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري بضرورة التقدم و”عدم البقاء جامدين في بعض المواقف والقضايا المصيرية في بلادنا”، مشيرا إلى أن “الجميع محرج اليوم بسبب عدم خروج القانون الجنائي للوجود، الجميع محرج من بعض القضايا التي أثيرت في بلادنا وتركتنا حائرين لأن القانون جامد ومجتمعنا يتغير”.

وطرح الأمين العام لـحزب الحركة الشعبية محمد العنصر في ختام مداخلته تساؤلا عن” الحدود المعقولة للحرية الفردية للأشخاص”، موضحا أن “القضاة وأفراد القوات العمومية يجدون حرجا في بعض الحالات التي تعرض عليهم، خصوصا ذات الصلة بالحريات الفردية”، ومؤكدا أن “مسألة اتفاق الجميع حول رأي واحد أمر غير ممكن على الإطلاق”.

ونظرا لحساسية الموضوع، يستنتج محمد ساجد أن على الأحزاب السياسية ألا تنظر إلى المواضيع من زاوية أنها ستسبب لها مشاكل سياسية وانتخابية، بل ينبغي أن تكون لها الشجاعة لتناول هذه المواضيع.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: