النيران مشتعلة في خندق السلطة الجزائرية
صعّدت نقابة قضاة الجزائر من لهجتها ضد الحكومة الجزائرية المؤقتة، إثر تشكيك وزير العدل بلقاسم زغماتي في نجاعة جهاز القضاء بالبلد، ما فاقم حالة التوتر والتجاذب بين أطراف السلطة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، ويزيد تجدد التوتر مع القضاة الضغوط على السلطة التي باتت على وشك خسارة أقوى أدواتها، فيما تحرجها الاحتجاجات الشعبية الرافضة لتنظيم انتخابات قبل أقل من أسبوعين على موعدها.
تساهم النيران الصديقة المشتعلة في خندق السلطة الجزائرية، في تفاقم متاعبها أمام التطورات المناهضة لها، فإلى أيام قليلة قبل موعد الانتخابات الرئاسية لم يستقر الخيار داخل دواليبها حول المرشح الذي تراهن عليه لقيادة البلاد في المرحلة القادمة، وحتى جهاز القضاء الذي ظل يمثل ذراعها القوية في تطويع بؤر التمرد السياسي والاجتماعي، بات هو الآخر على أعتاب حركة تمرد ضد الحكومة.
وتوترت مجددا العلاقة بين الرجل الأول في جهاز العدالة وبين القضاة، بعد توجيه تنظيم نادي القضاة (هيئة نقابية قيد التأسيس)، انتقادات شديدة اللهجة لوزير العدل بلقاسم زغماتي، نعتته بـ”الوزير المنتمي إلى حكومة غير شرعية نصبتها العصابة قبل رحيلها”، في إشارة إلى الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وذكر بيان لنادي القضاة أنه “تلقى ما جاء على لسان وزير العدل أمام البرلمان من اتهامات طعنت في تكوين القضاة، وشككت في الأحكام الصادرة عنهم بنوع من الاستغراب والاستهجان”.
وأضاف “إن العديد من وزراء العدل منذ الاستقلال انتقدوا منظومة تكوين القضاة علانية وبصفة شعوبية، ولم يقدموا الحل أو البديل لهذا النقد من المرحوم عمار بن تومي، محمد بجاوي، محمد الشريف خروبي، أحمد أويحيى، محمد شرفي والطيب بلعيز”.
وكان وزير العدل بلقاسم زغماتي قد أبدى شكوكا خلال مداخلته أمام نواب البرلمان، في مستوى ونجاعة القضاة، وانتقد بعض الأحكام الصادرة في بعض الأحيان، وذلك بمناسبة عرض المشروع الحكومي المتعلق بتعديل القانون الجزائي.
وشبه متابعون للشأن الجزائري توتر العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية خلال الأسابيع الأخيرة، بـ”النيران الصديقة” داخل معسكر السلطة، واعتبروا أن الجهاز الذي ظل يمثل ذراعا قوية لتطويع بؤر التوتر الاجتماعية والسياسية، لم يعد أداة طيعة في يد السلطة، مما يدعوها إلى إيجاد بدائل جديدة لتمرير أجنداتها.
ولفت بيان النقابة إلى أنه “طيلة تلك الفترات كان يتم انتقاء القضاة وفق معايير أيديولوجية تتطابق مع اختيارات ومبادئ الميثاق الوطني لسنة 1976 من المناضلين المحنكين الذين يدركون مواطن مصلحة الدولة الاشتراكية والخط السياسي للحزب، مع تكوينهم أيديولوجيا على ذلك حسب ما جاء في الميثاق الوطني لسنة 1986”.
وأكد أن “كل هؤلاء الوزراء المتعاقبين على رأس وزارة العدل، تناسوا عمدا أو سهوا، أن مناصبهم ومسؤولياتهم لم تجعل منابر للنقد والتنظير، بقدر ما هي مناصب للعمل وإعطاء الأفكار والحلول والبدائل القانونية”.
ويبدو أن نقابة القضاة التي ساندت الحراك الشعبي منذ أسابيعه الأولى في شهر مارس الماضي، وعبرت عن دعم مطالب التغيير السياسي الشامل في البلاد، لاسيما ما يتصل باستقلالية القضاء، تتجه إلى تصعيد اللهجة ضد الحكومة عشية الاستحقاق الرئاسي المقرر بعد أسبوعين. ولم يتوان رئيس النادي سعدالدين مرزوق، خلال تصريحات صحافية، في توجيه دعوات لتنحية وزير العدل بلقاسم زغماتي، ومعه الحكومة كاملة، وبرر ذلك بكون “وزير غير شرعي في حكومة غير شرعية عينتها العصابة”.
وهو التوجه الذي كرسه بيان النقابة من خلال الإشارة إلى أن “نقد منظومة التكوين القاعدي للقضاة من شخص وزير عدل مطعون في شرعيته، وينتمي إلى حكومة عينتها قوى غير دستورية، كان إلى عهد قريب أستاذا مكونا بالمدرسة العليا للقضاء، وساهم ولو بنزر قليل في الإشراف على أغلب الدفعات الأخيرة من القضاة الذين انتقدهم وطعن في منظومة تكوينهم والتي كان جزءا منها”. وأضاف “نفس الانشغال عبر عنه من سمى نفسه (خاطف الأنظار)، الوزير السابق المتواجد رهن الحبس بتهم فساد طيب لوح، أثناء زيارته للمدرسة العليا للقضاء العام 2014، مع برمجة محاضرة نموذجية ألقاها القاضي المكون بلقاسم زغماتي، والذي لم ينتقد حينها مناهج التكوين وتعهد آنذاك بإدخال تغييرات جذرية عليها، وأن مثل هذه الدروس لا فائدة منها، ولم ينبس الوزير الحالي ببنت شفة، ولم يجد سوى الطلبة القضاة الممارسين حاليا لرفع معنوياته وتبجيله بعد مغادرة لوح”.
وكان القضاة قد شنوا إضرابا شاملا خلال الأسابيع الماضية، تلبية لنداء نقابة القضاة المحتكرة لغالبية المنتسبين للقطاع، قبل أن تعود وتتوعد وزير العدل في بحر الأسبوع الماضي برد قاس على الوزير زغماتي، بدعوى “تملصه من الالتزامات التي تعهد بها في المفاوضات التي جرت بين الطرفين”.
ويشكل القضاة فاعلا مهما في عملية تنظيم الاستحقاق الرئاسي، من خلال المشاركة في إدارة اللجان اللوجيستية والإدارية والتشريعية، وهو ما يطرح افتقاد السلطة لإحدى الأدوات القوية في توجيه وفرز النتائج النهائية، في ظل التجاذب المتفاقم بين تنظيماتهم النقابية والوزارة الوصية.
وذهب نادي القضاة إلى حد استهجان عرض الوزير أمام نواب البرلمان، بسبب ما أسماه بـ”وجود برلمانيين، أميين لا يقرأون ولا يكتبون، وأمام وزراء لم يحصل البعض منهم على شهادة جامعية إلا بعد ترقيته كوزير، في حين يقضي القاضي ما لا يقل عن سبع سنوات في تكوينه القاعدي العام”.
ويبدو أن الوزارة الوصية مستمرة في تنفيذ أجندتها، فيما يتعلق بحركة النقل والتحويل التي طالت نصف تعداد قضاة البلاد (ثلاثة آلاف قاض)، حيث لم توافق دوائرها إلا على 10 بالمئة من مجموع الطعون التي قدمت لها، وهو ما أثار النقابة مجددا، ولا يستبعد معه تصعيد الاحتجاج مجددا، كون المسألة هي التي أثارت إضراب الأسابيع الماضية.