السلطة الجزائرية توفر كل الظروف لمسيرات مؤيدة
حاولت السلطة القائمة في الجزائر إبراز الدعم الشعبي لخيارها بتنظيم الانتخابات الرئاسية قريبا من خلال توفير كل الظروف الملائمة لمسيرات مؤيدة لها، لكن الأمر ارتد عليها عندما فشلت هذه التظاهرات، وحتى التنديد بموقف البرلمان الأوروبي الأخير بشأن الوضع السياسي والحقوقي في الجزائر لم تنجح الحكومة في تمريره شعبيا.
أخفقت السلطة الجزائرية مجددا في تعبئة الشارع لدعم خيار الانتخابات واستعادة التوازن الميداني مع زخم الحراك الشعبي، بعدما فشلت في تنظيم مسيرات شعبية في العاصمة وفي مختلف مدن ومحافظات البلاد، إذ لم يغير تسخير إمكانيات مؤسسات الدولة وتوفير كل الظروف قناعات الأغلبية الرافضة للاستحقاق الرئاسي.
ونظم المساندون لمقاربة السلطة القائمة على الخروج من الأزمة السياسية عبر بوابة الانتخابات الرئاسية مسيرات شعبية تم تسخير كل الإمكانيات اللوجستية لإنجاحها لكنها لم تتعد حدود المئات من المشاركين في العاصمة والعشرات في بعض المحافظات كما هو الشأن في مدينة المسيلة.
ورفع هؤلاء شعارات ورددوا هتافات داعمة لخيار الانتخابات والمؤسسة العسكرية، وعبروا عن رفضهم للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلاد، في إشارة إلى بيان البرلمان الأوروبي الأخير المنتقد لوضعية حقوق الإنسان في الجزائر.
ونعت وزير الاتصال والثقافة حسان رابحي، خلال حضوره في ساحة البريد المركزي في العاصمة بمعية السفير الصيني في الجزائر، أعضاء البرلمان الأوروبي بـ”الشرذمة”، وهو ما برز كدليل على تدهور العلاقات بين الطرفين بعد البيان الذي تناول الوضع السياسي والحقوقي في البلاد.
الحضور الصيني في الجزائر بات لافتا في الأشهر الأخيرة لاسيما بعدما عبرت بكين عن دعمها للسلطة الجزائرية وعن تعزيز التعاون بين الطرفين
وحمل حضور السفير الصيني رسائل من السلطة الجزائرية لنظرائها الأوربيين حول خيارات التعاون والتحالف المتوفرة لديها، رغم أن الحكومات الغربية لم تتبن مضمون بيان البرلمان الأوروبي.
وبات الحضور الصيني في الجزائر لافتا في الأشهر الأخيرة، لاسيما بعدما عبرت بكين عن دعمها للسلطة الجزائرية وعن تعزيز التعاون بين الطرفين بالاستحواذ على صفقات مهمة في قطاع البناء والإنشاءات، خاصة مع الجهاز المختص في وزارة الدفاع.
وفيما قدرت بعض المصادر عدد المتظاهرين الداعمين للسلطة في مسيرات السبت بنحو ألفي متظاهر في العاصمة، لم يتمكن هؤلاء من تأطير حضورهم الميداني حيث ذابوا وسط مسيرات أخرى حولت الشعارات المساندة للسلطة إلى أخرى مناهضة لها ولخيار الانتخابات، كما حدث الجمعة الأخيرة في الأسبوع الحادي والأربعين من عمر الحراك الشعبي.
ودعا الاتحاد العام للعمال الجزائريين وبعض الجمعيات والمنظمات الموالية للسلطة إلى تنظيم مسيرات شعبية، حيث تقرر السير من أمام مبنى الاتحاد باتجاه البريد المركزي، لكن سرعان ما سيطر المناهضون للسلطة على المسيرة وجعلوها شبيهة بالمظاهرات المعارضة.
وتناقلت شبكات التواصل الاجتماعي حالة من الارتباك ظهرت على تغطية الحدث من طرف وسائل الإعلام الموالية للسلطة، ففيما قدرت مراسلة قناة الشروق المحلية في تغطيتها المباشرة الحاضرين بـ”العشرات” تدخل المذيع المركزي ولفت إلى أن الأعداد بالمئات وليست بالعشرات.
وتخيم حالة ارتباك قصوى على دوائر السلطة نتيجة فشلها المتجدد في تعبئة الشارع لصالح خياراتها السياسية، رغم الإمكانيات المتاحة لها والمناورات التي تطبقها على الأرض، على غرار إقرار تقسيم إداري جديد للبلاد رفع بموجبه عدد الولايات (المحافظات) إلى 58 ولاية، بعدما كانت 48 ولاية.
واعتبر ملاحظون أن قرار التقسيم الإداري جاء ضمن خطة لتضخيم منتظر لنسب المشاركة ونتائج الاقتراع الرئاسي القادم، لاسيما وأن الولايات المستحدثة نائية ويسهل التلاعب فيها بالعملية الانتخابية، لتكون بذلك كفة توازي الرفض المتوقع للانتخابات في المحافظات الأصلية خاصة في العاصمة والمدن الكبرى.
وظل الشارع محل رهان بين السلطة والمعارضين لها، وشكل استفتاء ميدانيا طيلة عشرة أشهر من عمر الحراك الشعبي على الخيارات السياسية المتجاذبة بين الطرفين، ولذلك يتم العمل على استعادته ولو جزئيا من أجل إضفاء مصداقية على الاستحقاق الرئاسي الذي من المقرر أن يُجرى بعد أيام قليلة.
ورغم الإجماع على رفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلاد بين السلطة والمعارضة، إلا أن خلافات عميقة بين الطرفين تجلت حول طريقة الرد على بيان البرلمان الأوروبي، وتشكيك كلّ طرف في الآخر، في استعمال ورقة التدخل الأجنبي كفزاعة لتمرير أجندته الداخلية.
وفيما عمدت السلطة إلى تعبئة المؤسسات والطبقة السياسية والأهلية الموالية لها لإصدار بيانات تنديد ورفض وتشديد على التمسك بالوحدة والسيادة الوطنية، طالب المعارضون باتخاذ إجراءات عملية كطرد سفير الاتحاد الأوروبي من العاصمة، وعدم الاستقواء في الجانب الموازي بقوى أخرى على إرادة الشعب الجزائري.
واستغرب ناشطون ”سياسة الكيل بمكيالين في التعاطي مع السيادة الوطنية”، ففيما يثار لغط كبير حول البرلمان الأوروبي ورفض تدخله في الشأن الجزائري يتم الترحيب في المقابل بالأدوار الروسية والصينية.
وأجرت روسيا مناورات حربية في السواحل الجزائرية مؤخرا، بينما يشارك سفير الصين في مظاهرات داعمة للسلطة.