إسكات الصحفيين بالحزائر لإنجاح الانتخابات
تزداد الضغوط على الصحافيين الجزائريين في القطاع العمومي والخاص الموالي للسلطة، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، ويأتي فصل 21 صحافيا من مجمع “الوقت الجديد” بعد أيام على توقيف أربعة صحافيين عن العمل فيه، ليؤكد أن الرقابة مستمرة ولن يسمح بتجاوز الخطوط الحمراء.
قررت إدارة المجمع الإعلامي الجزائري “الوقت الجديد”، فصل 21 صحافيا، بسبب مواقفهم المهنية، وإصرارهم على ممارسة عملهم الصحافي بموضوعية بعد انطلاق الحملة الانتخابية، إذ رفضوا قرارات الإدارة بتجاهل المواطنين الذين يخرجون كل يوم جمعة في حراك شعبي للتعبير عن رفضهم للانتخابات، وفق ما ذكروا في بيان.
وأوضح بيان الصحافيين، الخميس، أنّ إدارة المجمع وعلى رأسها المدير العام مولود لوعيل المعيّن من قبل الصحافيين منتصف شهر يونيو الماضي خلفا لسلفه عبروس أوتودرت، قام بـ”توقيفات تعسفية ضد عدد من كوادر المجمع بداعي التدخل في صلاحيات المدير ومحاولة اعتراض قراراته”.
ومجمع “الوقت الجديد” المملوك لرجل الأعمال علي حداد، الذي يقبع في السجن بتهمة تورطه في قضايا فساد، يلتزم بنهج موال للسلطة، ويضم كلا من قناتي “دزاير” و”دزاير نيوز”، وجريدتي “وقت الجزائر” و“لوتان دالجيري”.
والمفارقة أن قرار توقيف 21 صحافيا جاء بعد 48 ساعة من مصادقة الجمعية العامة لصحافيي وعمال المجمع على إعادة أربعة صحافيين من جريدة “لوتان دالجيري” تم وقفهم عن العمل قبل عشرة أيام، من قبل المدير العام حتى موعد مثولهم أمام مجلس تأديبي. وذلك على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحتج على تغطية الصحيفة للحراك الشعبي بطريقة منحازة.
واعتبر الصحافيون في بيانهم أن القطرة التي أفاضت الكأس كانت في 15 نوفمبر، عندما عنونت رئاسة التحرير مسيرات بعض المدن الجزائرية بعنوان لا يمت بأي صلة للحقيقة “مواطنون يخرجون في مسيرات للمطالبة بمزيد من الضمانات قبل الرئاسيات” وهو عكس المحتوى الذي أرسله الصحافيون الذين يغطون الأحداث في مختلف الولايات مثل ولاية بجاية وغيرها.
وطالب الصحافيون بجمعية عامة لتوضيح الأمور من جديد مع فتح باب الحوار، إلا أن الإدارة العامة رفضت وصعدت الأمر بتوقيف أكثر من 20 صحافيا ومنعهم من الدخول إلى المجمع.
كما طالبوا الهيئات المسؤولة ممثلة في وزارة الاتصال، نقابات القطاع، المنظمات الحقوقية ومنظمات الدفاع عن حرية التعبير، وعلى رأسهم المتصرف الإداري المعين من قبل السلطات، بالتدخل لحل الوضع، وتوقيف القرارات التعسفية.
مجمع “الوقت الجديد” الإعلامي شهد عدة اضطرابات مؤخرا، ما دفع العاملين فيه إلى وقف بث قناة وتجميد صدور صحيفتين
كما قال صحافيو مجمع “الوقت الجديد” الاثنين الماضي، إنّ “أعضاء النقابة زوّروا توقيعاتهم، حيث تم انتخابهم لتشكيل هيئة إدارية وليس لتشكيل فرع نقابي تحت مظلة الاتحاد العام للعمال الجزائريين”.
وصادقت الجمعية العامة على إنشاء هيئة إدارية جديدة، لكن الموضوع يتوقف على موافقة المتصرف الإداري الذي عينته السلطات العمومية.
يُشار إلى أنّ الإدارة استبعدت في وقت سابق، كلا من: سعيد مقلة (رئيس التحرير)، محند أعمر عبدالقادر (رئيس القسم الرياضي)، إضافة إلى الصحافيين عيسى موسي وفلة حاميسي.
وجاء ذلك على خلفية ما سماه بيان الإدارة “قيامهم بالمساس بشكل خطير بصورة مجمع الصحافة ‘وقت الجزائر’ عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومغادرتهم قاعة التحرير دون إذن، مع المساس بمصالح المؤسسة”.
ونظم صحافيون، الأسبوع الماضي، وقفة احتجاجية أمام مقر المجمع، للتنديد بتوقيف الصحافيين الأربعة عن العمل.
ورفع الصحافيون شعارات “لا للرقابة“، “لا لتكميم الأفواه” بعد تنديدهم بافتتاحية الجريدة التي جاءت بعنوان “الإجماع على التصويت بقوة في الانتخابات”، معتبرين أنها توجيه للرأي العام، وعدم نقل لحقيقة الوضع في الجزائر.
وشهد المجمع عدة اضطرابات في الفترة الماضية، ما دفع العاملين فيه في 22 سبتمبر الماضي، إلى وقف بث قناة “دزاير تي.في” وتجميد صدور الصحيفتين التابعتين للمجمع، احتجاجا على عدم تلقي رواتبهم رغم تعيين السلطات لمتصرف إداري في أغسطس الماضي.
كما أمرت الإدارة في 25 يونيو الماضي، بإغلاق تلفزيون “دزاير نيوز” بعد 5 سنوات من العمل، ما دفع العشرات من الصحافيين والمصورين إلى الاحتجاج، رفضا للقرار.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر القادم، يشهد قطاع الإعلام في الجزائر تضييقا ورقابة متزايدة، طالت حتى مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك في محاولة من السلطة لتخفيف حدة الأصوات المؤثرة في الرأي العام والرافضة لهذه الانتخابات، وهي صدى لما يجري في الشارع الجزائري الذي يطالب بإنشاء مؤسسات انتقالية وليس انتخابات.
لكن الصحافيين الجزائريين يواصلون نضالهم ضد إملاءات السلطة، وأطلقوا مبادرة “من أجل صحافة حرة”.
وخرج في الجمعة التاسعة والثلاثين للحراك الشعبي، العشرات من الصحافيين استجابة للمبادرة. ونددت المبادرة بالأخص بتعليق بث برنامج حواري، واعتبرت أنّ ذلك “يؤكد إرادة السلطات إجهاض المبادرة التي أطلقها مهنيو الإذاعة منذ عدة أشهر والمتمثّلة في الدفاع عن ضمان الخدمة العمومية في الإنتاج الإخباري”.
وقال خالد درارني المتحدث باسم ائتلاف مهني لوسائل الإعلام، “نضع جميعا شريطا أبيض على الذراع لإبراز أننا صحافيون أحرار ومستقلون وسنغطي هذه التظاهرة رغم تعليمات السلطة”.
وفي تدوينة نشرت في 11 نوفمبر 2019 عبر صفحة الائتلاف على فيسبوك تحت عنوان “من أجل إنقاذ الصحافة الجزائرية”، ندد الائتلاف بـ”الضغوطات والإكراهات (..) التي تمنع الصحافيين من أداء واجبهم المهني وتأمين خدمة عامة” إعلامية.
وقال الصحافيون، وبينهم خمسون من العاملين في الإذاعة والتلفزيون، “نطالب النظام بوقف فرض الرقابة على وسائل الإعلام العامة والخاصة والاعتداء على الحريات الإعلامية بهدف ضمان حق المواطن في إعلام موضوعي ومحايد”. وقالوا إن “الصحافة ليست جريمة” و”تمر الجزائر بمرحلة تاريخية يتعين على الصحافيين ووسائل الإعلام مواكبتها من خلال المزيد من المهنية التي تشكل الحرية أحد شروطها الأساسية”. ونددوا بـ”المضايقة الممنهجة لوسائل الإعلام” العامة والخاصة.
وهناك حاليا ثلاثة صحافيين على الأقل رهن التوقيف منذ عدة أشهر بسبب كتابات على مواقع التواصل الاجتماعي فيما وضع آخرون قيد المراقبة القضائية.
من جهته، أفاد نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان سعيد صالحي، بأنّ المبادرة تهدف إلى التنديد بـ”إغلاق” الحقل الإعلامي.
وأضاف “نحن الناشطون في المجتمع المدني نتعرض (للإسكات) في وسائل الإعلام”.
وأشارت المبادرة إلى أنّ قيام الصحافيين “بعملهم بكامل الحريّة المطلوبة ودون ضغوطات تجبرهم على أن يتحوّلوا إلى أبواق للصوت الواحد” يواجه بـ”فرض المزيد من الرقابة والتضييق والمنع”، وذلك منذ استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل تحت ضغط الشارع والجيش.