خلافات الحكومة المغربية مع البرلمان بخصوص تحصين أملاك الدولة

قررت لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين المغربي تشكيل لجنة لبحث التوافق بشأن المادة 9 من مشروع قانون الموازنة لعام 2020، المثيرة للجدل، والتي تحصن أملاك الدولة ضد تنفيذ أحكام قضائية، وهو ما يعتبره الرافضون “مخالفة دستورية”.

وتم الإعلان عن تشكيل هذه اللجنة، الأربعاء، خلال مواصلة لجنة المالية بالغرفة الثانية (البرلمان) مناقشة مشروع قانون الموازنة في ظل تباين المواقف بين مؤيد ومعارض للمادة التاسعة، التي جرى التصويت عليها بالأغلبية في مجلس النواب.

واقترح رحال المكاوي، رئيس اللجنة، تشكيل خلية عمل فرعية تضم ممثلين عن فرق ومجموعات الأغلبية والمعارضة، والنقابات، بالإضافة إلى ممثلين عن وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، لتدارس مختلف التعديلات المحتمل إدراجها على المادة المثيرة للجدل.

وتسعى الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى إسقاط المادة التاسعة وعدم التصويت لصالحها، فيما أكد مستشاروا النقابة أنه “لا يعقل التصويت لصالح تحصين ممتلكات الدولة بعدما رفضوا ذلك في العام 2017”.

واعتبر عبدالحق حيسان، المستشار البرلماني عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، المادة 9 مخالفة للفصل السادس من الدستور، الذي ينص على أن “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له”.

والمادة التاسعة المعنية تنص على عدم الحجز على أملاك البلديات أو الدولة بموجب أحكام قضائية. وسبق للحكومة أن اقترحت هذه المادة قبل عامين (في مشروع موازنة 2017) وسحبتها.

وجددت هذه المادة الخلافات بين الائتلاف الحكومي والمعارضة داخل البرلمان خلال مناقشة مشروع الموازنة العامة 2020، الأمر الذي يفاقم متاعب الحكومة ويعرضها للمزيد من الضغوط والانتقادات.

ومشروع موازنة العام المقبل لا يزال قيد الدراسة في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، وبعد المصادقة عليه ستتم إحالته إلى مجلس المستشارين (الغرفة الثانية من البرلمان) للمصادقة عليه، ليدخل حينها حيز التنفيذ بعد نشره بالجريدة الرسمية.

ووقف رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، محمد العلمي، ضد المادة 9، واصفا إياها بغير الدستورية وتهدد الأمن القانوني وسيادة القانون والاستثمار وتزرع الشك في المؤسسات، مطالبا الحكومة بإلغائها.

وقال موجها كلامه لوزير الاقتصاد، “كان عليك التشاور مع وزير العدل قبل إدراج هذه المادة التي تسيء للخطابات الملكية والدستور”.

لكن في المقابل رحّب عبدالوهاب بلفقيه، عضو الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، بمضمون المادة 9 من مشروع قانون المالية، مشددا على ضرورة تحصين أموال الدولة والجماعات الترابية من الحجز، وذلك انطلاقا من تجربة ملموسة ومعاناة.

ولم يكن مفاجئا رفض محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، التراجع عن المادة التاسعة، في كلمة له بمجلس المستشارين، معبّرا عن رأي الحكومة في أن الغاية من هذه المادة “استمرار سيْر المرفق العام، ومراعاة المصلحة العليا للوطن والمواطنين”.

وأشار المسؤول الحكومي في عرض قدّمه خلال أولى جلسات المناقشة العامة لمشروع قانون الموازنة الجديد، أن الحكومة “لا تنوي خرق الدستور ولا إفراغ الأحكام القضائية من محتواها، لكننا أيضا حريصون على استمرار أداء المرفق العام، وتوطيد ثقة المواطنين فيه”.

جدل تحت قبة البرلمان

ووفق الصيغة التي تمت المصادقة عليها من البرلمان، سيتم تقييد منع الحجز على أموال وممتلكات الدولة بمجموعة من الضوابط التي تضمن تنفيذ الأحكام القضائية عبر توفير الاعتمادات المالية الضرورية في آجال محددة.

وأثناء المناقشات داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، اعتبر نبيل الشيخي، النائب عن حزب العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، أن “المادة 9 من مشروع قانون المالية غير دستورية”، موضحا بقوله “بالفعل عدد من الدول تمنع الحجز على أموال الدولة، لكن يتبيّن لي أنه ليست هناك دولة واحدة أدرجت هذا المقتضى ضمن قانون المالية، بل تم إدراجها في قوانين خاصة”.

ويعتزم حزب الاستقلال الالتجاء إلى المحكمة الدستورية للطعن في مشروع قانون المالية برمته، حسب ما أسرّ به أحد المستشارين لـ”أخبارنا الجالية ”، وبهدف إسقاط المادة 9 التي تحصن ممتلكات الدولة، لافتا إلى أن “الفريق سيصوّت بالرفض وليس بالامتناع خلال التصويت على مشروع القانون”.

ومع الضغط الذي يمارسه بعض النواب لإسقاط المادة التاسعة، طالبت رابطة المحامين الاستقلاليين، قيادة حزب الاستقلال بالعمل على إسقاط المادة وحذفها من مشروع القانون، عبر التصويت بالحذف والإلغاء، وليس فقط الامتناع عن التصويت.

ويرى أعضاء الرابطة بأن المادة تهدد الأمن القضائي واستقرار المجتمع وضمان التوازنات الاقتصادية وحماية الاستثمار والحفاظ على هيبة المؤسسات الدستورية وعلى رأسها القضاء.

وتعليقا على الجدل الذي أحدثته المادة 9 يشير رشيد لزرق، خبير في القانون الدستوري، في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، إلى أن “أحكام القضاء استقرت على أنه لا يجوز الحجز على هذه الأموال تأسيسا على مبدأ دوام استمرار المرافق العامة، ولأن المرافق العامة أيا كان أسلوب أو طريقة إدارتها تخضع للقواعد الضابطة لسير المرافق العامة، كما جاء في متن المادة 9 من مشروع قانون المالية القاضي بمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية بموجب أحكام قضائية قابلة للتنفيذ”.

وأجمع عدد من الخبراء الاقتصاديين والبرلمانيين على ضرورة التراجع عن هذه المادة التي ستحدث خللا في العلاقة مع مؤسسات الدولة التي ستكون لها القدرة على التنصل من تنفيذ القوانين والإحجام عن تنفيذ الأحكام القضائية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: