رحلة عذاب للمهاجرين الحالمين بأوروبا

هاربون من أهوال الحرب وأحوال الفقر مهاجرون يسلكون طرقا برية في محاولة الوصول إلى أوروبا الغربية لتحقيق أحلامهم بعيش كريم ومساعدة عائلاتهم التي بقيت في الديار، لكن هذه الرحلة معبدة بالأشواك وتزداد عذابا كل ما مروا من دولة إلى أخرى، فكل ما يحطون رحالهم في مكان إلا وواجهتهم عصا الشرطة وأيام من المعاناة.

بيهاتش (البوسنة والهرسك) – يصارع المئات من المهاجرين بمخيم “فوتشياك” في اتحاد البوسنة والهرسك، من أجل البقاء، في ظل الظروف الصعبة للغاية التي يعيشونها مع قدوم فصل الشتاء، حيث لا يوجد فيه ماء ولا كهرباء. فضلا عن انتشار الأمراض المُعدية.

وحذّر مفوض شؤون الهجرة بالاتحاد الأوروبي ديميتريس أفراموبولوس، من أن اقتراب الشتاء يهدد بحدوث أزمة إنسانية بين الآلاف من المهاجرين الذين لا مأوى لهم في البوسنة والهرسك.

المخيم يقع قرب مدينة بيهاتش المركز الإداري لكانتون “يونا- سانا”، على بعد 15 كم من الحدود الكرواتية، وليس به سوى خيام، ويقيم فيه نحو 700 مهاجر معظمهم أفغان وباكستانيون وسوريون.

ويتجه المهاجرون واللاجئون نحو أوروبا هربا من الحروب والفقر، وعندما يصلون إلى البوسنة، يأملون في عبور كرواتيا البلد العضو في الاتحاد الأوروبي، والتي باتت تعدُّ العقبةَ الشائكة أمام تمكّن اللاجئين والمهاجرين من تحقيق أحلامهم.

ويقدّر عدد المهاجرين العالقين على الحدود البوسنية الكرواتية بأكثر من 5 آلاف شخص.

إساءة معاملة الشرطة الكرواتية واحدة من أكبر مشكلات معظم المهاجرين الذين يعتقلون عدة مرات وهم يحاولون عبور الحدود من قبل

وجرى تشييد فوتشياك وهو أكبر مخيم غير رسمي في منطقة بيهاتش، في شهر يونيو الماضي في مكب قمامة سابق كحل مؤقت للمهاجرين الذين ينامون في العراء.

ويعاني المخيم من غياب مياه صالحة للشرب، وتحيط به أكوام من القمامة، وتتولى عمليات توزيع المواد الغذائية به جمعيات خيرية والمنظمات الإنسانية مرتين.

ويكتظ المخيم بمهاجرين جميعهم من الذكور يلجؤون إلى جمع الحطب من الغابات لإشعال النيران من أجل التدفئة وطهي مأكولات يسدون بها جوعهم. وخلال النهار، يذهب المهاجرون إلى مدينة بيهاتش القريبة للتسوق، ثم يعودون عند حلول المساء.

ويستخدم المهاجرون الدروبَ الجبليةَ الخطرة لأنهم يعتقدون أنهم لن يلتقوا بأفرادِ الشرطة، وأن أحداً لن يعترضهم، وبالتالي سيكونُ لديهم ممر للوصولِ إلى كرواتيا.

أحد هؤلاء المهاجرين أشار، إلى طريق ترابي يمتد داخل إحدى الغابات، قائلا، “هذا الطريق يؤدي إلى إيطاليا”.

الحياة في العراء

بعض المهاجرين يجمعون المال الذي يحتاجونه في رحلتهم المنشودة، من خلال شحن الهواتف لآخرين عبر مولدات صغيرة قاموا بإنتاجها بأنفسهم، وآخرين، يكسبون المال من بيع طعام يطهونه على النيران التي يشعلونها. إساءة معاملة الشرطة الكرواتية، واحدة من أكبر مشاكل معظم المهاجرين الذين حاولوا عبور الحدود عدة مرات من قبل، إذ أُلقي القبض عليهم وأُعيدوا ثانيةً إلى البوسنة والهرسك.

وفي حين تنفي وزارة الداخلية الكرواتية الاعتداء على المهاجرين، تعترف الرئيسة الكرواتية كوليندا غرابار كيتاروفيتش في شهر يوليو، بأن الشرطة الكرواتية أعادت مهاجرين من على الحدود، قائلة، “لقد تحدثت مع وزير الداخلية وقائد الشرطة والضباط على الأرض، وأكدوا لي أنهم لم يستخدموا العنف المفرط”، وأكدت، “بالطبع هناك حاجة إلى القليل من القوة عند القيام بعمليات الإرجاع”.

يقول الباكستاني مصطفى، الذي خرج من بلاده قبل عام، إنه حاول عبور الحدود 5 مرات من قبل.

ويضيف، “أريد أن أذهب إلى إيطاليا، لكن في كل مرة تلقي الشرطة الكرواتية القبض علينا وتصادر كل أشيائنا حتى أحذيتنا ومعاطفنا التي نرتديها، وسرعان ما يعيدوننا من حيث جئنا في ظل أجواء باردة للغاية”.

ويذكر مصطفى كذلك أنهم يلجؤون خلال هذه المحاولات إلى سلك طرق الغابات، حتى لا يسببون إزعاجا للمواطنين عند سلك الطرق الأخرى، واصفًا المعاملة التي يلقونها على الحدود الكرواتية بـ”غير الإنسانية”.

ويلفت المهاجر الباكستاني إلى أنه جاء إلى البوسنة والهرسك من بلاده سيراً على الأقدام، مضيفا، “الكل هنا يريد الذهاب إلى بلد أوروبي مختلف، من أجل العمل وكسب المال، لرعاية أسرنا التي خلفناها وراءنا”.

ولفتت مجلة دير شبيغل الألمانية في تقرير لها، إلى “كارثة إنسانية حقيقية توجد في منطقة الحدود البوسنية الكرواتية”، متهمة كرواتيا، بأنها “هي المتسبب الرئيسي في هذه الأزمة لأنها تتعاطى بشكل صارم مع اللاجئين وتدفعهم بشكل غير قانوني بعيدا عن حدودها”.

ونقلت عن الناشط، سيمون كامبل، قوله، “قوات الشرطة الكرواتية تستعمل العنف بشكل منهجي، وفي منتصف نوفمبر الجاري، أطلق شرطي كرواتي النار على لاجئ في هجوم مميت”.

يقول عمر، وهو مهاجر من أفغانستان، إنه قبل القدوم للبوسنة والهرسك مكث في تركيا لمدة عام، مشيرا أن مخيم فوتشياك يعاني من مشاكل كبيرة، ويفتقر للماء والطعام، وحتى الأحذية.

ظروف صعبة مع قدوم فصل الشتاء

ويبيّن عمر أنه بعد مكوثه عام في تركيا، وصل البوسنة والهرسك عبر سلكه لمسار اليونان – جمهورية شمال مقدونيا – صربيا، موضحًا أنه يرغب في الذهاب إلى إيطاليا عن طريق سلوفينيا، ومنها إلى بلجيكا.

مهاجر باكستاني آخر يدعى، أنور، يفيد أنه يرغب في الذهاب إلى ألمانيا، واصفًا الوضع في فوتشياك بـ”شديد السوء، فلا طعام، ولا شراب، ولا دورات مياه، ولا أماكن لننام فيها”.

ويلفت أنور إلى اقتراب فصل الشتاء، مضيفا، “أكبر مشاكلنا عدم وجود الماء، كما أننا ننام على الأرض، وأكثر الأشياء التي نحتاج إليها بشكل كبير الغطاء والبطانيات”.

من جهته، يؤكد محمد جهيك، قائد فريق الصليب الأحمر بمدينة يهاتش، وجود حوالي 700 مهاجر في مخيم فوتشياك، مبينا أن العدد يتزايد كل يوم.

ويوضح أنهم كفريق تابع للصليب الأحمر، يحاولون مساعدة الناس بقدر استطاعتهم، وأنهم يقومون يوميا بتوزيع وجبتين على المهاجرين بالمخيم، هما الإفطار، والغداء.

ويضيف، “لا يريد أي واحد من هؤلاء المهاجرين البقاء في البوسنة والهرسك؛ نظرًا إلى الأوضاع السيئة هنا لاسيما في فصل الشتاء الذي بات على الأبواب”.

كارثة إنسانية حقيقية

من جانب آخر، لم يشهد المخيم أيّ أعمال استعدادًا للشتاء الذي تنخفض فيه درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، فضلًا عن أنه لا يحتوي شيء سوى الخيام.

وعلى الرغم من تحذير الاتحاد الأوروبي مرارا وتكرارا، إلا أنه لم يتم العثور على أي موقع بديل لمخيم فوتشياك. ومن المحتمل أن تزداد أزمة المهاجرين بشكل أكبر إذ لم يتم التوصل إلى حل لها، لاسيما أن هؤلاء المهاجرين مقبلين بلا أي استعدادات على فصل الشتاء القارس.

ثمة مشكلة أخرى تبرز على السطح، وتتمثل في أن مدينة بيهاتش وبعض المناطق القريبة منها هي التي تتحمل وحدها عبء أزمة المهاجرين.

كما أن تدفّق المزيد من المهاجرين بشكل مكثّف على هذه المدينة القريبة من الحدود، سيؤدي بدوره إلى تفاقم المشاكل كل يوم يمر.

وحثّ الاتحاد الأوروبي والمنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سلطات البوسنة على غلق المخيم الذي ليس به كهرباء أو مياه جارية، لكن الحكومة في سراييفو، التي تعرقل عملها الخلافات العرقية، لم تتحرك وألقت بعبء الأزمة على كاهل منطقة بيهاتش.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: