الحملة الانتخابية في الجزائر تفشل في افتكاك الشارع من الحراك الشعبي
فشل المرشحون للانتخابات الرئاسية الجزائرية، في صناعة زخم دعائي في مستوى الاستحقاق، بسبب ضحالة الخطاب السياسي، فضلا عن ضغط الشارع الذي أرغمهم على حصر حملتهم في صالات مغلقة.
واضطر مرشحو الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في الثاني عشر من ديسمبر القادم، في العديد من المناسبات، إلى الفرار برؤوسهم من تحرش الرافضين للانتخابات، والاكتفاء بتنشيط حملتهم الدعائية داخل صالات مغلقة يتم التدقيق في هوية زوارها.
ووجد عبدالقادر بن قرينة، وعزالدين ميهوبي، وعلي بن فليس، أنفسهم مطاردين في عدد من المدن الجزائرية. كما ألغى المرشح المستقل عبدالمجيد تبون، تجمعه الشعبي في مدينة بجاية، وذلك تحت ضغط المحتجين الذين يلاحقون المرشحين حيثما حلوا وارتحلوا.
وأفضى الأسبوع الأول من عمر الحملة الانتخابية إلى أن الدعاية جارية في الصالات، بينما الشارع لا زال في قبضة الحراك الشعبي، إذ لم يستطع أي من المرشحين القيام بأي بجولة ميدانية كزيارة حي شعبي، مما يؤكد المتاعب التي يعاني منها هؤلاء في التواصل مع الرأي العام وإقناعه ببرامجهم السياسية.
وفشل المرشحون في إقناع حتى مؤيدي الخيار الانتخابي، بالخروج من التقاليد التي سنّها نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، بعد بدء حملتهم الدعائية بالتبرك بالأضرحة والتقرب من مشيخة الطريقة الصوفية، وحتى الصلاة في الأرصفة أو البكاء خلال سماع التلاوات القرآنية.
واستغرب الإعلامي والناشط السياسي منتصر أوبترون، أطوار الحملة الانتخابية الاستثنائية وغير المسبوقة في البلاد. وتساءل في تديونة له على حسابه الخاص، “كيف لمرشحين يهربون من الشارع يقنعون الشعب بالانتخاب لهم؟ “، وهو الوضع الذي بات يؤرق هؤلاء والسلطة القائمة معا.
ولم تفلح حملة التضييق والاعتقالات التي تمارسها السلطة في حق المعارضين والناشطين، من تحرير الشارع لصالح المرشحين، وتمكينهم من التواصل مع أنصارهم والمؤيدين للخيار الانتخابي، كحتمية للخروج من المأزق السياسي.
وأطلق مدون على شبكات التواصل الاجتماعي، وصف “حملة الاعتقالات وليست حملة انتخابية “، على ما يجري منذ انطلاق الحملة الدعائية، حيث كلما زار مرشح ما مدينة أو محافظة إلا وترك وراءه عددا من الموقوفين والمعتقلين وحتى السجناء، بسبب عملية التضييق الأمنية على الرافضين للانتخابات وللمرشحين وللحملة الانتخابية.
ولم يفصح إلى حد الآن أي من المرشحين الخمسة عن موقف صريح تجاه ما يجري في البلاد، ولا مصير العشرات من الشبان الموقوفين أو المسجونين، على خلفية مواقفهم السياسية، وهو ما فاقم من صدقية الاستحقاق الرئاسي برمته، لأن الخطاب الانتخابي لا زال رهين خطوط حمراء رسمتها سلطة الأمر الواقع، ولم يجرأ أي واحد منهم على الحديث عن وضع الحريات السياسية والإعلامية.
ويشير الإعلامي سعيد مقدم في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، إلى أن “الحملة الانتخابية لم تأت في أسبوعها الأول بأي مفاجأة، فقد كانت باهتة كما كان منتظرا بسبب التقاطع الحاصل في مواقف المواطنين منها بين رافض ومؤيد”. وأضاف “شاهدنا مسيرات مناهضة ورافضة لهذه الانتخابات، وفي المقابل شاهدنا مسيرات تنادي بضرورة الذهاب إلى الانتخاب، ما شكل تحديا كبيرا أمام المرشحين، الذين فضلوا الانطلاق من الجنوب الجزائري، لما لهذه المنطقة من خصوصيات تسهّل تنقلاتهم ومواجهة المواطنين”.
وتابع “بالنسبة إلى خطابات المرشحين، أرى أنها تقاطعت في الأيام الأولى للحملة، في التأكيد على أهمية تنظيم الانتخابات الرئاسية، للخروج من الأزمة. ومن هنا روّج المتنافسون على كرسي الرئاسة للمشاركة في الانتخابات أكثر من الترويج لبرامجهم، وهو أمر منطقي أمام التخوف من العزوف الذي يجعل البلاد أمام مخاطر غير متوقعة”.
ويبقى الشارع رهانا أساسيا في لعبة الصراع بين طرفي الأزمة، ولم توفق السلطة في استعادته من الرافضين والمحتجين على الخيار الانتخابي، وحتى التدابير الميدانية المطبقة من طرف السلطات الأمنية في تصغير وتجزئة الشوارع والساحات الرئيسية للحراك الشعبي في العاصمة ومختلف محافظات البلاد، لم تفتك الشارع من سيطرة هؤلاء.
وللحيلولة دون ظهور صور وتسجيلات ذات زخم شعبي لافت، كما كان الشأن في الأسابيع والأشهر الأولى للحراك، عمدت السلطات إلى مخططات ميدانية بواسطة المركبات ونشر قوات الأمن وحتى غلق بعض الساحات الرسمية، فضلا عن الحواجز المكثفة لمنع تدفق الوافدين إلى العاصمة.
وأوعزت المصالح الحكومية إلى التنظيمات والجمعيات الموالية لها، بتنظيم مسيرات شعبية تدعو إلى تنظيم الانتخابات وتشيد بالمؤسسة العسكرية، إلا أن محدودية واحتشام تلك المسيرات أدّيا مفعولا عكسيا على الخيار الانتخابي والحملة الدعائية، رغم دعمها من طرف السلطة والإشادة بها من طرف الرجل القوي في السلطة والمؤسسة العسكرية.
لكن في المقابل انتقلت فعاليات الحراك الشعبي، إلى خطط بديلة بتنظيم احتجاجات ليلية أربكت المصالح الحكومية، استعادت بها بعض المواقع الرمزية على غرار النفق الجامعي بالعاصمة المعروف بـ”غار حراك”، بعد غلقه لأشهر في وجه المتظاهرين.