وسائل التواصل ساهمت بقوة في انفتاح الشباب على تجارب تتجاوز المعيش اليومي.

أضحت مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي جزءا أصليا في تحديد العلاقات بين الناس وبشكل أخص الشباب، إذ أدخلت الكثير من المفردات والتعابير لثقافتنا كجزء من التحولات التي تعيشها كل فئات المجتمع بنسب متفاوتة تتحكم فيها عوامل الدين والثقافة والتاريخ والعادات وغيرها من مكونات الهوية.

ويرى الشباب منصات التواصل الاجتماعي فرصة تاريخية ووسيلة ثورية لإحداث نوع من القطيعة مع التفكير القديم والممارسات الثقافية والاجتماعية التي لا تناسبهم، وذلك نظرا لحاجتهم الماسة إلى إحداث تغييرات تتماشى مع تطلعاتهم وفهمهم الخاص للواقع.

وحسب باحثين فإن وسائل السوشيال ميديا ساهمت بقوة في انفتاح الشباب على تجارب مختلفة والاطلاع على أفكار تتجاوز المعيش اليومي وممارسات قد تكون ممنوعة داخل مجتمعاتهم، فاتجهوا من خلال تعبيرات معينة إلى إخراج تلك الأفكار والمواضيع المسكوت عنها من الفضاء الرقمي وتنزيلها في الشارع والمقهى والمدرسة والمنزل، وهي مواضيع تتشابك فيها المحظورات الجنسية والعنف والاغتصاب والتحرش وحتى الاغتصاب الزوجي والعذرية وحرية المرأة وحقوق الشباب وغيرها.

ويعتقد نائب رئيس المركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية، حسام هاب، أن القيود التي يضعها المجتمع على النقاش العام بخصوص مجموعة من القضايا والإشكاليات التي تندرج في إطار التابوهات (الجنس، الدين، الحريات الفردية) تدفع الشباب إلى سحب النقاش فيها من العالم الافتراضي نحو الواقع، مستفيدين مما يتيحه العالم الافتراضي من هامش نسبي من حرية الرأي والتعبير دون قيود يفرضها الدين أو تفرضها قيم المجتمع المحافظ.

ويذهب عزيز أدماين، الخبير الحقوقي، إلى أن ارتفاع منسوب الجدال عند عدد من الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي يعود إلى عدة عوامل، أولها غياب وسائل الوساطة المؤسساتية والسياسية بين هؤلاء الشباب والدولة، هذه الوسائط التي تقوم بترجمة مطالب واحتياجات الشباب إلى برامج اجتماعية واقتصادية، وأضاف لـ”العرب” أن العامل الثاني يكمن في الثورة التكنولوجية التي مكنت الأفراد من فضاءات جديدة للتعبير وإبداء آرائهم.

ولا شك أن شباب المغرب كغيرهم من شباب المنطقة العربية والإسلامية تواقون إلى الحرية وإلى آفاق رحبة في التعبير عما يعانونه وما يطمحون إليه، وقد شكل فيسبوك ويوتيوب مساحة تعبير هامة لهؤلاء ميزت هذه الفترة من الزمن التي تمر فيها المنطقة بإشكاليات على مستوى الديمقراطية والفساد.

وللإحاطة بظاهرة اهتمام الشباب بمواقع السوشيال ميديا، والتأثير المتبادل بينهم في ما يتعلق بالمحتوى وبكل المواضيع التي تضعها مجتمعاتهم في خانة المسكوت عنه، لا بد من التركيز على الوقت الذي تشغله تلك المنصات من حياة الشباب وطاقاتهم، إذ بلغ متوسط الوقت الذي يقضيه المستخدمون على تلك المنصات ساعتين و16 دقيقة كل يوم

وتشير بيانات الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات المغربية، إلى أن ثلاثة مستعملين من أصل عشرة يلجأون إلى الإنترنت مرة في الأسبوع على الأقل، وأن ما يقارب نصفهم يقضون أكثر من ساعة على الإنترنت باستعمال الهاتف، وأن الغالبية العظمى في الوسط القروي تستعمل الإنترنت المتنقل.

ويؤكد أدماين، لـ”أخبارنا الجالية”، أن أهم سبب يغري الشباب باتخاذ وسائل التواصل الاجتماعي منصة للتعبير بحرية، يعود إلى تدفق عدد كبير جدا من المعلومات بشكل يومي والتي تتعلق بفضح الفساد أو تورط مسؤولين عموميين في نهب المال العام، وأيضا النموذج التنموي الذي يعيش ضمنه شباب الضفة الأخرى حيث توجد المساءلة والشفافية والحكامة.

وتقول الإحصائيات في المغرب إن نسبة 98.4 في المئة من مستعملي الإنترنت المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة تواصلوا عبر الشبكات الاجتماعية خلال 2017.

ومع هذا العدد المتزايد من مستخدمي الإنترنت والتواصل اليومي بوسائط التواصل الاجتماعي، يشير أدماين إلى ارتفاع منسوب الوعي لدى الشباب وخاصة الوعي الحقوقي بكون مطالبهم ليست هبات من الدولة وإنما هي حق يمكنهم التمتع به ومن واجب الدولة توفيره، ومن بين ذلك مناقشة بعض المواضيع الممنوعة على صفحات التواصل الاجتماعي التي يريد من خلالها الشباب أن تطرح تلك القضايا علنا وفي المجتمع ويريدونها ألا تظل مسكوتا عنها.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار المقولة الشهيرة “إن كل ممنوع مرغوب” فإن جنوح الشباب نحو نقاش القضايا المصنفة تابوهات، على مواقع التواصل الاجتماعي أمر طبيعي، حسب حسام هاب، في حديثه لـ”أخبارنا الجالية”، ما دام الواقع يفرض على شباب في سن التمرد والجرأة السكوت عن قضاياهم، وهذا الأمر يعكس قدرة العوالم الإفتراضية على خلق متنفس للتعبير وتشكيل رأي عام افتراضي.

ويقول الحقوقي عزيز أدماين “لم يعد شباب اليوم يخشون عقوبات الدولة من سجن أو غيره بل قد يجدونه أرحم من الواقع الذي يعيشونه”. نحن أمام جيل جديد لديه مطالب حقوقية، ويستعمل كل الوسائل المتاحة أمامه، من أجل إيصال صوته، وقد يكون مضمون الرسائل أحيانا فيه جرأة أو شجاعة لقول ما يصمت عنه الجميع، كالحديث عن الدين أو المؤسسات السياسية، ولكن ذلك يبقى تعبيرا عما هو كامن ومكبوت في المجتمع طيلة سنوات.

ويشير أدماين إلى أن التابوهات اليوم أصبحت تخرج للعلن لأسباب اجتماعية، أهمها الفقر والهشاشة في المقابل يتابع الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي مصير ثروات بلدانهم التي تنهب من قبل أقلية لها امتيازات في غياب أي مساءلة أو محاسبة.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: