المغاربة في السويد غرباء حيث يعيشون وغرباء في مجتمعاتهم الأم
يتزايد الجدل في المجتمع السويدي بشأن اندماج المهاجرين خاصة مع تصاعد مدّ اليمين المتطرف وتوجهاته المعادية للأجانب. وتعتبر السويد من أكثر الدول الأوروبية استقبالا للمهاجرين المغاربة ، الذين نجح كثير منهم في الاندماج، وإن بقيت بعض العثرات التي يتسبب فيها الشعور بازدواجية الانتماء، الذي يجعل المهاجرين يقفون عند مفترق طرق بين الانتماء إلى بلدهم الأم، الذي هجروه لأسباب عدة، أغلبها يتعلق بالبحث عن الرفاه والعيش الأفضل، وبين البلد المستضيف الذي يمنح جنسيته وفرص الإقامة والتمتع بالحياة المنشودة.
ملف المهاجرين المغاربة في السويد متعدد الجوانب، بعضها إيجابي وبعضها سلبي. الجوانب الإيجابية تتجسد في النجاحات التي حققها، ويحققها، أبناء الجيلين الثاني والثالث. فهؤلاء قد تمكنوا من الاندماج في المجتمع عبر الدراسة والعمل، وهم في حالة تفاعل مع مختلف النشاطات من ثقافية وفنية ورياضية وسياسية.
أما الجوانب السلبية في الملف المعني فهي تتمثل في الإخفاقات الناجمة في معظمها عن البقاء في الهامش والعجز عن الاندماج لأسباب مختلفة، وما يترتب على ذلك من نتائج مأساوية على صعيد الفرد والمجتمع. وتعتبر مظاهر الإدمان والجريمة والبطالة واللامبالاة من أهم إفرازاتها.
وتلقي الإحصائيات السويدية في هذا المجال الضوء على وجود علاقة طردية بين المستوى التعليمي للوالدين ودرجة نجاح الأبناء، وقدرتهم على الاندماج. فهذه الشريحة تمكنت بصورة عامة من الحصول على العمل منذ بدايات قدومها إلى السويد. وتمكّنت من اختيار منطقة سكنها لأن الأنظمة السويدية في هذا المجال تتيح للعاملين إمكانية الحصول على قروض مصرفية لشراء السكن. وتمكّنت هذه الفئات بفضل ذلك من العيش وسط السويديين، ما ساعدها على بناء جسور التواصل معهم، والتعلم منهم مع الاحتفاظ بهويتها الثقافية في الوقت ذاته.
أما الفئات الأخرى غير المتعلمة في معظمها التي لم تفلح في الحصول على فرصة العمل النظامي، أو ما يسمى بـ”العمل الأبيض”، وهو العمل الذي يتقاضى صاحبه مقابله أجرا معلوما يدفع قسطا منه ضريبة محددة، تصاعدية تختلف وفق البلديات، ولكنها بصورة عامة مرتفعة تتجاوز 30 بالمئة من الراتب وأحيانا تتجاوز الـ50 بالمئة، ولكنها أساس نظام الرفاه المعتمد في السويد، لذلك هناك تشدّد صارم في تحصيلها، ومتابعة المتهرّبين منها.
الأمر الذي يبعث على الأمل هو أن وعي الشباب من أبناء المهاجرين في تنام مستمر على الرغم من صعوبة الظروف التي يعيشها الكثيرون منهم
الفئات غير المتعلمة، وتلك التي لا تتقن مهنا مطلوبة في سوق العمل، تعتمد غالبا على المساعدة الاجتماعية. ويعمل قسم لا بأس من أفرادها في ميدان الأعمال غير النظامية، لا يصرحون عنها، ولا يدفعون الضريبة مقابل الدخل الذي يحصلون عليه. وهؤلاء لا يمكنهم الاستفادة من الأنظمة المعمول بها للحصول على قروض السكن، الأمر الذي تكون حصيلته بقاء معظمهم في مناطق معزولة عن المجتمع، في ضواحي المدن الرئيسة بصورة عامة، حيث يعيش المغاربة معا في حالة اغتراب مؤلمة. فهم يتواجدون في السويد لكنها لا تعرفهم وهم لا يعرفونها في الوقت ذاته. هم غرباء بالنسبة إلى المجتمع السويدي، وقد باتوا غرباء بالنسبة إلى مجتمعاتهم الأم أيضا.
وما يعمق الهوة بين هؤلاء ومجتمعهم الجديد هو التطور الكبير في مجالات التواصل. فالفضائيات المتكاثرة من جهة، ووسائط التواصل الاجتماعي، وأنظمة الاتصالات الهاتفية المجانية من جهة أخرى، كلها مكّنت المهاجرين من متابعة أدق التفاصيل في المجتمعات التي قدموا منها، مقابل جهلهم شبه التام بما يجري في المجتمع السويدي على مختلف المستويات. كما أن التطورات التي كانت وما زالت مستمرة في المغرب ، والنتائج التي تمخضت عنها، تجعل هؤلاء في حالة انشغال شبه مستمرة ذهنيا وعاطفيا.
وتفاعل هذه الحالة مع موقعهم من البنية المجتمعية الجديدة، وتموضعهم المكاني في أطراف المدن والهوامش، وانعزالهم شبه التام عن الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية السويدية، يشكل مناخا ملائما لبروز نزعات التمرد والنقمة، والتفكير في وسائل الكسب السريع من دون أخذ العواقب في الحسبان. وغالبا ما يكون التعامل مع الممنوعات هو البديل المفضل، أما الحصيلة فتتجلى آثارها في تصاعد جرائم تصفية الحسابات، وإبعاد الخصوم بغية التفرد بالمساحات والقطاعات والأرباح.
وينعكس كل ذلك بشكل كارثي على أبناء المغاربة من اليافعين والشباب. فهؤلاء هم في مواجهة يومية مع ثلاث منظومات مختلفة من القيم. قيم المجتمع الجديد، وقيم المجتمع الأم، وقيم المجتمع الهجين. وما نعنيه بهذا الأخير تلك المجتمعات الصغيرة أو التجمعات التي كوّنها المغاربة لأنفسهم عل هوامش المجتمع السويدي، وذلك في محاولة لإشباع دوافع الحنين والشوق إلى مجتمعاتهم الأم. ولكن ما تشكل سواء على صعيد البنية المجتمعية، أم على مستوى المنظومة القيمية، لا يتجاوز دائرة الهجين الذي لم يعد شبيها بالمجتمع الذي جاؤوا منه، ولم يتحول إلى جزء فاعل من المجتمع الجديد الذي انتقلوا إليه.
تترك هذه الوضعية القلقة التي يعيشها اليافعون والشباب من أبناء المغاربة آثارا سلبية عميقة في شخصيتهم، وتدفع بهم أحيانا نحو مسالك تعرقل جهودهم في سبيل ضمان مستقبل لائق، بل تدفع ببعضهم نحو عالم الجريمة، الأمر الذي يستغله اليمين المتطرف العنصري في سياق تصفية الحسابات مع خصومه السياسيين في الداخل السويدي. ويدعو إلى التشدد في محاسبة المهاجرين ممن لا يلتزمون بالقوانين السويدية، أو من يرتكبون الجرائم، ومن العقوبات التي يطالب بها هذا اليمين، الإبعاد والتجريد من الجنسية، ووضع المذنبين في سجون خارج السويد.
ورغم الجهود المركزة التي تبذلها الحكومة السويدية راهنا تبقى الحاجة ماسة إلى فعل المزيد للوصول إلى اندماج حقيقي يتحول بموجبه المهاجرون المغاربة ، لاسيما الشباب منهم إلى أعضاء فاعلين في البنية المجتمعية السويدية، مع الاحتفاظ في الوقت ذاته بهويتهم الثقافية، وحقهم في الاعتزاز بانتمائهم الأصلي.
والأمر الذي يبعث على الأمل، ويعزز الثقة بالمستقبل، هو أن وعي الشباب من أبناء المغاربة في تنام مستمر على الرغم من صعوبة الظروف التي يعيشها الكثيرون منهم اليوم، وسط أجواء التوتر والتشنج الناجمة عن تفاعل نزعات التشدد الإسلامي مع ظاهرة الإسلاموفوبيا التي ترسخت لدى قطاع واسع من الرأي العام السويدي لأسباب مختلفة. فالملاحظ هو أن يحقق هؤلاء الشباب إنجازات لافتة في ميدان التعليم، ويحصلون على وظائف في مجالات هامة كانت سابقا حكرا على السويديين وحدهم، وذلك لانعدام القدرة على المنافسة. وفي المقابل هناك عدد كبير جداً من السويديين، ما زالوا يمثلون الأغلبية، يرون أن الواجبات الأخلاقية الإنسانية، وحتى المصلحية، توجب التعامل مع قضية المغاربة بعقلية استيعابية، حتى تتم عملية الاندماج في المجتمع بصورة أفضل، ويتحول المهاجرون إلى جزء فاعل متوازن، منسجم منتج في المجتمع السويدي.
الأمور بصورة عامة مقبولة، ولكن ما زال هناك الكثير مما ينبغي التفكير فيه، خاصة في أجواء زيادة شعبية حزب ديمقراطيي السويد المعروف بمواقفه اليمينية المتشددة في قضايا المهاجرين، فقد أظهرت آخر استطلاعات الرأي تفوقه حتى على الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يعتبر الأب الروحي لنظام الرفاه في الدول الإسكندنافية بصورة عامة، وهذا فحواه أن المطلوب في ملف المهاجرين لم ينجز كاملا بعد.