الرياضة المدرسية في المغرب تتوقف عن إنجاب أبطال

نوال المتوكل، صلاح حسّو، إبراهيم بولامي، زهرة واعزيز وغيرهم، أبطال أضاؤوا سماء الرياضة المغربية، والكثير منهم كان ثمرة الألعاب المدرسية التي خطوا فيها أولى خطواتهم نحو التألق والنجاحات، لقد كانت ثمرة ناضجة غير أنها أصبحت مع توالي السنين مرّة، سقطت من تلك الشجرة التي كانت جذورها عميقة وراسخة، لكن بتظافر الجهود مستقبلا ستستعيد إشعاعها وتكتسب مساحات أكبر فأكبر.

لقد شهد المغرب خلال العشرية الأخيرة اهتماما غير مسبوق بالرياضة المدرسية، اهتماما تطلب تمويلا لا سابق له لصناعة الأبطال، توج بالتالي بتنظيم الدورة الـ17 للبطولة الدولية للألعاب الرياضية المدرسية “جمنزياد” سنة 2018 بمشاركة ثلاثة آلاف رياضي ورياضية يمثلون 58 بلدا (من بينها 20 دولة أفريقية)، وتعيين إطار مغربي رئيسا للاتحاد الدولي للرياضة المدرسية في أفريقيا، لولاية تمتد لأربع سنوات.

يرى مصطفى لشهب، أستاذ معتمد للتربية البدنية والرياضة والمدرب الوطني السابق لكرة اليد، أن الرياضة المدرسية وتحديدا الجمعيات المدرسية الرياضية، كانت في الستينات والثمانينات من القرن الماضي في خدمة الرياضة المدنية، وكان الغرض منها تمثيل البلاد على المستويين الإقليمي والدولي، في حين تميز “التطور الذي عرفته الجمعيات المدرسية الرياضية بعد هذه الفترة بتوسع مجال العمل الرياضي المدرسي وأهدافه واهتماماته”. وأشار لشهب، إلى أن صناع القرار أولوا دوما أهمية خاصة للرياضة المدرسية، لكن ماذا حدث للرياضة المدرسية؟ لماذا لم تعد تؤدي دورها كمشتل للأبطال؟ أم أنها كانت طفرة عابرة لا غير؟ ما هي الظروف التي أدت إلى هذا الوضع؟ ماذا ينتظر حقا من الرياضة المدرسية؟

دور الرياضة المدرسية يفترض أن ينصب على البحث عن المواهب النادرة التي يجب توجيهها إلى الأندية الرياضية

لم يخف السيد لشهب أن الرياضة المدرسية باتت تعاني من مشاكل داخلية وخارجية تعوق سير هذه الهيئة الرياضية والتعليمية، مضيفا أنه على مستوى البنى التحتية، تفتقر المدارس الابتدائية إلى المرافق الرياضية، والإعداديات تعرف عجزا كبيرا في التجهيزات الرياضية والملاعب، والأسوأ من ذلك هي أن الاحتياجات الرياضية للمناطق القروية غالبا ما يتم وضعها في الخانة الأخيرة لبرنامج التأهيل.

وعلى المستوى التنظيمي، يضيف لشهب، أن إلغاء ساعات الرياضة البدنية، وبرمجة حصص خلال فترتي الظهيرة المخصصة للرياضة المدرسية ووقف تدريب الفرق أو الرياضيين الذين خرجوا من المنافسة بسبب عدم وجود أهداف أخرى، قد يحول دون انتداب تلاميذ من مستوى عال، بالإضافة إلى العديد من المشاكل الأخرى ومنها: ظروف التنقل والتأمين المدرسي والإقامة والتحكيم والرخص…

أما من الناحية التربوية والبيداغوجية، فيقتصر دور الرياضة المدرسية على التنقيب على المواهب النادرة التي يجب توجيهها إلى الأندية والجامعات الرياضية، وهي المهام التي لا يتم الاضطلاع بها بشكل جيد من قبل أساتذة التربية البدنية والرياضة، الذين يفتقرون بدورهم إلى التكوين المستمر، علما أن علوم الرياضة في تطور دائم.

وأوضح لشهب أن الجامعة المغربية للرياضة المدرسية وقعت عدة اتفاقيات شراكة مع اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية ووزارة الشباب والرياضة والمندوبيات الجهوية والأندية، وخاصة الاتفاقيات التي أبرمتها الجامعات  المغربية لألعاب القوى (سنة 1994) وكرة القدم (سنة 1996) وكرة المضرب (سنة 1997) وكرة السلة (سنة 1998) وكرة اليد، لكن دون تحقيق الهدف المنشود منها والمتمثل في تطعيم منتخباتها برياضيين من الوسط المدرسي.

وفي السياق ذاته قال، إن “انحسار التعاون بين الرياضة المدرسية ومختلف الهيئات الرياضية يعوق هذه الرغبة في خدمة الرياضة من خلال التربية البدنية والرياضة، لذلك قد يكون من الحكمة نقل اختصاصات مادة التربية البدنية والرياضة من وزارة التربية الوطنية إلى وزارة الشباب والرياضة”.

ويرى لشهب في غرض تطوير الرياضة المدرسية، أنه يمكن تصنيف التصورات المحتملة على عدة مستويات، منها الالتزام بإعادة تفعيل دور الجمعيات الرياضية المدرسية القاعدية، ولا مركزيتها مقارنة بجمعيات الرياضة المدرسية للنخبة بغية الحصول على أكبر عدد من الأساتذة والمؤطرين والمشاركين، وإقامة رابط بين حصص التربية البدنية والرياضة وحصص الجمعيات الرياضية المدرسية، والاستفادة بشكل جيد من المرافق الرياضية وإشراك التلاميذ كلاعبين وكذلك في مهام التنظيم والإدارة والتحكيم.

من جهة أخرى، يقترح الإطار المغربي، أن ينصب تفكير الجمعيات الرياضية المدرسية للنخبة على وضع لجان تقنية متخصصة على مستوى كل مندوبية، والتي ستكون مسؤولة عن تفعيل الدورات التكوينية للمؤطرين في كل تخصص رياضي على حدة، وربط شراكات مع الأندية القريبة ترابيا والجماعات المحلية للاستفادة من الملاعب التابعة لها.

كما يمكن للجمعيات الرياضية المدرسية أن تضطلع بمهمة إنشاء مراكز للتدريب ومدارس رياضية وأندية رياضية مدرسية، لها جداول زمنية ملائمة على غرار الأندية الأخرى، وتعميم مختلف الأنشطة الرياضية المدرسية والجامعية إعلاميا، وإحداث شبكات لربط علاقات مع مختلف الفاعلين فضلا عن التسويق.

لكن، وعلى الرغم من المعيقات التي تقف حجر عثرة أمام تطور الرياضة المدرسية، فإن هذه الأخيرة كانت وما زالت، تعتبر مشتلا يساهم في رسم ملامح أبطال المستقبل وخزانا لا ينضب للمواهب والطاقات الإبداعية في أنواع مختلفة من الرياضات، ما يعزز أرصدة الأندية والجمعيات والجامعات الرياضية، إضافة إلى دورها التربوي والتكويني ومساهمتها الفعالة في التنمية الذهنية للتلميذات والتلاميذ، وتنشئتهم الاجتماعية وتحصينهم ضد كل أنواع العنف والانحراف.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: