عبدالقادر بن قرينة مرشح إسلامي لرئاسة الجزائر بسيرة ذاتية غامضة
عند إسلاميي الجزائر، السياسيين منهم خاصة، كل شيء مباح ومتاح، ولا يحتاج إلى فتاوٍ أو شرع أو نصيحة في الله تراعي الحرمة والدين. الوصول إلى سدة القرار والحكم، محفوف ومزين دوما بكل شيء؛ الحلال والحرام، الجيد والسيء، الطالح والصالح، الفاسد والنقي.
كل الوسائل مشروعة لتنفيذ وعودهم حتى لو أدى ذلك إلى إزهاق الأرواح والترهيب مثلما حدث خلال سنوات الدم والعشرية السوداء. هذه هي حال المرشح للرئاسيات الإسلامي السياسي عبدالقادر بن قرينةالمولود بتاريخ 1962، الذي أستوزروه باسم حزبه القديم حركة مجتمع السلم “حمس” في قطاع السياحة المفتوح على ملذات الدنيا ومتعها، والزهو، واللهو، والراحة، والاستجمام، والوجوه الملاح، والملاهي والمراقص، والكباريهات، وبكل ما يحمله ويتحمله هذا القطاع من قيم أخرى قد تبدو في أعين وعقيدة المسلم البسيط من المحرمات التي نهى عنها الشرع، ووضع لها القصاص والأحكام والضوابط، وأي انحراف عنها يعد خروجا عن الملة والطاعة والإسلام.
وكان السؤال الكبير آنذاك؛ كيف تسنى لحركة حمس الإسلامية ومن ورائها بن قرينة قبول وزارة بحجم السياحة؟ في حين أتاحت بعض الدول العربية للأحزاب الإسلامية الفرصة لتكون ضمن طاقمها الوزاري، كانت وزارة التربية أو التعليم أقرب إلى نفوس الإسلاميين السياسيين وعقولهم ومخططاتهم البعيدة الرامية إلى تكوين النشء من القاعدة ثم الصعود تدريجيا لتخريج إطارات عليا مشبعة بالفكر الإسلامي ولواحقه وما يمكن أن يترتب عليه من تبعات سلبية أو إيجابية.
مرشح نوعي
يقدمه مريدوه بهذا العنوان الكبير “بن قرينة مفكر إستراتيجي جزائري”، تفتقت عبقريته ونبوغه فجأة في بعض خرجاته الإعلامية منددا وكاشفا عما قال إنه فساد حاول محاربته حين كان وزيرا للسياحة في حكومة قادها أحد رموز العصابة.
طبعا لم يكشف الأمر حينها بل راسل من لم تصله الرسائل أبدا ولا يلتفت إليها، بل يخزنها في رفوف معتمة لا تصل إليها العيون ولا الأيدي، ولم تدفعه هذه الأمور إلى الاستقالة ونفض يديه من غبارها الداحس والمنكر، بل واصل مهامه الشريفة في الحكومة مستفيدا أو متواطئا أو مضغوطا عليه لتنفيذ التعليمات والأوامر، فلم يعد الأمر مهمّا الآن بعدما تبين أن هذه الحكومة هيأت الأرض والسماء لمن يليها في صراط طويل صاخب وضاج بالفساد انتهى الكثير من عرابيه وزبائنه في السجن كصديقه عمار غول الذي ناضل هو أيضا وكافح من أجل إقامة دولة الحق والعدل حيث لا يظلم عندها أحد، ولكنه خرب ونهب وأكل ما لا يحق له، وعاث فسادا وغشا وسرقة.
بعد أن فعل حراك 22 فبراير ما فعله في النفوس والعقول والشوارع، خرج بن قرينة من الظل والسكون والتواري، وأعلن أنه سيكون رئيس الجزائر المقبل أحب من أحب وكره من كره و”على الساعة الثانية عشرة ليلا سيتم إعلان أنني الرئيس”، وهي “جملة سحرية” بقدر ما حيرت الجزائريين تهكموا عليها في مواقع التواصل الاجتماعي وأطلقوا إثرها هشتاغ “أنت تحلم”، وأصبحت أيضا تلازم المرشحين الأربعة المتبقين الخارجين كلهم من عباءة النظام، وقد بدت في رأس بن قرينة مرتبطة بنوع من الغيب الذي لا يعلمه سواه، أوعن ثقة زائدة عن حدها في قدراتها القادرة على تنفيذ وعد الخلاص والنجاة من المحن والصعاب التي تخنق البلاد، مع أن سحنته لا يعرفها الكثير من هذا الجيل الطالع من هدير الأزقة، ولولبيات المنعرجات، وبرد الأرصفة، وحرية المنصات الزرقاء التي فقدت الثقة في كل خطاب حتى ولو كانت خطبا عصماء مغلفة بالسعادة والأحلام والمستحيلات مثلما هي عليه خطب بن قرينة.
أحلام الفتى الإسلامي
التيار الإسلامي في الجزائر بمختلف تياراته لم يعد بخير منذ أن غاب عنه رموزه وقادته، منهم من مات، ومنهم من أصابه الوهن والعطب، ومنهم من لم يعد يعرف المجتمع المتحول الفاقد للكثير من البوصلات التي تربي وترشد وتوجه، ومنهم من فقد ذراعه القوية في النظام ونقصد بذلك الجنرال توفيق المسجون حاليا.
منهم من لا يزال يحن ويشتاق إلى زمن عناق السماء، ومنهم من ركب وسقط في نصف الطريق وتعثرت بغلته، ومنهم من قفز ونال رضا السلطة الخفية في الجزائر وتربع على وزارات ومؤسسات وهيئات وصولا إلى عرش البرلمان في مفصل تاريخي، حيث لا أحد كان يتوقع أن تؤول إلى شخص ينتمي إلى تيار إسلامي إخواني، حزب بن قرينة بالتحديد، ضعيف التمثيل في هذه الغرفة السفلى أمام أحزاب يقال إنها كبيرة ونافذة ومسيطرة على المشهد السياسي، ولكن تشاء حكمة التلفون الصارمة أن يكون الأمر هكذا في لعبة أو صفقة بقيت غامضة للدفع بالتيار الإسلامي إلى الواجهة ممثلا في هذا الحزب الجديد كما يحلو لبن قرينة وصفه، لإرضاء شرائح واسعة من المجتمع المحافظ التقليدي في بنيته الذهنية والذي ما زال الحضور الإسلامي ماثلا في وعيه الباطني وفي صفاء بصيرته.
من هنا ربما لعب فأر في رأس بن قرينة، ما دام رأى بأم عينيه صديقه سليمان شنين يذهب مباركا وسعيدا ومزهوا طولا إلى هرم البرلمان ويصبح بين عشية وضحاها الرجل الثالث في الدولة يقرر مصائرها، ويقف شامخا الند بالند والكتف بجانب الكتف مع الرئيس عبدالقادر بن صالح والفريق قايد صالح ومختلف القيادات العليا.
عندما انشق بن قرينة عن حركة حمس الإخوانية وأسس “حركة البناء الوطني” قال في معرض حديثه إنها ليست حزبا إسلاميا، ولكن نظرة سريعة تقول العكس فجل مؤسسي هذا الحزب هم من الكوادر الإخوانية عقيدة وهيكلة وتنظيما. ولكنهم لا يعلنون ذلك بشكل صريح وواقعي، فهم يعرفون ما يحدث لهذا التيار عبر العالم الإسلامي، وكيف تتم محاربته هنا وهناك والتضييق عليه وتجفيف أفكاره ومنابع تمويله؟
ولكنهم مثلما يقول المتابعون إخوانيون قلبا وقالبا، وإن حاول بن قرينة أن يظهر العكس تماما، فقد طلب مثلا من مؤطري حملته جلب فتيات غير محجبات للمشاركة معه في تنشيط تجمعاته القادمة كدليل على عدم تعصبه للحجاب وانفتاحه على حرية الملبس، أو حين صرّح بأنه “مع مشروع الدولة الوطنية وعناصر الهوية” وإن لم يحدد مفهومه لعناصر الهوية وتركها مهلهلة ومفتوحة. هل هو مع التعدد اللغوي؟. هل هو مع أحزاب علمانية تقوم على فكرة الحداثة والعصرنة؟ هل هو مع الإثنيات التي ينادي بها البعض كمكون خالص للهوية؟
طموحات غامضة ومثيرة
لا تتوقف طموحات بن قرينة وأحلامه الطوباوية المعجزة في حال ما أتته الرئاسة وما هي ببعيدة عنه مثلما يطلقها في كل محفل وموعد، فهو لا يؤمن بــ”لو” فـُـزت، فهذا تشكيك مبطن وسوء نية وخلفية ماكرة للنزاهة التي تحلى بها طوال حياته حتى وهو وزير، بل يؤمن أشد الإيمان بأن ترشحه ما هو إلا “استكمال لما بدأه شعبنا العظيم في الحراك، وليحدث القطيعة مع الاستبداد والفساد، وليعيد الثقة بين الشعب ومؤسساته”.
الحراك هو من سينتخبه ويضعه هناك في الأعلى لأنه، كما يقول، من عمق هذا الحراك، من أبنائه، ومتقدم لصفوفه الأولى كصديقه شنين الذي بفضل الحراك رأس البرلمان ومن أجله هو هناك. قلنا لا تتوقف طموحاته وأحلامه فهي سريعة خاطفة ومبهرة ومبهمة ومثيرة لألف سؤال وسؤال.
سار على خطى رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش في النظر لما قامت به العصابة، وكيف سيتعامل معها عندما تكون بين يديه سلطة وسيف القرار، فالأول قال إنه سيعفو عمن سرق بشرط أن يعيد ما سرقه كله، والذي أخذ الكثير نعاقبه، والثاني أي بن قرينة قال إنه سيطلقهم جميعا؛ وزراء، ومسؤولين سابقين، ورجال أعمال. بل سيحن عليهم ويمنحهم فيلات وشققا فاخرة، سيارة أو اثنتين لهم ولعائلاتهم، مقابل أن يرجعوا كل ما أخذوه في فترة الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة.
تنعم بن قرينة في حضن الدولة والنظام من يوم أن مثل حركة مجتمع السلم حمس في عضوية المجلس الوطني الانتقالي، وهي هيئة تأسست في قلب فراغات بنيوية عاشتها الجزائر في سنوات الإرهاب والدم والقتل، وتقلد منصب نائب الرئيس بن صالح آنذاك، وأعيد انتخابه في أول انتخابات تشريعية للبرلمان في سنة 1997 عن ولاية (محافظة) ورقلة الجنوبية، ثم عُيّن وزيرا للسياحة، قبل أن يتم الاستغناء عن خدماته إثر قلاقل حدثت في بيته.
واصل النضال عضوا في العديد من المنتديات والمؤتمرات والمنظمات العالمية والروابط القومية الإسلامية، وكلفه الشيخ محفوظ نحناح بمهمات خارجية في الحزب نيابة عنه، حيث ربط علاقات متينة، ونظم لقاءات عالية المستوى بين حزبه السابق حمس والقيادة السورية سنة 1996، والأردن، وتواصل مع قادة ورموز طوائف في لبنان، وبعض شيوخ الخليج، ونخب أوروبية وأميركية، كما كانت له لقاءات مع زعماء عرب من بينهم معمر القذافي.
مسار حياته هذا بالرغم من كل تلك المهمات التي أنيطت به من طرف الشيخ محفوظ بقيت مجهولة وغير معروفة، في طي الذاكرة والكتمان، ولم تقرأ في متون أو تدون في كتب للاستفادة أو التعلم من عبقريتها.
ظلت فترة أخرى غامضة ويلفها الكثير من الظلال والسواد من حياة بن قرينة والمتعلقة بنشاطه السري في ثمانينات القرن الماضي حيث أناط به الشيخ محفوظ نحناح مسؤولية منسق الجنوب الكبير وجزء من الجنوب الشرقي الجزائري في كيان سياسي سري تمثل في تنظيم الإخوان المسلمين المسمى “الموحدين”، الذي نشر بيانا صارخا عنيفا ضد سياسة بومدين، تحت عنوان “إلى أين يا بومدين؟”، انتقد فيه مختلف التوجهات التي سار عليها هذا الأخير في السياسة وفي الاقتصاد وفي الثقافة وغيرها.
وجهوا السهام إلى العسكريين والشيوعيين، حينها، وإلى كل من شموا فيه رائحة الاشتراكية، وظلت الحركة تمارس نشاطات تخريبية، ولما نشر البيان المعادي ألقي القبض على محفوظ نحناح وأودع السجن بتهمة التآمر على الدولة.
لا تفصح المصادر عن الكثير حول دور بن قرينة في هذا التنظيم المعروف براديكاليته وأفكاره المتعصبة التي زجت بمعظم قياداته في السجن، ثم تم العفو الشامل عنهم من طرف الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد في صفقة حملت عنوان التخلي عن مشاريع المعاداة والسرية مقابل منح امتيازات خاصة، مما قوى نفوذ التيار الإسلامي في منظومة الحكم.
استطاع النظام أن يحتوي بعض رموز “الموحدين” تحت مظلته وتقريبهم من نهر الامتيازات الواسع ونشوة الإغراءات التي لا تقاوم وحلاوة المصالح الخاصة، وهو حال صاحبنا بن قرينة وعمار غول وأبوجرة سلطاني وغيرهم من مناضلي حركة مجتمع السلم خاصة والإسلاميين عموما.
إثر غياب هذه المنافع التي لم تظهر منذ تولي عبدالرزاق مقري أمور حزب حمس، والذي يتهم بن قرينة بأنه كان واشيا عند السعيد بوتفليقة المسجون، حيث شعر بن قرينة بتقلصها والتباسها وضمورها، أسس حركة البناء الوطني وترشح باسمها للرئاسيات علّه يلحق بركب ما ضاع من وقت وزمن ثقيل غلب عليه التماطل والحسابات والتجاذبات التي أنهكت كاهل حزب حمس.
وهو اليوم يستعرض بمشهدية فيها الكثير من الفكاهة والتراجيديا وتوقه إلى أنه سيكون رئيسا حقيقيا ببرنامج واقعي المواضيع والتقنية والتفاصيل، ولم يغفل فيه أدنى همّ أو مشكل أو عقبة تقف ضد التقدم والمستقبل الساطع الذي يعد به مواطني الجزائر، بل قال إن باقي المرشحين لشدة إفلاسهم استنسخوه وسرقوا زبدته من درج حزبه في ليل ما زال فيه الحراك يحتل الشوارع رافضا كل العملية برمتها ومعه كل هؤلاء الذين تهافتوا للسباق، لا يدرون من أين ستسير عربة الأحلام الوردية هذه التي يقودها الكل وفي رأس كل واحد منهم شيء ما وانتظار ما وحظ ما يطرق بوابات القصر وقلاع الحكم.