المهزلة الإنتخابية بالجزائر
الجزائر إلى أين؟ هذا السؤال طرحه السيد محمد بوضياف أحد مفجري ثورة نوفمبر ضد الاستعمار الفرنسي، غداة استقلال الجزائر بعد ما توترت الأمور وبدأ ذلك الصراع المحموم على السلطة بين العصب في صيف 1962. والمتسائل نفسه اغتيل سنة 1992 وهو يحاول الإجابة عن نفس السؤال.
تمر 57 سنة على استرداد الأرض ولا يزال نفس السؤال مطروحا وبإلحاح حول مستقبل الجزائر. سؤال لا يطرحه السياسيون والمتخصصون بل يطرحه حتى المواطنون الجزائريون الذين يخرجون منذ 22 فبراير في مظاهرات عارمة من أجل إسقاط النظام المغتصب للسلطة من جهة ومن جهة أخرى عدم السماح اليوم لما تبقى منه، من تنظيم انتخابات رئاسية شكلية مزورة سلفا يحاول من ورائها استنساخ نفسه وفرض الأمر الواقع على الشعب الجزائري.
يكفي ذكر أسماء المرشحين الخمسة لتظهر حقيقة تلك اللعبة، التي أصبحت مكشوفة بل تثير الشفقة وتؤجج الغضب. إذ يعرف كل الناس أنه مهما كانت النتيجة فالرئيس المنصّب سيكون رئيسا مختارا من العصابة الغالبة، فضلا على أن خمستهم كانوا دائما جزءا من النظام ومن أبنائه الأوفياء.
اثنان منهم تقلدا رئاسة الحكومة، هما علي بن فليس وعبدالمجيد تبون، وأشرفا على وزارات عديدة في عهد الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة. ووصل آخران عزالدين ميهوبي وعبدالقادر بن قرينة إلى رتبة وزير ولمدة طويلة في نفس العهد. أما الخامس عبدالعزيز بلعيد، فكان دائما أمينا عاما لهيئة من هيئات السلطة، خادما مطيعا للعصابة الحاكمة.
وعموما ليس لهؤلاء المختارين في الحقيقة من طرف قائد الأركان، أدنى شعبية أو احترام بل يعتبرهم معظم الجزائريين مجرد مشاركين في مهزلة لا تهدف سوى إلى إنقاذ النظام، في حين أن الجزائريين الأحرار منتفضون منذ 9 أشهر من أجل إنقاذ الجزائر. لا أحد من هؤلاء استطاع أن يجمع على صفحته في الفيسبوك 50 ألف متابع بينما وصل عدد الناخبين في الجزائر إلى 24 مليون ناخب!
لا يمكن الحديث عن حملة انتخابية بأي حال من الأحوال، بل هي مسرحية سمجة على الهواء الطلق. كان رد فعل أغلبية الشعب الجزائري الرفض لدور هؤلاء الممثلين وأصبح متعذرا عليهم القيام بحملة انتخابية علنية وباتوا مطاردين كاللصوص في المدن والأرياف ولا يتنقلون إلا تحت حراسة أمنية مشددة ولا يملكون حتى شجاعة الإعلان عن تواريخ وأماكن تدخلاتهم وخرجاتهم، ليس هذا فحسب بل خوفا من الجماهير الغاضبة.
لم تعد الدعوات عامة في هذه الحملة الانتخابية المضحكة المبكية، بل دعوات خاصة اسمية تعقد في قاعات مغلقة يحرسها البوليس. وفي كل مرة يأتي كهول وشبان وشابات ونساء يحاصرون في القاعة ويطلقون هتافات ويرفعون شعارات مناهضة “لانتخابات قائد الأركان”.
وأمام هذا الرفض الشعبي لحضورهم واستحالة إقامة تجمعات شعبية، راح هؤلاء يصطنعون تقوى كاذبة، فهذا ينفجر بكاء في حضرة شيخ زاوية والآخر يزور الأضرحة وذاك الإخواني يوقف موكبه ويهم بالصلاة وسط الطريق أمام الكاميرات، وآخر يوزع بعض المواد الغذائية في تجمع ضم بعض المخدوعين في قرية نائية.
لكنهم لا يمكن أن يخدعوا الناس بمثل تلك الخزعبلات. هم الذين يجرّون وراءهم ملفات فساد ثقيلة، كثيرا ما تحدثت عنها وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية. أما السلطة فقد أظهرت ورعا رسميا غريبا منافيا لكل الأعراف السياسية. إذ أحضرت شيوخ دين يتلون القرآن بطريقة فولكلورية في ساحة يجتمع فيها عادة مناهضو النظام وانتخاباته بوهران، بغية خداع البسطاء من الناس. وهو خرق واضح لقانون البلد، إذ هو استعمال للدين لأغراض سياسية.
ورغم وسائل الاتصال الجديدة، التي لا تخفى عنها خافية، لا تزال قيادة الأركان تفرض تعتيما إعلاميا مجانيا، لم تعرفه الجزائر على الإطلاق. إذ لم تعد القنوات الإعلامية العمومية والخاصة والجرائد، تتجاهل ما يحدث على أرض الواقع، بل أصبحت تكذب وتدلس دون حياء. أصبحت الخاصة منها مأمورة ومخيرة بين الانصياع لخارطة طريق السلطة أو بين الغلق والعمومية المدجنة، الناطقة باسم المنظومة الفاسدة كما كانت دائما.
كيف يمكن تنظيم انتخابات رئاسية بالقوة ورغم أنف الشعب الذي يرفضها رفضا تاما؟ من البديهي أن تنظيم اقتراع ضد إرادة الشعب هو ضمان للفشل. إذ ستفتقد النتائج لكل شرعية ومصداقية ما دام هذا الشعب غير منخرط فيها. أيّ مصداقية لانتخابات رئاسية تقام في جو الاعتقالات والمحاكمات والاحتجاجات والمظاهرات الضخمة المنظمة ليلا ونهارا؟
هل يبقى للانتخابات معنى وأغلبية الجزائريين يتظاهرون في الشوارع مناهضين لإجرائها؟ هل هي انتخابات تلك التي لا يتوفر فيها أدنى حد من التوافق بين مختلف القوى السياسية في البلد؟ ما قيمة حملات انتخابية يكون فيها المرشحون تحت الحماية الأمنية المشددة خوفا من طردهم من طرف المواطنين؟
في إنكار لما يحدث على أرض الواقع، تحدث قائد الأركان قايد صالح في بداية الأسبوع، وكأنه لا يسمع هدير الشارع المقاوم لمشروعه، عن الهبة الشعبية المساندة لانتخابات 12 ديسمبر الرئاسية! وهو دليل آخر على وقوع سلطة الأمر الواقع العسكرية في مأزق كبير وهي لا تعرف كيف تتصرف وقد أحرقت كل أوراقها، ولم يبق لها سوى مواجهة الشعب الرافض والمسالم لمسعاها بالقوة الأمنية والقضائية والتضليل الإعلامي.