معسكر السلطة لم يحسم الخيار النهائي داخل أركانها حول المرشح الذي ستدعمه في الانتخابات الرئاسية
لم تحسم السلطة الجزائرية مسألة دعمها لأحد المرشحين المقربين إليها في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في ديسمبر القادم، ما جعل المرشحين الخمسة يخوضون صراعا غير معلن فيما بينهم عبر الحملات الانتخابية، لتقويض حظوظ منافسيهم وأملا في حشد دعم السلطة.
تصاعد السجال بين أركان السلطة الجزائرية في الآونة الأخيرة، بشكل يوحي بأن ثوب مرشح السلطة لم يستقر بعد على مرشح بعينه، وأن المجال ما زال مفتوحا بين المتنافسين الخمسة للانتخابات الرئاسية الجزائرية، الأمر الذي يبقي مسألة ترتيب الأوراق داخل معسكر السلطة عالقة، لاسيما في ظل الحديث عن خطط بديلة في حال تمكن الشارع من إسقاط الاستحقاق الرئاسي.
ودخل المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية الجزائرية عبدالمجيد تبون في سجال مع مجمع النهار الإعلامي الخاص (الذراع الإعلامية للسلطة)، بشكل يوحي بأن معسكر السلطة لم يحسم الخيار النهائي داخل أركانها حول المرشح الذي ستدعمه، وأن صراع خيارات لا يزال قائما مما سيصب في وعاء المتاعب السياسية والشعبية التي تواجه الاستحقاق.
وقررت مديرية حملة المرشح تبون إقصاء الفريق الصحفي التابع لمجمع النهار من تغطية أطوار الحملة الدعائية التي يخوضها المرشح، على خلفية ما أسمته بـ”تحامل المجمع على تبون والعمل على تشويه سمعته أمام الرأي العام، خاصة بعد إحالة رجل الأعمال المحسوب عليه عمر عليلات، على السجن المؤقت بسبب شبهة الضلوع في قضايا فساد”.
وجاء في بيان للمجمع الإعلامي أن “مديرية المرشح عبدالمجيد تبون، قررت إقصاء الطاقم الصحفي للمجمع من مرافقته لتغطية نشاطه الدعائي”، ووصفه بـ”التجريح والاتهامات الخطيرة”، وذلك على خلفية التطرق لأطوار محاكمة رجل الأعمال عمر عليلات، وإحالته على السجن المؤقت بشبهة الضلوع في ملفات فساد.
وجاء قرار القضاء القاضي بسجن رجل الأعمال المذكور، في ظرف جد حساس بالنسبة لمداومة المرشح تبون، لتزامنه مع أطوار الحملة الانتخابية، حيث يتداول على نطاق واسع أن الرجل المختص في تجارة الخمور هو الممول الأساسي له، مما يجعله عرضة للتوظيف السياسي، ويقدم ورقة جديدة مجانية لمعارضي الانتخابات الرئاسية، لاسيما وأن الحادثة تتنافى مع واحد من أبرز شعارات المرشح وهو “فصل المال عن السياسة”.
وفاقمت الحادثة المتاعب التي تلاحق الرجل، علاوة على تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضده وضد المرشحين الآخرين، وإمكانية تأثيرها على مساره السياسي، كون ثوب مرشح السلطة قد يسحب منه لصالح مرشح آخر، وأن دخول المجمع الإعلامي المذكور على الخط يؤكد أن المسألة لم تحسم بعد، نظرا لقربه من مراكز القرار سواء خلال نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، أو خلال مجيء السلطة الحالية.
فجاء ذلك في أعقاب استقالة مدير حملته المعلن عنه سابقا، الدبلوماسي عبدالله باعلي، لأسباب غير معلنة لكنها ربطت بخلافات بين الرجلين حول الملف الدبلوماسي خاصة العلاقات مع فرنسا، وحتى استخلافه بمحمد الأمين مساعيد، لم يوفق فيه، بسبب ارتباط الرجل بالمنظومة السابقة.
وسبق لمساعيد أن شغل منصب مدير ديوان رئيس الوزراء المسجون عبدالمالك سلال، الأمر الذي عزز فرضية تجديد وجوه النظام القديم، عبر الانتخابات المرفوعة في الحراك الشعبي.
وأكد بيان مجمع النهار على أن “توقيف عمر عليلات من طرف فصيلة الأبحاث للدرك الوطني، هو خبر تناولته بحيادية مع الأخذ بعين الاعتبار حساسية الخبر وآثاره المباشرة على المرشح عبدالمجيد تبون”. وتابع “توقيف عمر عليلات بارون الخمور في الجزائر، خبر نشرته كل الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية، وللأسف الشديد لم يعد سرا يخفى”.
ولفت إلى أن “النهار كانت قد التزمت ووقعت السبت الماضي، على ميثاق أخلاقيات الحملة الانتخابية للرئاسيات وستبقى ملتزمة به مع هذا المرشح وغيره”، وأكد على أن “لغة الإقصاء والتهميش لا يمكن بها بناء الجزائر لمن يريد أن يصبح رئيسا لكل الجزائريين”.
وعبرت مديرية حملة المرشح عبدالمجيد تبون عن استغرابها مما أسمته بـ”الطريقة المثيرة التي تم تناول الخبر بها، وربطها لرجل الأعمال الموقوف بمرشح الانتخابات الرئاسية، هو سلوك ينطوي على نوايا الإساءة لتبون وتشويه سمعته وصورته لدى الرأي العام في ذروة الحملة الانتخابية”.
وأضافت “هذه الطريقة هي ضرب لمصداقية الاستحقاق الانتخابي، ومحاولة استفزازية للمساس بسمعة الرجل، رغم أنه كان سباقا في قيادة حملة مماثلة وتحالف مع العصابة في 2017، لما كان رئيسا للوزراء وعمل على تطهير البلاد من الفساد والتلاعب بمقدرات البلاد وتوظيف النفوذ المالي والاقتصادي في إدارة دواليب الدولة“.
وحاولت مديرية حملة تبون إظهار مرشحها في “ثوب الضحية والمستهدف من طرف لوبيات سياسية وإعلامية حاربته لما كان رئيسا للوزراء في 2017”، في إشارة إلى مجمع النهار المحسوب في وقت سابق على سعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وما زالت الحملة الانتخابية الرئاسية تسير بوتيرة محتشمة، ولا شيء في الشارع يوحي بأن البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية في منتصف الشهر الداخل، حيث عجزت مداومات المرشحين حتى على استغلال الفضاءات الدعائية المنصوبة في الشوارع والساحات، وحتى التجمعات الشعبية لهؤلاء تجري في ظروف صعبة بسبب تصعيد المحتجين لوتيرة رفض إجراء الانتخابات.
وعاشت العاصمة وعدد من المدن والمحافظات، الأربعاء، احتجاجات ومسيرات شعبية مفاجئة، تم على إثرها توقيف العشرات من الشبان والناشطين، وفيما تم إطلاق سراح غالبيتهم، جرى النطق بأحكام قضائية وصفت بـ“القاسية” على عدد منهم على مدار الأيام القليلة الماضية، كما هو الشأن للعديد من الناشطين في العاصمة وغيرها من المدن الجزائرية.