محمد السادس يعين إدارة جديدة لمكافحة الفقر و التفاوت بين مختلف الشرائح الاجتماعية

أعطى العاهل المغربي الملك محمد السادس نفسا أكبر للجنة الخاصة بالنموذج التنموي بتعيين إدارة جديدة مع توسيع صلاحياتها بهدف مكافحة الفقر والتفاوت بين مختلف الشرائح الاجتماعية، في خطوة يقول خبراء إنها تعكس عزم الرباط على ترسيخ دور الاقتصاد التضامني على قواعد مستدامة.

 عيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس مسؤولا جديدا على رأس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي باختصاصات واسعة، في تحرك يهدف إلى القضاء على الفقرة ومعالجة الخلل الطبقي عبر تعزيز دور الاقتصاد التضامني والاجتماعي.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن للقصر الملكي قوله في بيان إن الملك محمد السادس عيّن شكيب بنموسى وزير الداخلية السابق وسفير المغرب في فرنسا رئيسا للجنة لمعالجة التفاوت الاجتماعي والفقر.

ومن المتوقع أن تكون هذه اللجنة بمثابة هيئة استشارية مهمتها محددة في الزمن، أي إنها ستنتهي حين يصل أعضاؤها إلى بلورة مشروع نموذج تنموي جديد.

ويرى البعض من المتابعين أن مهمة بنموسى ستكون صعبة للغاية، خاصة وأن أعمالها ستكون في ظل متابعة مباشرة من العاهل المغربي.

ويأتي التعيين بعدما أقر الملك محمد السادس في خطاب سابق له بفشل النموذج التنموي الحالي باعتباره لا يواكب لمتطلبات المواطنين المتزايدة.

وأقر خلال خطاب في يوليو الماضي أن ما تحقق في مجال البنية التحتية في السنوات الأخيرة، مثل الطرق الرئيسية والسكك الحديدية السريعة والموانئ والطاقة المتجددة والتنمية الحضرية لم تشعر به كل قطاعات المجتمع.

وأكد حينها أن اللجنة تستهدف وضع نموذج تنمية جديد بهدف إصلاح قطاعات حيوية في البلاد على رأسها التعليم والصحة والزراعة والاستثمار والضرائب.

9 ملايين، عدد الفقراء أو من يواجهون خطر الفقر من بين 35.2 مليون، وفق البنك الدولي

ويؤكد العديد من الخبراء أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يعتبر ثالث ركيزة يتعين أن يقوم عليها الاقتصاد المغربي مستقبلا حتى يكون متوازنا، إلى جانب القطاعين العام والخاص.

وهذا النوع من الاقتصادات هو عبارة عن مجموع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، التي تنتظم في شكل بنيات مهيكلة أو تجمعات لأشخاص ذاتيين أو معنويين، بهدف تحقيق المصلحة الجماعية والمجتمعية.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الاقتصاد التضامني يضم حوالي 5 بالمئة من الساكنة النشيطة، أي ما يقارب 600 ألف شخص، ويركز أساساً على أنشطة الفلاحة والصناعة التقليدية بالدرجة الأولى.

ويبدو هذا العدد قليلا قياسا بتعداد السكان، وهو ما يجعل تغيير النموذج التنموي ضرورة ملحة لتعزيز النمو الاقتصادي بشكل أكبر.

وأوضح مشاركون بالمعرض الوطني للاقتصادي الاجتماعي والتضامني في دورته الثامنة، الذي تزامن مع صدور القرار أن هذا النوع من الاقتصاد لديه القدرة والوسائل على تعبئة وإحداث ثروات مهمة سواء مادية أو لا مادية.

وأكدوا أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يزاوج بين مبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، وبالتالي يضمن دينامية الاقتصاد بالموازاة مع تحقيق الغايات الإنسانية من التنمية.

وأكد رئيس الشبكة المغربية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني عبدالله السهير في تصريح خاص لـ”العرب” على أهمية الدور الذي يلعبه هذا الاقتصاد في نمو الاقتصاد المغربي ومساهمته في مكافحة الفقر والهشاشة.

وقال إن “الحكومة تعي أهمية هذا القطاع الحيوي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو يعدّ من الحلول الناجعة لمواجهة الأزمات الاقتصادية، وركيزة أساسية لخلق الثروة ودعم التماسك الاجتماعي والتنمية المحلية المستدامة”.

عبدالله السهير: الاقتصاد التضامني ركيزة لخلق الثروة والتماسك الاجتماعي

ويتركز الفقر في الأوساط الريفية، جرّاء ضعف سياسات الدولة الموجهة لتلك المناطق، وفق خبراء، لكن الحكومة تقول إنها تعمل على تحقيق أهداف أجندتها المتعلقة بالتنمية الاقتصادية المستدامة.

وترى وزيرة السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي نادية فتاح العلوي، التي عيّنت في الحكومة الجديدة قبل أسابيع إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني قطاع مهم في مجال التنمية وتوفير فرص عمل بشكل خاص للشباب والنساء.

وقالت على هامش المعرض، الذي احتضنته مدينة وجدة إن “المغرب عرف تطورا في هذا القطاع، ولكن مازلنا نطمح إلى النهوض به من أجل تنظيمه وهيكلته”.

وأشارت العلوي إلى أن مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يمثّل في البعض من الدول حوالي 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ووفق بيانات صادرة حديثا عن الأمم المتحدة للتنمية البشرية، فإن المغرب يحتل المركز 123 من بين 190 بلدا حول العالم، حيث تعاني المناطق الريفية من نقص الخدمات التعليمية والصحية.

وخلال المعرض، أبرز والي جهة الشرق وعامل عمالة وجدة أنكاد، معاذ الجامعي، الأهمية التي يوليها الملك محمد السادس إلى الاقتصاد الاجتماعي، عبر الجمع بين الفاعلية الاقتصادية والتضامن الاجتماعي في خدمة الإدماج لخفض التفاوتات وتحقيق معدلات النمو المستدامة.

وأوضح أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من شأنه أن يبث زخما جديدا في النمو الاقتصادي ويساهم في رفع تحديات الاندماج في حال تطبيقه على النحو المطلوب.

ويعتقد الجامعي أن من شأن دعم هذا النوع من المجالات ضمان توازن أفضل في تخصيص الاستثمارات وتسهيل مشاركة كل شرائح المجتمع والشركات ومختلف القطاعات والمجالات الترابية وترسيخ الاندماج الاجتماعي وتحسين النمو.

وتفيد إحصاءات رسمية مغربية بأن 1.6 مليون مواطن يعيشون في وضعية فقر مدقع، فيما يعيش قرابة 4.2 مليون في وضعية هشة، من أصل حوالي 35.2 مليون نسمة.

لكن البنك الدولي أشار في تقرير الشهر الماضي أن عدد الفقراء في المغرب أو من يواجهون خطر الفقر يبلغ نحو 9 ملايين نسمة أو ما يعادل حوالي 24 بالمئة من عدد السكان.

ويواجه تطوير القطاع التعاوني تحديات عديدة ذات طبيعة قانونية ومؤسساتية وسوسيو-اقتصادية، وهو ما يتطلب ضرورة اتخاذ سلسلة من إجراءات المواكبة بهدف تمكين التعاونيات من تجاوز الصعوبات وتقوية هياكلها.

ويعتقد المسؤول السابق في الحكومة الفرنسية المكلف بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني جان غاتل أن الرباط تشكّل نموذجا في ما يتعلق بتطوير الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.

وأشار خلال المعرض بالعمل الكبير الذي تقوم به الحكومة المغربية لدعم التعاونيات، وخاصة النسائية منها، والمتخصصة في عدد من القطاعات، لاسيما الصناعة التقليدية والمنتجات المجالية واستثمار النباتات العطرية والطبية، وغيرها.

ونتيجة تراجع الإنتاج الزراعي يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد المغربي 2.8 بالمئة بنهاية هذا العام هبوطا من 3 بالمئة العام الماضي.

ويقول خبراء الصندوق إن هذا المعدل لا يمكنه توفير فرص عمل كافية في مجتمع يعاني فيه شاب من بين كل 4 شبان من البطالة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: