الشارع الجزائري يواجه المرشحين للرئاسة
على الرغم من تواصل الرفض الواسع لها من قبل الحركة الاحتجاجية، انطلقت حملة الانتخابات الرئاسية الجزائرية، الأحد، بمشاركة خمسة مرشحين يمثلون في نظر الحراك وجوها من النظام الذي يطالب برحيله.
انطلقت الحملة الانتخابية للاستحقاق الرئاسي الجزائري، في أجواء استثنائية يشوبها الكثير من الحذر والتوتر، ووجد المتنافسون على كرسي الرئاسة أنفسهم في اليوم الأول من عمر الحملة، وجها لوجه أمام شارع منتفض ورافض للانتخابات، مما يوحي بأن الاستحقاق المذكور سيكون استثنائيا بكل المقاييس وأن الرئيس القادم للبلاد سيمر حتما عبر عنق زجاجة.
واستقبل المئات من المواطنين والطلبة الجامعيين بمدينة تلمسان في أقصى الغرب الجزائري، المرشح للانتخابات الرئاسية علي بن فليس، بهتافات التنديد وشعارات الرفض للانتخابات الرئاسية.
ووجد المنظمون ومصالح الأمن صعوبات كثيرة في تأمين تنظيم أول تجمع انتخابي لرئيس حزب طلائع الحريات، أمام إصرار الرافضين على إجهاض النشاط الدعائي الأول للرجل وأسمعوه وابلا من الهتافات والشعارات المنددة والرافضة للاستحقاق.
واستعرض بن فليس معالم برنامجه الانتخابي أمام أنصاره الذين استقدموا من مختلف مدن المحافظة، على وقع شعارات مدوية من قبل الرافضين للانتخابات، حيث ردد هؤلاء “نحن أبناء عميروش لن نتراجع للخلف”، و“بن فليس ديقاج” (بن فليس ارحل).. وغيرهما من الشعارات التي اخترقت أسماع الحاضرين إلى قاعة المركز الثقافي بالمدينة.
وفي سيناريو مماثل اضطر رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، إلى اختصار نشاطه الدعائي بوسط العاصمة في دقائق معدودة، تحت ضغط المئات من المناوئين الذين تجمعوا منذ الساعات الأولى صباح الأحد، حيث وعد أنصاره بتحويل مبنى البريد المركزي الذي حمل رمزية الحراك الشعبي منذ شهر فبراير الماضي، إلى متحف في المستقبل، وهو المشروع الذي تنفذه الحكومة منذ مدة، وقامت السلطات المحلية بغلق محيطه بدعوى حمايته من ضغط المتظاهرين الذين حولوه إلى رمز تلتقي في ساحته المسيرات الشعبية الأسبوعية.
تواجد قوي لوجوه نظام الرئيس بوتفليقة في غمار الاستحقاق الرئاسي يعزز الشكوك في كون الانتخابات هي مخطط من السلطة لتجديد النظام
واكتفى بن قرينة بالقول لأنصاره “برنامجي الانتخابي سيعمل على تجسيد مطالب الحراك الشعبي، وعلى تجسيد الانشغالات المرفوعة من أجل بناء دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية”، إلا أن أصوات الرافضين كانت تقطع حديثه بالقول “لا انتخابات مع العصابات”.
وفي المقابل باشر المرشحان بلعيد العزيز وعزالدين ميهوبي، وهما رئيسا كل من جبهة المستقبل والتجمع الوطني الديمقراطي، حملتهما الانتخابية من عمق الصحراء، حيث أديا زيارة مجاملة إلى رموز دينية صوفية في مدينة أدرار، وهي الرموز التي تحولت منذ سنوات إلى قبلة، يعكف كبار المسؤولين في الدولة على زيارتها تبركا بمشايخها ورمزيتها.
وفي عاصمة منطقة القبائل مدينة تيزي وزو، نظم المرشح المستقل عبدالمجيد تبون، تجمعا شعبيا محتشما استنجد بمصالح الأمن من أجل تحييده عن المئات من المحتجين والرافضين للانتخابات الرئاسية، وناب وزير السياحة الأسبق حسن مرموري، عن المرشح وألقى كلمة قصيرة ضمنها الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي واهتمام الرجل بمسألة تكريس ورعاية المكون الأمازيغي في الهوية الوطنية.
وخارج القاعة كان المئات من الرافضين للاستحقاق الرئاسي، يرددون شعارات تدعو إلى إطلاق سراح سجناء الرأي، ويعبرون عن رفض السكان المحليين للانتخابات، وهو ما يتجلى في القيام بغلق وتشميع المكاتب والإدارات التي تضطلع بتنظيم عملية الاقتراع، وحتى في إعلان رؤساء البلديات عن مقاطعتهم له.
وتفاجأ الرأي العام عن إعلان مديرية حملة عبدالمجيد تبون، عن استقالة رئيسها الدبلوماسي عبدالله باعلي، عشية انطلاق الحملة الدعائية، لكن البيان المقتضب لم يذكر الأسباب الحقيقية للقرار، وهو ما يفتح المجال أمام تأويلات متعددة أبرزها وقوع خلافات بين الرجلين حول الملف الدبلوماسي في البرنامج الانتخابي.
وتم استخلاف باعلي، بمحمد الأمين مساعيد، الذي كان يشغل منصب مدير ديوان رئيس الوزراء السابق عبدالمالك سلال، المتواجد في سجن الحراش بتهم الضلوع في ممارسات فساد، وهو ما يؤكد التواجد القوي إن لم يكن الحصري لوجوه نظام الرئيس بوتفليقة، في غمار الاستحقاق الرئاسي، خاصة لدى المرشحين المحسوبين عليه أو المقربين منه في وقت سابق، مما يعزز شكوك الرافضين للاستحقاق في كون الانتخابات الرئاسية هي مخطط من السلطة لتجديد النظام لا غير.
وفي خطوة لدعم المسار الانتخابي في البلاد، أصدرت وزارة الدفاع الجزائرية عشية انطلاق الحملة الانتخابية بيانا، عبرت فيه عن دعمها وتأييدها للاستحقاق الرئاسي، ودعت الشعب إلى الانخراط في المسار، وتفويت الفرصة عمن أسمتهم بـ“المغامرين بالوضع السياسي في البلاد”، في إشارة إلى المعارضين الذين خرجوا بقوة في الجمعة الـ39 رغم ظروف الطقس، للتعبير عن تمسكها بالمطالب الأساسية للحراك الشعبي.
وقال بيان المؤسسة العسكرية إن “القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي وجهت التعليمات الكافية والتوجيهات الضرورية، لكل القوات والمصالح الأمنية المعنية، لتوفير الشروط الملائمة لتمكين الشعب الجزائري من المشاركة القوية والفعالة في الحملة الانتخابية، وفي الاستحقاق الرئاسي المقبل بكل حرية وشفافية”.
وعزت ذلك إلى ما أسمته بـ”تمكين المواطنين والمرشحين من التحرك والتعبير في جو يسوده الاطمئنان والأمن عبر مختلف أرجاء الوطن عشية انطلاق الحملة الانتخابية”.