الإفلاس يهدد الشركات المغربية الصغيرة و المتوسطة

اتسعت مخاوف أوساط الأعمال المغربية من دخول الشركات الصغيرة والمتوسطة في منعطف الإفلاس، بعد أن أغلق شق منها أبوابه بفعل عزوف القطاع المصرفي عن قيادة زمام مبادرة النهوض بها، إثر إجبار أصحابها على تقديم ضمانات ضخمة كبّلت نموها ورمت بها إلى المجهول.

حذر قطاع الأعمال المغربي من ظاهرة إفلاس الشركات بالمغرب بعد استحالة إنقاذ عدد منها أو الحيلولة دون إغلاق أبوابها رغم استجابتها للمعايير الدولية.

وحمّل الاتحاد العام لمقاولات المغرب مسؤولية الضرر الحاصل للشركات للبنوك المتخوفة من المجازفة بتمويل هذا النوع من المشاريع الناشئة، في تحرك يؤكد الحاجة إلى تعديل أوتار القطاع المصرفي بشكل عاجل.

وقالت المنظمة النقابية، إن ”حجم ضمانات القروض المفروضة من البنوك على هذه الشركات يتجاوز بكثير قيمة القرض، مما ينفر أصحاب هذه المشاريع نظرا إلى الكلفة العالية”.

وتفوق ضمانات البنوك المغربية على هذا النوع من الاستثمارات نظراءها بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يجعلها غير مرنة في إجراءاتها ومقيدة بآفاق النجاح لهذه الشركات.

وسلّط انتقاد العاهل المغربي الملك محمد السادس للمصارف المحلية الضوء على القطاع الذي يحقق أرباحا يصفها مراقبون بالمرتفعة، ويغلق الباب أمام تمويل مشاريع الشباب.

وقال الملك محمد السادس، خلال خطاب ألقاه أمام أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة الشهر الماضي، إن “القطاع البنكي لا يزال يعطي أحيانا، انطباعا سلبيا، لعدد من الفئات، وكأنه يبحث فقط عن الربح السريع والمضمون” ولفت حينها إلى صعوبة حصول أصحاب المشاريع من الشباب على القروض، وضعف مواكبة الخريجين من الجامعات والمعاهد، وإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة.

إدريس الفينة: المصارف لا توفر التمويل الكافي لأنها تبحث عن الربح السهل

وينشط في البلاد 24 مصرفا محليا ووافدا من بينها 5 بنوك إسلامية، لديها أكثر من ستة آلاف فرع موزعة على كامل البلاد و45 فرعا في الخارج، إضافة إلى مؤسسات قروض أخرى مثل جمعيات القروض الصغيرة ومؤسسات تحويل الأموال.

وحاول رئيس الحكومة سعدالدين العثماني التخفيف من حدة الخطر حينما قال إن ”النسبة الإجمالية للشركات، التي تغلق سنويا عادية وموجودة، بدول أخرى كفرنسا وبلجيكا وإسبانيا”.

ودعا خلال جلسة بمجلس المستشارين، الثلاثاء الماضي، إلى عدم الخلط بين الغلق الذاتي للشركات والغلق الاضطراري بموجب ظروف معينة منعتها من الاستمرار.

وقال، إن ”نسبة إفلاس الشركات المغربية قدرت بنحو 8.6 بالمئة خلال العام الماضي الذي شهد إنشاء 92 ألف شركة، مما يعني غلق 7942 شركة فقط”.

ويستشعر اتحاد الشركات الخطر من المسألة رغم تطمينات الحكومة. ويقول، إن 8053 شركة أعلنت إفلاسها خلال 2018 بسبب عدم وجود التمويل اللازم، مما جعلها تسجل ارتفاعا بنحو 10 بالمئة كمعدل سنوي خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وللحيلولة دون تراجع نشاط القطاع، دعا الاتحاد الحكومة إلى حث القطاع المصرفي على توفير التمويل الكافي للشركات حتى تمنع انهيارها.

ويفسر الخبير الاقتصادي إدريس الفينة توقف نسق تطور الشركات الصغيرة والمتوسطة بارتباطه بسوق داخلي محدود من حيث الحجم والقدرة الشرائية وضعف المنافسة، مما يحد من أفق انتقاله إلى الأسواق الخارجية لكسب نمو أكبر.

5 بالمئة من الشركات تحصل على تمويل

ولسدّ الفجوة في تمويل الشركات سلكت الحكومة نهجا عمّق المشكلة بتكثيفها للرسوم الضريبية ولجوئها إلى التداين الخارجي لإنجاز المزيد من المشاريع الاقتصادية وتوسيع الدور التنموي للقطاع الخاص.

واصطدمت هذه الخطوات بمناخ الأعمال المتردي وبالبيروقراطية الإدارية وغياب ثقافة المؤسسات عند أصحاب المشاريع وحتى الحكومة التي اقتصرت جهودها على الإجراءات الإدارية ولم تهتم بالهيكلة ومعالجة المسألة من منابعها.

ويرى الفينة أن “المصارف تضع كل العراقيل أمام أصحاب الشركات ولا تموّلها كما ينبغي نظرا إلى فلسفتها القائمة على الربح السهل من خلال توسيع قاعدة الودائع التي لا تكلفها الكثير.

وتستطيع نحو 5 بالمئة فقط من الشركات الحصول على تمويل يفوق 90 بالمئة من البنوك؛ وهي نسبة ضئيلة مقارنة بعدد الشركات وحاجتها الكبيرة إلى التمويل.

وفي محاولة منها لإنقاذ القطاع، قررت الحكومة إحداث صندوق خاص يسمى “صندوق دعم تمويل المبادرة المقاولاتية”، لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة ضمن مشروع الموازنة المقبلة.

ورصدت نحو 620 مليون دولار لتمويل هذه المشاريع على مدار ثلاث سنوات في إطار شراكة ثلاثية تجمع الحكومة وبنك المغرب المركزي والمجموعة المهنية للبنوك.

وكان العثماني قد أعلن في وقت سابق عن إطلاق منصة محلية لدعم الشركات ستدخل حيز العمل خلال الأشهر القليلة المقبلة لمعالجة أزمة الشركات الصغيرة والمتوسطة وتوفير الدعم والمعلومات.

ورغم هذه التحفيزات يرى محللون أن مزاج الاستثمار لدى المغربيين يغلب عليه النفور والخوف المستند إلى فشل التجارب السابقة لأصحاب الأعمال الذين انهارت شركاتهم في مدة زمنية قصيرة، مما زاد من مساعي إصلاح القطاع الذي يحتاج إلى معالجة من جذوره.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: