حل البرلمان الجزائري خطوة نحو التحرر من رموز بوتفليقة
توحي كل المؤشرات السياسية في الجزائر إلى أن حل البرلمان بغرفتيه سيكون الإفراز الأول لمرحلة ما بعد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ورغم ذلك يصر النواب على مجاراة أجندة السلطة القائمة، بتزكية مختلف مشاريع القوانين المعروضة عليه.
ويشكل حل البرلمان بغرفيته، الخطوة الأولى في أجندة أبرز المرشحين لشغل قصر المرادية غداة الانتخابات الرئاسية المقررة في الثاني عشر من ديسمبر المقبل، ومعه المجالس المحلية (البلديات والولايات)، ومع ذلك لم يتوان النواب الحاليون في التماهي مع أجندة السلطة.
ورغم وقوع الهيئة المذكورة في صدارة المطالب السياسية المرفوعة من طرف الشارع منذ شهر فبراير الماضي، إلا أن نية السلطة التي استخلفت نظام بوتفليقة، احتفظت بها بغية تمرير مشاريعها، كما احتفظت بالحكومة التي تحدت لأجلها الملايين من الجزائريين الداعين إلى رحيلها.
وكشف كل من المرشح المستقل عبدالمجيد تبون، ومرشح حزب طلائع الحريات علي بن فليس، قبيل مباشرة الحملة الانتخابية بداية من السابع عشر من الشهر الجاري، على أن الانتخابات التشريعية وبعدها المحلية ستكون في مقدمة الخطوات المتخذة في حال تتويج واحد منهما بمنصب الرئاسة.
البرلمان الجزائري صادق بالأغلبية على قانون المحروقات الجديد، لتحقق بذلك الحكومة مكسبا مهما راهنت كثيرا على تمريره قبل موعد الانتخابات
وتماهت كتل الأغلبية في الغرفتين (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، بشكل كبير مع توجهات السلطة للخروج من الأزمة، من خلال دعم الحكومة في أعقد المشروعات القانونية التي تريد تمريرها قبل موعد الانتخابات الرئاسية، وعلى رأسها قانون الموازنة العامة للعام 2020 وقانون المحروقات المثير للجدل.
ورغم أن البرلمان الحالي استطاع الوقوف في وجه حكومة بدوي، خلال رفضه رفع الحصانة النيابية على ثلاثة من نوابه، غداة تقديم وزارة العدل طلبا لرئاسة البرلمان من أجل السماح لها بمباشرة تحقيقات قضائية ضد كل من إسماعيل بن حمادي وأحمد أوراغي وعلي طالبي، إلا أن تقاليد الأوامر الفوقية لا زالت تهيمن على أداء نواب أحزاب الأغلبية الموالية للسلطة، لاسيما في ما يتعلق بالملفات الحساسة.
وأفاد نائب برلماني من حزب جبهة التحرير الوطني، رفض الكشف عن هويته، بأن الامتعاض الذي عبر عنه بعض البرلمانيين تجاه قانون المحروقات المثير للجدل، سرعان ما تم تليينه بإيحاءات تم تداولها داخل أروقة البرلمان، دون الكشف عن مصدرها، تقضي بتزكية المشروع وعدم الوقوف أمام أجندة السلطة.
وأكد في تصريحه لـ”أخبارنا الجالية ”، أن “تقاليد الممارسة النيابية في البرلمان الجزائري تعودت على مصطلح التعليمات الفوقية لمّا يتعلق الأمر بملفات حساسة، وإذا كانت قيادة الحزب هي من تقف وراء ذلك في وقت سابق، بناء على تعليمات فوقية من مصادر القرار، فإن الكثير من التعليمات الأخرى كانت مجهولة المصدر“.
واستدل المتحدث باللغط الذي أحاط بعملية الإطاحة بالرئيس السابق للغرفة الأولى (المجلس الشعبي الوطني) سعيد بوحجة، واستخلافه بالرئيس المُنحّى بدوره معاذ بوشارب.
و رغم أن العملية كانت برمتها غير شرعية وغير دستورية، فإن مصدر التعليمات بقي مجهولا، كما هو الشأن في تزكية الرئيس الحالي سليمان شنين، الذي يرأس الهيئة، رغم أنه ينحدر من كتلة نيابية لا يتعدى أعضاؤها الـ15 عضوا يمثلون تحالف النهضة والعدالة والبناء الإسلامي.
ولفت إلى أن حالة من الارتباك تسود أروقة البرلمان، فرغم إدراك الجميع أن الخطوة القادمة بعد الانتخابات الرئاسية، ستكون حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات تشريعية في الربيع القادم، إلا أن الشرعية المهزوزة لأغلبية البرلمانيين تجعلهم يخضعون لابتزازات السلطة وتقديم فروض الطاعة لها، تلافيا لأي متاعب مع المساءلة والقضاء.
كتل الأغلبية في الغرفتين (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) تماهت بشكل كبير مع توجهات السلطة للخروج من الأزمة
وكان المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) قد صادق بالأغلبية، الخميس، على قانون المحروقات الجديد، لتحقق بذلك الحكومة مكسبا مهما راهنت كثيرا على تمريره قبل موعد الانتخابات الرئاسية، وتنجز بذلك تحديا جديدا للقوى السياسية المعارضة والحراك الشعبي وحتى الخبراء والمختصين، الذين تراوحت مواقفهم بين الرفض وبين المطالبة بالإرجاء إلى غاية انتخاب الرئيس الجديد للبلاد.
ورغم إدراج تعديلات طفيفة على المشروع إلا أن القانون حافظ على مقاربته الرئيسية في إدخال إصلاحات جذرية على قطاع المحروقات، بشكل يقدم حوافز مغرية للمتعاملين الأجانب والذهاب إلى استكشاف واستغلال الغاز الصخري، حيث يتم تقديم إعفاءات جبائية وجمركية، وتمديد مهل الاستكشاف والاستغلال للنفط والغاز، في خطوة لتشجيع الشركات الأجنبية على الاستثمار في السوق الجزائرية، بشكل يوفر إمدادات للطلب الداخلي ومصادر جديدة للخزينة العمومية.
وجاء ذلك في أعقاب تمرير قانون المالية للعام الجديد، الذي استحدث ضرائب ورسوما جديدة، ووضع معالم الانسحاب التدريجي للخزينة العمومية من التحويلات الاجتماعية ودعم المواد ذات الاستهلاك الواسع.
وهما الملفان اللذان كانا يؤرقان حكومة البدوي، قياسا برفضها الشعبي وخطورتهما على الاستقرار الاجتماعي في البلاد، مما دعاها إلى الضغط على البرلمان وممارسة التهديدات غير المباشرة على النواب، من أجل تمريرهما في الوقت المناسب لها.