لبلوح ..التسمين القسري و الوعي بمخاطر السمنة يسود مناطق الصحراء اليوم

  • رغم أن تقاليدهم ترى في المرأة السمينة جاذبية أكبر وعلامة على الرقي الاجتماعي، إلا أن الجيل الجديد من المجتمعالصحراوي بات يتحرر من عادة تسمين المرأة، نظراً للانفتاح والتطور الاجتماعي الذي يعيشه هذا المجتمع بجنوبالمغرب.

الأجيال الجديدة من الشابات والشبان بدأت تتمرد على عادة تسمين النسوة المترسخة في المجتمع الصحراوي، بسبب تنامي الوعي الصحيبأضرار السمنة وتأثير الانفتاح الاعلامي والتطور التكنولوجي للمجتمع على العالم الخارجي.

يقول المثل الصحراوي واصفاً المرأة  “تگبظ من لخلاگ الِّ تگبظ من لفراش، بمعنى أن المرأة تنال من قلب الرجل بحجم ما تأخذ من الفراش،في إشارة إلى حجم جسمها كمعيار للجمال في المجتمع الصحراوي، ويكون قوام الفتاة ومظهرها الخارجي هاجساً كبيراً لدى العائلة منذ سن صغيرة، ويسود الاعتقاد في الصحراء أنّ المرأة البدينة مفخرة للعائلة ومؤهلة للزواج، أكثر من غيرها من ذوات الجسم النحيف.

تلجأ الأسر الصحراوية إلى عادة قديمة في الصحراء و موريتانيا اسمهالبلوحأوالتبلاح، وهي الإطعام القسري للبنت وفق نظام غدائيمحدد حتى تكتسب كيلوغرامات إضافية وتصبح سمينة بما يناسب مقاييس الانوثة التي يفضلها الرجال، وتشرف على علميةلبلوحسيد خبيرة تسمىالبلاحة، وتستخدم أساليب عنيفة أحياناً من خلال أداة خشبية تسمى محلياً بـأزيارذات رأسين تشد بهما أصابع الأرجل للفتاة للضغط عليها و إحداث ألم كبير في حالة رفضها تناول الطعام أو شرب حليب الإبل.

ترى السيدة محيجيبة (32 عاماً) وهي ناشطة مدنية بمدينة العيون أنأغلب النساء الصحراويات تعرضن قبل الزواج لعميلة لبلوح بطريقة أو بأخرى حسب اختلاف المناطق“.

41102403_101.jpg

لبن الأبل لتسمين الفتيات

وتدافع الناشطة عن هذا التقليد في الصحراء وترى أننحافة المرأة في المجتمع الصحراوي بمثابة عيب كبير ومدعاة للسخرية ومس بكرامة أهل الفتاة النحيفة، وتدل على الفقر و العوز وقلة ذات اليد، في حين أن السمنة علامة على الجمال  والخير والرخاء والرزانة. وكلما كانت الفتاة سمينة، زاد حظها في جذب زوج مثالي“.

وتقول محيجيبة إنأسرتها قبل الزواج كانت تساعدها على الزيادة في الوزن، وخضعت  بمحض إرادتها لنظام غدائي خاص بتناول كمياتكبيرة من الحليب وتناول الدهون والنشويات وغيرها“.

الجيل الجديد و الوعي الصحي

بالمقابل ترى الشابة جميلة السماوي (26 عاماً)، وهي طالبة  في تخصص تسيير المقاولات بمدينة كلميم، أنالنظرة الإيجابية إلى المرأةالسمينة غير مرتبط بالوعي ولا المستوى الثقافي التعليمي في المجتمع، لأن فئات كثيرة منهم مثقفون ومن ذوي الشهادات العليا،لا يزالون يحتقرون المرأة النحيفة ويفضلون عليها المرأة البدينة“.

وتضيف الشابة أنا شخصياً غير مستعدة لاستهلاك كميات كبيرة من السموم التي هي أصلاً مخصصة لتسمين الأبقار من أجل إرضاء الجنس الآخر ولسماع كلمات الثناء وتعبيرات الإعجاب. لا يوجد سبب لفعل أي شيء خارج إرادتي أنا من أجل إرضاء الآخرين“.

41102447_101.jpg

وتشرف على علميةلبلوحسيد خبيرة تسمىالبلاحة، وتستخدم أساليب عنيفة أحياناً

وزادت المتحدثةاليوم تولد لدى جيلنا وعي جديد، وأصبح الكثير من النساء يمارسن الرياضة لتخفيف الوزن، مشيرة إلى أن الرجل اليوميفضلفتاة خفيفة.. ظريفة، بمعنى رشيقة  ومرحة. وانتقدت الشابة الصحراوية ما وصفتهبالعنف الذي يمارس ضد إرادة المرأة فيالمجتمع المحلي وإرغامها على إخضاع جسمها لمعايير معينة مخالفة للطبيعة“.

تغييرات عصرية

من جهته يرى الشاب هشام الزروالي (28 عاماً) يمتهن الإعلام بمدينة أغادير، أنهلا يشترط في فتاة أحلامه أن تكون بدينة، كما هو سائدفي أعراف بعض مدن الجنوب، بل يفضل أن تكون رشيقة القوام“.

ويضيف الشاب : “الكثير من الفتيات في المجتمع الصحراوي على وجه الخصوص، يفضلن السمنة و تناولهن من أجل ذلك بعض الوصفات و الأدوية لكي يحصلن على جسم بدين لأن ذلك من تقاليد الأجداد، ونحن الجيل الجديد يجب أن نغير نظرتنا إلى المرأة، وإلى معايير جمالها، مشيراً إلى أنالزمن قد تغير كثيراً“.

41160137_101.jpg

سلمى بناني: النساء في الأقاليم الصحراوية بدأن يدركن المخاطر الصحية الكبيرة للسمنة.

أما محمد لبيهي، الباحث في التراث الصحراوي، فيرى  أنظاهرة لبلوح عادة عربية قديمة كانت متجذرة في المجتمع الصحراوي، بغرض تسمين النساء كرمز للجمال و الوجاهة و أن المرأة بنت خيمة خير وكرم ورغد“.

ويشير إلى أنهذه الظاهرة بدأت في الانحسار في العقود الأخيرة لدى الأجيال الجديدة بعد الطفرة الإعلامية والتكنولوجية الحالية،والانفتاح على القيم العالمية السائدة و عولمة الصورة المثالية لجمال المرأة“. ويرى لبيهي أنعادة لبلوح وإجبار الفتيات على زيادة الوزن قسراً، لا تزال تُمارس في بعض الأسر الصحراوية خصوصاً مع اقتراب موعد زواج البنت، وتنتشر الظاهرة عند الأسر البدوية، لكنها تشهد حالياً تراجعاً في المجتمع الصحراوي“.

ظهرت في السنوات الأخيرة مبادرات و أصوات نسائية في المناطق الجنوبية تدعو لوضع حد لمشكل السمنة لما يسببه من أضرار كبيرة على صحة المرأة. و في هذا السياق تقول سلمى بناني رئيسة الجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية، الرشاقة البدنية، الهيب هوب و الأساليب المماثلة، إنهابدأت برنامجاً رياضياً و توعوياً لمحاربة ظاهرة السمنة لدى النساء في الأقاليم الجنوبية للمملكة منذ 2009، واستفادت منه مئات النساء في مختلف المدن الجنوبية التي تشهد معدلات عالية من السمنة“.

41160153_101.jpg

سلمى بناني بدأت برنامجاً رياضياً و توعوياً لمحاربة ظاهرة السمنة لدى النساء في الأقاليم الجنوبية للمغرب

وأضافت بناني  أنالنساء في الأقاليم الصحراوية بدأن يدركن المخاطر الصحية الكبيرة للسمنة، من قبل لم يفهمن  جيداً أن السمنة هي مصدر الكثير من الأمراض التي يعانون منها“.

وترى سلمى بناني أنبرامج الجامعة تستهدف مختلف المناطق و تستعين بمتخصصين و أطباء لشرح مخاطر السمنة للنساء باللهجات المحلية، و زادت الناشطة الجامعية و الرياضية أنها لاحظتإقبالاً كبيراً من الجيل الجديد من الشابات على تغيير النظرة السابقة للسمنة و بدأت العقلية تتغير تدريجياً، واصبحن يطلبن وصفات للرشاقة ونقص الوزن ومن خلال الرياضة أيضاً“.

النساء يبحثن عن الرشاقة أسوة بالتوجه العالمي

من جهتها ترى أسماء زريول، الإخصائية في التغذية والحمية، في أنّهناك اهتماماً متزايداً في مدن الشمال المغربي بالحصول على نقص الوزن و الحصول على جسم رشيق لدى النساء، وفي المناطق الجنوبية الصحراوية درج الناس  قديماً على عادة تقتضي التعامل مع الفتاة منذ سن البلوغ وفق نظام غدائي محدد، يعتمد أساساً على تناول كميات كبيرة من حليب الإبل و لحومها للزيادة في الوزن إلى حد البدانة“.

وأشارت الخبيرة في التغذية أنزيادة الوزن عند النساء يجب أن تكون بطريقة معينة وزيادة بقدر معين و الزيادة العادية عند المرأة تكون في الجهة السفلية من جسمها والأرداف، أما الزيادة في الجزء العلوي و البطن فيسبب أمراض السكري و الكثير من المشاكل الصحية“.

41160105_101.jpg

جميلة السماوي، طالبة  في تخصص تسيير المقاولات بمدينة كلميم

العقاقير لبلوح بدلاً عن حليب الأبل

تغير نمط العيش في الصحراء و تغيرت معه وسائل ممارسة عادةلبلوح، من تناول اللبن والأطعمة الطبيعية إلى استخدام وسائل جديدة كالعقاقير المختلفة و الوصفات الطبية والأعشاب .

و ترى سلمى بناني رئيسة الجامعة الملكية للرياضات الوثيرية أنأكبر نسبة من سرطان البطن تتواجد في الأقاليم الجنوبية و خصوصاً إقليم السمارة بسبب استخدام عقاقير مصنعة و مواد خطيرة في عمليات التسمين السريع و تحتوي على كميات من مواد الكورتزون و الكورتيكويد تسبب مضاعفات خطيرة على الصحة“.

من جهته حذّر الدكتور محمد فاسي فهري منالطرق الحديثة المستعملة في المناطق الجنوبية بكثرة في تسمينالنساء ،لأن لها أثاراً صحية خطيرة على الجسم، أما الطرق التقليدية فكانت غالباً من مواد طبيعية مقبولة إلى حد ما“.

و أضاف الطبيب المتخصص في أمراض السمنة أنأضرر السمنة كثيرة تؤثر على  القلب إضافة إلى ارتفاع الضغط الدموي و تزايد ثقل الجسم على المفاصل، و تسبب أيضاً مرض السكري و اختناق شرايين القلب وغيرها“. كاشفاً أنالنساء في المناطق الجنوبية يلجأن غالباً إلى التسمين قبل الزواج ما يسبب لهن صعوبات أثناء الحمل بعد الزواج“.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: