مسيرة ضد “الإسلاموفوبيا” تثير الجدل في فرنسا

يتجدد الجدل في فرنسا كل مرة، بخصوص المواضيع ذات العلاقة مع الإسلام، لتتباين مواقف الساسة الفرنسيين منها، سلبا أو إيجابا، رغم أن دستور البلاد حسم مسألة النظام بإقراره العلمانية منذ 1905.

وكشفت الدعوة حول تنظيم مسيرة في باريس اعتبارا من ظهر الأحد ضد الخوف من الإسلام انقساما في اليسار، وأثارت انتقادات حادة من جانب اليمين القومي الذي يرى فيها تحالفا مع “الإسلاميين”.

وبدأت المسيرة التي دعت إليها شخصيات ومنظمات بينها “الحزب الجديد المناهض للرأسمالية” و”رابطة مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا”، عند الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش من محطة القطار غار دو نور باتجاه ساحة الأمة (بلاس دو لا ناسيون). وأطلقت دعوة إلى التظاهر في تولوز أيضا.

وأطلقت الدعوة إلى هذه المسيرة في الأول من نوفمبر في صحيفة “ليبراسيون” بعد أيام من هجوم استهدف مسجدا في بايونا (جنوب غرب)، تبناه ناشط يميني قومي يبلغ من العمر 84 عاما. وقد أسفر عن إصابة شخصين بجروح خطيرة.

وكتبت الصحيفة أن الرسالة المبدئية هي تأكيد “الكف عن الخوف من الإسلام” و”الوصم المتزايد” للمسلمين الذين باتوا ضحايا “تمييز” و”اعتداءات”، ويشكل “الاعتداء على مسجد بايونا (…) أحدث مظاهره”. وتأتي هذه التحركات وسط جدل تصاعد منذ مدة حول الحجاب والعلمانية، فيما تبدو الطبقة السياسية الفرنسية منقسمة حول المشاركة في هذا التجمع.

استخدام عبارة “إسلاموفوبيا” وهوية بعض موقّعي الدعوة إلى المسيرة، دفع جزءا من اليسار ومن الحزب الاشتراكي إلى الامتناع عن المشاركة

ومن جديد، تتأرجح فرنسا التي تضم أكبر عدد للمسلمين بين دول أوروبا الغربية، والذين يشكلون 7.5 بالمئة من سكانها، وتشهد صعودا لليمين القومي الذي أصبح القوة السياسية الثانية في البلاد، بين إدانة “وصم” المسلمين والاعتراض على “التطرف”.

ودفع استخدام عبارة “إسلاموفوبيا” وهوية بعض موقّعي الدعوة إلى المسيرة، جزءا من اليسار وخصوصا من الحزب الاشتراكي إلى الامتناع عن المشاركة، أو إلى الحد من دعمهم المبدئي للتحرك مثل ما فعل النائب الأوروبي المدافع عن البيئة، يانيك جادو. ومن جهتها، تعتبر زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني القومي مارين لوبان أن “كل الذين سيتوجهون إلى هذه التظاهرة سيكونون شركاء للإسلاميين، أي الذين يدفعون في بلدنا بأيديولوجيا استبدادية تهدف إلى محاربة قوانين الجمهورية الفرنسية”.

ورأى ماجد مسعودين، العضو اليساري في المجلس البلدي لضاحية باريس سان دوني وأحد الذين دعوا إلى المسيرة، أن “هناك إرادة لتخريب التظاهرة، بالتأكيد”.

وأضاف مسعودين، “نواجه تحالفا تثير طبيعته الدهشة بين الحزب الاشتراكي والتجمع الوطني وحتى الحكومة، الذين وقفوا جميعا ضد المسيرة المناهضة للعنصرية”.

وقال زعيم اليسار الراديكالي في فرنسا، “أرى أن الانطلاق من خلاف على كلمة، ينكر البعض في الواقع للمسلمين الحق بأن يدافع عنهم أشخاص غير مسلمين يريدون الحد من الأجواء الحالية المعادية لهم”.

تحركات وسط جدل متصاعد حول الحجاب والعلمانية

وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت عودة الجدل بشأن الحجاب، بسبب مشروع قانون مقدم من قبل اليمين المتطرف يهدف إلى منع ارتداء الأمهات لهذا اللباس، وهو ما أثار جدلا واسعا، حاول من خلاله التجمع الوطني اليميني أن يحرج به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ويعتبر 59 بالمئة من الفرنسيين الحجاب غير متوافق مع مجتمعهم، وفقا للجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان. وقال وزير التعليم جان ميشيل بلانكير، حديثا، إنه “غير مرغوب فيه في مجتمعنا”، وهو ما أثار ضجة كبيرة.

ويوضّح سيباستيان روشيه، مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي، أن “هناك تشددا حيال مسألة الحجاب، لأنه يمكن اعتباره هجوما على ثورتين مهمتين في تاريخ البلاد: ‘العلمانية’ في أوائل القرن العشرين، و’تحرير المرأة’ في سبعينات القرن الماضي”.

وتقول كلير دي غالمبير، عالمة الاجتماع المتخصصة في التطرف، إن تعميم انتشار الحجاب “يشكّل الرأي العام”، مستنكرة أيضا بعض وسائل الإعلام التي “تقلل من أهمية انتقاد الإسلام”.

وعاد النقاش بقوة قبل أربعة أسابيع حول الحجاب وخاصة الإسلام، بعد الهجوم على مقرّ الشرطة في باريس، حيث قتل موظف اعتنق الإسلام أربعة من زملائه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: