هل بقيت الفكرة قائمة بعد 30 عاما من سقوط جدار برلين

قبل أشهر من سقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989، تحدث عالم سياسي شاب يدعى فرانسيس فوكوياما عن “نهاية التاريخ”، لكن اليوم، يعترف فوكوياما بأن بعض التطورات خيبت آماله. وأصبح العالم في مرحلة لم يكن يتوقعها.

وفي مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس، استرق فوكوياما بعض اللحظات للتفكير في ما شهده وما يمكن أن يحدث.

● السنوات الأولى بعد سقوط الجدار: يقول فوكوياما إن عالم اليوم يشمل جيلا كاملا من الأفراد الذين لم يختبروا ظروف الحرب الباردة والشيوعية. في السنوات الأولى بعد سقوط جدار برلين، ولدت بلدان جديدة وتمّ توحيد ألمانيا. لكن الحروب والنزاعات اندلعت مجددا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وشنّت بعض الحروب الأهلية الأكثر دموية في تسعينات القرن الماضي في الكونغو وليبيريا. وعانت رواندا من إبادة جماعية أسفرت عن مقتل مئات الآلاف. وأنتجت يوغوسلافيا التي مزقتها أعمال العنف المستمرة والمذابح دولا جديدة. وأضعف التدخل العسكري الغربي في نهاية التسعينات القومية الصربية. ولم تكن روسيا الضعيفة في وضع يسمح لها بمساعدة بلغراد. لكن الاقتصاد العالمي كان قويا. ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر.

● بداية القرن الحادي والعشرين: نقل تنظيم القاعدة الإرهاب إلى مستوى لم يسبق له مثيل وامتدّ إلى جميع أنحاء العالم. ردا على ذلك، غزت الولايات المتحدة أفغانستان وأطاحت بحركة طالبان التي استضافت أسامة بن لادن أثناء تآمره ضد الغرب. بعد مرور ثمانية عشر عاما، مازلنا نرى الولايات المتحدة موجودة هناك.

استندت حرب العراق إلى معلومات استخباراتية خاطئة أفادت بأن صدام حسين، الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة عندما قاتل إيران، يمتلك أسلحة دمار شامل. وعملت واشنطن وفقا للفكرة القائلة “إما أن تكونوا معنا أو أنتم مع الإرهابيين” عند التواصل مع العالم، وهو ما خلّف نتائج عكسية في بعض البلدان وخاصة بريطانيا، أين أصبح رئيس الوزراء الأسبق توني بلير منبوذا سياسيا بسبب دعمه بوش.

كان فوكوياما نفسه داعما للمحافظين الجدد وأيّد غزو العراق، لكنه أعلن معارضته للحرب لاحقا. وأصبح يقول إن “حرب العراق هي التي قوّضت السياسة الأميركية في العالم، في حين أضعفت أزمة 2008 المالية ادعاء الولايات المتحدة التي زعمت أنها أقامت نظاما اقتصاديا دوليا متينا”. ويقول فوكوياما إن “الحدثين مهّدا الطريق لردود الفعل الشعبوية التي نراها الآن”.

فرانسيس فوكوياما: الصين تستطيع قلب النظام الدولي بثروتها وقوتها وبوتين يشعر أنه في حالة حرب مع الغرب لأنه نشأ في الحقبة السوفييتية

 ● صعود الشعبوية: يشعر فوكوياما بالفزع عند رؤية الكثير من الناخبين وهم يختارون الزعماء الشعبويين المسببين للانقسام والذين يفتقرون إلى القدرة على الحكم الديمقراطي. ويعتبر مزيج الشعبوية والقومية ديناميكية مهيمنة في العديد من البلدان، من دونالد ترامب وشعار “أميركا أولا” إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن رفض إسرائيل التخلي عن المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى القمع الهندي في إقليم كشمير المتنازع عليه وغزو تركيا الأخير لسوريا.

لكن، يرى فوكوياما أن الضوابط الراسخة في المؤسسات الديمقراطية مستمرة وأنها لن تزول بسهولة. ولا يعتبر الشعبوية الطريق إلى الحكم الرشيد والرخاء. وقال “لا يبدو شن الحروب التجارية فكرة جيدة”.

● سوريا والدولة الإسلامية وأزمة اللاجئين العالمية: بدأت الحرب الأهلية المدمرة في سوريا بانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد كجزء من الربيع العربي، لكنه قابل المحتجين بالحرب والفوضى. وتسبب الصراع السوري في معاناة هائلة: مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين وصعود تنظيم الدولة الإسلامية التي سيطرت على مساحات شاسعة من سوريا والعراق ونفذت هجمات إرهابية عبر أوروبا.

وخلّفت الأوضاع أزمة لاجئين على المستوى العالمي، إذ اضطر الملايين من المضطهدين إلى الهرب بأعداد لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ويرى فوكوياما أن هناك رابطا بين أزمة الهجرة وانتشار المشاعر المعادية للمهاجرين التي استغلها “الكثير من السياسيين الانتهازيين” الذين اعتبروها فرصة كبيرة لحشد الدعم.

● انتعاش روسيا: كانت الرحلة الممتدة من تفكك الاتحاد السوفييتي إلى روسيا القوية التي نعرفها اليوم فوضوية. وتميّزت سنوات حكم بوريس يلتسين التي انطلقت بعد الإطاحة بميخائيل غورباتشوف كآخر زعيم سوفييتي بهزيمة روسيا في حرب الشيشان الأولى.

بعد ذلك، ومع بداية الألفية الجديدة، وصل فلاديمير بوتين إلى السلطة كقوة موازية لليبرالية الغربية التي يعارضها. وأدت حرب ثانية مع الشيشان إلى مقتل الآلاف. ثم غزت روسيا جورجيا وضمت القرم من أوكرانيا.

وبدأت روسيا تتطلع إلى أبعد من ذلك، وتدخلت في الانتخابات الأميركية بطريقة يقول البعض إنها ساعدت ترامب على الوصول إلى البيت الأبيض. وفي سنة 2018، تحدث بوتين عن تطوير أسلحة نووية جديدة أقوى من تلك الموجودة في الغرب. وقال إنها تمثل ردا على واشنطن التي أعلنت انسحابها من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى التي وقعها الرئيس الأميركي رونالد ريغان والزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف سنة 1987 في فترة الحرب الباردة. ويقول فوكوياما إن بوتين “يشعر بأنه في حالة حرب مع الغرب، وذلك لأنه نشأ في الحقبة السوفييتية”.

● الصين كقوة ناشئة: أعاد صعود بكين في العقود الثلاثة الماضية رسم خارطة الجغرافيا السياسية. وجعلها نفوذها المالي، ومحاولاتها لتوسيع وجودها بمبادرة الحزام والطريق وقضايا التجارة التي لم تحل مع الولايات المتحدة تهديدا عالميا.

ويقول فوكوياما إن الصين تستطيع قلب النظام الدولي بثروتها وقوتها. ويشير إلى تحركها في “اتجاه أكثر استبدادية” منذ أن تولى شي جين بينغ السلطة مما “أدى إلى تدهور العلاقات الأميركية الصينية”. ويخشى أن تستمر هذه العداوة وإن تغيرت الإدارة الأميركية.

● من 1989 إلى 2019: يرى فوكوياما في سقوط جدار برلين مكسبا كبيرا للحرية. ويرى في تحول الدول الأوروبية التي كانت شيوعية ذات يوم إلى أقصى اليمين مفارقات تاريخية. وعلى الرغم من “المخاوف المحيطة بمستقبل دول مثل المجر وبولندا”، يعتقد فوكوياما أن وضعية الشعوب أصبحت أفضل مما كانت عليه في ظل الدكتاتورية الشيوعية.

لا يدرك العديد من معارضي الاتحاد الأوروبي أن التكتل منحهم السلام والاستقرار اللذين لم يكونا موجودين من قبل. واليوم، يتطلع فوكوياما إلى الانتفاضات الأخرى مثل الاحتجاجات في هونغ كونغ والجزائر والسودان، ويقول إنه يحلم بلحظة جديدة يواجه فيها التاريخ مفترق طرق آخر.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: