الجزائر تنزلق في منحدر تآكل احتياطاتها النقدية
تعكس أحدث المؤشرات حول تسارع تبخر احتياطات الجزائر من العملة الصعبة حجم التحديات أمام السلطات خاصة بعد المحاولات اليائسة من الحكومات السابقة لمعالجة الاختلال في التوازنات المالية منذ تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية في منتصف 2014.
تكشف تصريحات المسؤولين الجزائريين أن اقتصاد البلاد يواصل الانزلاق إلى قاع حفرة يصعب التكهن بمدى عمقها، مع استمرار الأزمات الخانقة التي تحاصر كافة الأنشطة التجارية والمصرفية والاستثمارية.
وفاقم وزير المالية محمد لوكال المخاوف من انجرار البلاد إلى مستوى خطير من الأزمة مع توقع تسجيل مستويات صادمة من الاحتياطات النقدية بنهاية العام المقبل.
ورجح لوكال خلال جلسة في البرلمان لمناقشة موازنة 2020 استمرار تراجع احتياطات بلاده من النقد الأجنبي حتى نهاية العام المقبل.
وقال إن “الأوضاع الاقتصادية الصعبة للبلاد ستزيد من تناقص احتياطاتها من النقد الأجنبي العام المقبل إلى مستوى 51.6 مليار دولار، أي ما يعادل 12.4 شهر من الواردات من غير عوامل الإنتاج”.
وكانت احتياطات البلاد من العملات الأجنبية تبلغ حوالي 197 مليار دولار قبل تفجر أزمة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية في منتصف 2014. وتمثل عائدات النفط أكثر من تسعين بالمئة من مداخيل الجزائر من النقد الأجنبي، وحوالي ستين بالمئة من الموازنة العامة للبلاد.
ويقول محللون إن فقدان الجزائر لجزء كبير من احتياطاتها النقدية يعكس فشل السياسات المالية المتبعة طيلة السنوات الأخيرة، والتي تسببت في أزمة اقتصادية كبيرة نتيجة الاعتماد المفرط على عوائد صادرات النفط والغاز.
ووفق البيانات الرسمية، بلغ الاحتياطي الأجنبي للجزائر نحو 79.8 مليار دولار خلال فبراير العام الماضي، مقابل حوالي 97.33 مليار دولار بنهاية عام 2017.
وتلقي المؤشرات الحكومية بظلال قاتمة على الموازنة الجديدة البالغ حجمها 118.6 مليار دولار، والتي من المتوقع أن تسجل عجزا بنحو سبعة بالمئة أي ما يعادل 12 مليار دولار.
وتواجه الجزائر تحديا كبيرا لتعبئة التمويلات الضرورية خاصة بعد وقف طباعة النقود بصيغة التمويل غير التقليدي بعد ضخ نحو 56 مليار دولار في الاقتصاد خلال العامين الأخيرين.
وقال لوكال إن “الموازنة ستفتح المجال مرة أخرى للتداين الخارجي إذا اقتضت الضرورة وفق شروط” لم يذكرها.
وتؤكد معظم المؤشرات في وثيقة الموازنة الجديدة أن السلطات تنوي اتخاذ سياسات أكثر تقشفا في موازنة العام المقبل لردم الفجوة الكبيرة المتوقعة في العجز.
ويساور مراقبين قلق بالغ من أن مسألة توظيف رسوم إضافية على السلع والخدمات قد تعمق الأزمة بشكل أكبر، وتزيد من موجة الاحتجاجات، في ظل شلل محركات النمو أصلا، فضلا عن ارتباك السياسات الحكومية.
وأعفى مشروع القانون الوقود والطاقة من أي زيادات، بينما أقرّت ضريبة على الثروة لأول مرة، وعلى الممتلكات العقارية والأرصدة المالية.
وكانت الجزائر قد لجأت إلى الصين خلال السنوات الأخيرة لتمويل مشاريع تتعلق بالبنية التحتية بسبب أزمتها المالية الخانقة بعد تراجع عائدات صادرات الطاقة، والشلل الاقتصادي.
وفي مسعى لإعطاء نفس لقطاع الاستثمار، سيلغي مشروع قانون الموازنة رسميا قواعد الشراكة مع الأجانب، التي كانت تتبعها البلاد منذ 2009 حيث كانت تقضي بامتلاك الطرف الجزائري النسبة الأكبر من المشاريع.
وقدرت الحكومة في الموازنة الجديدة سعرا مرجعيا لبرميل النفط عند نحو 50 دولارا، وسعر السوق للبرميل عند نحو 60 دولارا حتى 2022، وسعر الصرف بحوالي 123 دينارا جزائريا مقابل الدولار في العام المقبل.
وتتوقع السلطات ارتفاع إيرادات صادرات المحروقات العام المقبل بنحو 2 بالمئة على أساس سنوي، لتصل إلى 35.2 مليار دولار، بفضل ارتفاع مستوى الصادرات.
أما الواردات فيرجح مشروع القانون انخفاضها بحوالي 13.3 بالمئة على أساس سنوي إلى نحو 38.6 مليار دولار.
وتوقع المشروع أن يتراجع عجز رصيد ميزان المدفوعات السنة القادمة إلى نحو 8.5 مليار دولار العام المقبل، مقارنة بنحو 16.6 مليار دولار يتوقع تسجيلها بنهاية العام الجاري.
وينص مشروع القانون على السماح للمواطنين باستيراد سيارات سياحية مستعملة تعمل بمحركات البنزين لا يتعدى عمرها ثلاث سنوات، ضمن خطط احترام قواعد البيئة، وذلك بالاعتماد على مواردهم الخاصة.
وتمر الجزائر بأزمة اقتصادية حادة بسبب تراجع أسعار النفط، وهو ما اضطرها إلى اتخاذ إجراءات تقشفية في موازنة العام الماضي، وذلك للمرة الأولى منذ 15 عاما لسد الفجوة الكبيرة في التمويل.
وتحت ضغط الأزمة النفطية وتهاوي عائدات النقد الأجنبي، لجأت الجزائر إلى نظام الرخص المسبقة لتنظيم وكبح فاتورة الواردات، التي شملت السيارات ومواد البناء ثم لحقت بها الحمضيات والفواكه الاستوائية.
ولطالما أكد خبراء المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي أن الجزائر كانت أمامها فرص عديدة لتغيير نموذجها الاقتصادي طيلة السنوات الماضية، وأشاروا إلى الاحتياطي الذي تراكم خلال سنوات وغطى على المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد.
ويحتاج قانون الموازنة إلى تزكية ثلثي أعضاء الغرفة الأولى للبرلمان، البالغ عددهم 462 نائبا، قبل إحالته إلى مجلس الأمة للمصادقة النهائية عليه.