“ولد الهجالة”.. عندما يُعيّر الابن بموت والده

لا يوجد ما يثير الاستياء أو اللوم على زوجة توفي زوجها وتركها أرملة وربما لديها ابن أو أكثر تربيه، كما لا يوجد أي ذنب يمكن اعتبار أن الطفل يتيم الأب قد اقترفه لمجرد أن والده توفي. هذا الطبيعي، لكن عندما ينعت أبناء الأرامل باللهجة العامية المغربية بـ”أولاد الهجالة” بما في الكلمة من معان سيئة لا تنم عن الاحترام أو حتى اللاتصنيف فإن المسألة تخرج عن الجانب الطبيعي.

ولد الهجالة نعت غير بريء يقوم على التمييز ضد المنعوت. صفة تضمر التحقير الذي لا يقف عند أبناء الأرامل فحسب بل يصل لإهانة أمهاتهم وكأن الكل يعيّر الابن بعد وفاة والده بأمه. وبحسب لغويين عبارة “هجالة” صفة مستخدمة في اللهجات العامية بدول المغرب العربي ولديها أصول أمازيغية وتطلق في بعض هذه الدول على المطلقة والأرملة لكنها في المغرب تطلق فقط على الأرملة بأبناء أو من دون أبناء.

الأرملة لا تحسن تربية أبنائها في مضمر الوعي العام، أو الأرملة امرأة يسهل الوصول إليها والزواج بها على اعتبار أنها لا تشترط عند طلب الزواج منها مثل الفتاة البكر أو مثل الفتيات اللاتي لم يسبق لهن الزواج سواء كان لها أبناء أم لا. وفي حال ترفض الأرملة خاصة التي لديها أبناء الزواج أو الخروج من بيت الزوج فإنه عليها أن تلعب دوري الأم والأب مع أبنائها وقد تضطر للعمل أو لتعويض زوجها إذا كان صاحب محل أو حرفة أو غيرها وحينها يمكن أن تشبه الرجل لكونها تتحمل العديد من المسؤوليات التي فرضها عليها غياب الزوج وقد تهمل نفسها ومظهرها وخصوصا العناية بجمالها وأنوثتها.

الأرملة التي يكون لديها أبناء ليست لديها خيارات كثيرة في حياتها الأسرية والاجتماعية؛ فهي إما ترجع إلى بيت عائلتها بعد وفاة الزوج وتعيش مع أفراد عائلتها تحت سقف بيت العائلة وتحت سقف طلباتهم وسلطتهم وانتظاراتهم منها ومن أبنائها، أو تختار الاستقلالية وتعيش لنفسها ولأبنائها وتقرر وحدها ما يناسبها ويناسبهم.

لعل السلبية التي تطغى على لفظ “هجالة” تجد بعضا من وجوهها في مصير المرأة بعد وفاة الزوج، ولكن ما يلحقه المجتمع المغربي بوصف أبنائها بأولاد الهجالة ينبع من تصور راسخ، كما العديد من الأفكار والأحكام المسبقة والتي أغلبها تكون مسقطة من تجارب وصور سلبية عالقة في الأذهان، والذي يتمثل في أن الأرامل لا يحسنّ التربية، تصور يرتكز بدوره على فرضيات مثل أنهن وحيدات وبلا سند وبلا رجل يحكمهن أو يوجّههنّ وبالتالي يخطئن في التفاعل مع محيطهن الاجتماعي ومع الأبناء، أو فرضية أنهن يسرفن في تدليل الأبناء ويبالغن في الحنو عليهم من دون وعي لكونهن يسعين لتعويضهم عن عواطف الأب فيكونون رجالا وبناتا غير متزني الشخصية عندما يكبرون.

ولد الهجالة نعت يقوم على التمييز ضد المنعوت. صفة تضمر التحقير لأبناء الأرامل والإهانة لأمهاتهم وكأننا نعيّر الابن بوفاة والده

الثابت أن الكثير من العيوب تلصق في تربية الأرملة لأولادها تحط من قدراتها وتحط من قيمتها كامرأة يمكن أن تشق طريقها من دون زوج وتتحمل مسؤوليات وأدوار الوالدين معا، وتبخس أنوثتها كما تحقّر مما تبذله من جهود وما تقدمه لأسرتها.

هل اليُتم عار؟ وهل الترمل عيب؟ كيف لمجتمع يتبجح بثقافته وحضارته أن يحافظ ويحفظ مثل هذه الصفة على مر الأجيال؟ هل يفكر من يصف بعبارة “ولد الهجالة” ابن الأرملة بأنه في حقيقة الأمر يعيب فيه وعليه اليتم، وأنه يحط من قيمة امرأة توفي زوجها وترك لها أبناء تسهر على تربيتهم؟ ثم من أثبت وأكد أن تربية الأرامل لا تصلح وغير متزنة؟

تحقق الأمهات الأرامل الكثير من النجاحات في تربية أبنائهن بل لعل الوضع الأسري الاستثنائي وغياب الزوج والأب يجعلا الأم وأولادها أكثر تعلقا ببعضهم البعض وأكثر عزما على النجاح في كسب موقعهم في المجتمع سعيا لتجاوز العراقيل الاجتماعية وتلك النظرات الدونية والتي كرسها التمييز ضدهم، ما يجعلهم في أغلب الحالات يستهدفون إثبات أنهم لا يحتاجون للشفقة مثلما لا يرغبون في أن يتردد على الألسن بأنهم فاشلون وتربيتهم سيئة لأنهم تربية هجالة.

اليوم ورغم تغير العديد من المفاهيم التي تتعلق بالمرأة في المجتمع المغربي والتقدم نحو المزيد من تقدير المرأة المستقلة عن الرجل في كل المجالات لا سيما منها الأسري والاجتماعي، مازال ابن الأرملة يعيّر بولد الهجالة أو هذه تربية هجالة، كلما أتيحت الفرصة لذلك وفي المشاجرات وعند ارتكابه لخطأ بسيط.

وفي المقابل باتت الأرملة أكثر قدرة على الاستقلال بحياتها وبأسرتها بعد أن تقدمت المغربيات  أشواطا في مجال حقوق التعليم والعمل ولدينا في محيطنا الكثير من الأرامل اللاتي يضرب بهن المثل في تحقيق الأفضل لأنفسهن ولأبنائهن واللاتي يفتخرن بتجاربهن كأمهات مثابرات كتبن بقوة الأمومة قصص التميز لأبنائهن واللاتي يروي أبناؤهن مسيرات نجاحهم معا باعتزاز ودون شعور بالنقص أو وضع اعتبار لبعض ما يسلطه عليهن المجتمع من صفات وأحكام.

علاقة أبناء الأرامل بأمهاتهم استثنائية، وتعلّقهم الشديد بهن يجعل علاقاتهم بالنساء استثنائية بدورها ونظرتهم للمرأة مختلفة، وهو ما لاحظته في كثيرين منهم. وكأن تجربتهم مع أم أرملة تكسبهم مناعة ضد كل ما يمسّ الأم بسوء ومن خلالها المرأة عموما، قداسة الأم تطغى عند غالبيتهم وتكسبهم مناعة فريدة من نوعها ضد كل ما يحبط طموحات أمهاتهم فيهم. إنهم استثنائيون.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: