السلطة الجزائرية تسعى لطيّ ملف المحروقات قبل انتخاب رئيس جديد
استعجلت السلطة الجزائرية تمرير قانون المحروقات المثير للجدل ومررته إلى البرلمان لمناقشته قبل انتخاب رئيس جديد وسط اعتراض أحزاب المعارضة ونشطاء الحراك الشعبي على بنوده واعتبارها تفريطا في ثروات البلاد للشركات الأجنبية.
انطلقت مناقشات قانون المحروقات الجديد في جلسات البرلمان الجزائري، وسط معارضة شديدة من طرف نواب الكتل النيابية المعارضة وقوى الحراك الشعبي، بسبب تزامنه مع الأوضاع السياسية المضطربة في البلاد، وهشاشة المؤسسات الرسمية القائمة، قياسا بما ينطوي عليه من مجازفة بمصدر الدخل الأول للخزينة العمومية.
واستغرب الخبير الاقتصادي شمس الدين شيتور، تسريع السلطات الجزائرية في طي ملف قانون المحروقات الجديد في أقرب الآجال، وحتى قبل بروز معالم أول مؤسسة شرعية تفرزها الانتخابات الرئاسية المقررة في الـ12 دجنبر القادم.
وشدد في اتصال مع “أخبارنا الجالية ”، على أن أهمية وحساسية الملف تستوجب التحضير لأجواء مستقرة ومناخ يتسم بالحوار، لأن هذا القانون يتعلق بوضع استراتيجية حقيقية لملف الطاقة في البلاد معتبرا أن الذهاب إلى منح تحفيزات مغرية للشركات الأجنبية لضمان كميات جديدة وتوفير مداخيل مالية أكثر يؤكد تمسك السلطة بسياسة الريع النفطي.
وشرع نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، الثلاثاء في مناقشة مشروع قانون المحروقات، وسط لغط كبير بسبب المعارضة التي يبديها الشارع تجاه الخطوة التي تنوي الحكومة التخلص منها في أقرب الآجال رغم الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد، منذ حوالي عام كامل.
واعتبر الخبير الاقتصادي “أن استعجال الحكومة طيّ ملف القانون في أقرب الآجال، وحتى قبل موعد الاستحقاق الرئاسي، طبيعي أن يثير الشكوك والانتقادات، لأن السير نحو تطبيق مضمون القانون في ظل غياب استراتيجية شاملة للقطاع وللاقتصاد الوطني يثير المخاوف حول استنزاف مقدرات البلاد وما يترتب عنه من ارتدادات على الاستقرار السياسي والاجتماعي”.
وتراهن الحكومة على الأغلبية النيابية للأحزاب الموالية للسلطة، لتمرير القانون الجديد، على غرار جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، الجبهة الشعبية الجزائرية، وتجمع أمل الجزائر، وهي القوى الحزبية التي كانت تشكل التحالف الداعم للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ويتواجد قادتها في سجن الحرّاش بالعاصمة، في إطار ما بات يعرف بـ”الحرب على الفساد”.
بالموازاة مع ذلك، شرع نواب من الكتل المعارضة، في الاحتجاج داخل بهو البرلمان، للتنديد بما وصفته بعض الشعارات المرفوعة، بـ”المغامرة الخطيرة التي تقوم بها السلطة، لرهن مستقبل الأجيال وثروات البلاد، حتى قبل العودة إلى المسار الانتخابي”.
واستغرب نواب من حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، إصرار الحكومة على الدفع بالقانون إلى التجسيد، رغم عدم شرعيتها وطابعها المؤقت، ورفضها من طرف الشارع الجزائري، وعدم احترام إرادة الجزائريين في إرجاء الموقف إلى غاية عودة الأجواء العادية للبلاد. وكان النائب البرلماني عن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، عبدالوهاب بن زعيم، قد دعا إلى “فتح نقاش حقيقي حول الملف وتأجيل طرحه إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية القادمة، في ظل اللغط السائد وهشاشة المؤسسات القائمة”، وهو ما يوحي إلى أن مسار المشروع لن يكون سهلا، بسبب تردد بعض نواب الأغلبية، إلا إذا تدخلت الأوامر الفوقية التي حسمت الأمر في الكثير من الملفات.
ولاحظ متابعون للشأن الجزائري، بأن إقدام السلطة الحالية على البت في العديد من الملفات، التي لا تدخل في صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، يستهدف تقييد الرئيس القادم والحد من هامش صلاحياته، ليبقى رهين إرادة الفاعلين الحاليين، الذين يريدون التواري عن الأنظار في أقرب الآجال، والعودة إلى تسيير شؤون البلاد من خلف الستار، كما دأبت عليه تقاليد السلطة في البلاد منذ عقود ماضية.
وفي خطوة لتبرير الموقف والرد على انتقادات المعارضة، أكد وزير الطاقة محمد عرقاب، أن القانون يستهدف إنهاء العزلة النفطية التي دخلتها البلاد بسبب القانون الجاري، والذهاب إلى تفعيل الاستثمارات الطاقوية، بما يكفل تأمين مصادر ومداخيل جديدة للبلاد.
ورغم اعترافه بأن بلاده استهلكت ما يناهز 60 بالمئة من إمكانياتها الطاقية، إلا أن خطاب الحكومة يكرس سياسة الاعتماد على الريع النفطي بدل خلق وتنويع مصادر الدخل القومي من القطاعات الأخرى.
وأوضح في مداخلته أمام نواب البرلمان، بأن “استكشاف احتياطات بترولية وغازية جديدة، أصبح ضرورة ملحة ومستعجلة بالنسبة للجزائر، وهو ما يتطلب إطارا قانونيا ملائما”، في إشارة للقانون الجديد، ولثورة الغاز الصخري المثيرة للجدل بسبب مخاطرها الصحية والبيئية.
وذكر محمد عرقاب “أن المشروع الجديد يرمي إلى العودة للمكانة الدولية المرموقة، التي عرفتها الجزائر في سوق الطاقة العالمية خلال التسعينات، بفضل المزايا التي كان يمنحها قانون المحروقات لسنة 1986 لسوناطراك وشركائها”.
وأضاف “إن تراجع نشاط الاستكشاف النفطي في البلاد، في ظل عدم قدرة سوناطراك على تحمل الأعباء الضخمة لهذا النشاط، وفي الوقت الذي يعرف فيه الطلب الداخلي على الطاقة ارتفاعا غير مسبوق، وتعرف فيه السوق الأوروبية منافسة شرسة يفرضها كبار المنتجين، وأن الجزائر قد استنفدت حوالي 60 بالمئة من احتياطاتها التقليدية الأولية من المحروقات”.
وأردف “من أجل مواجهة هذه الوضعية الحرجة، والتي قد تعرض الجزائر لأزمة طاقية في حدود 2025-2030، بفعل اختلال كبير بين العرض والطلب، جاء مشروع قانون المحروقات الجديد بإجراءات قانونية ومؤسساتية وجبائية جديدة تهدف لضمان الانفتاح على الشراكة الأجنبية التي تجلب معها الإمكانيات المالية والتكنولوجية وآليات تقوية وتعزيز شركة سوناطراك”.
وكانت الاحتجاجات الأسبوعية لطلبة الجامعات في الثلاثاء السابع والثلاثين، قد عبرت في مسيرات العاصمة وبعض مدن ومحافظات البلاد، عن رفضها للقانون وردّدت شعارات مناوئة أمام مبنى البرلمان، واتهمت السلطة في شعاراتها بـ”بيع البلاد”.