العاهل المغربي يعيد ضبط إيقاع نشاط المصارف في الاقتصاد

أعطت تحركات العاهل المغربي الملك محمد السادس لضبط إيقاع نشاط المصارف المحلية وتعزيز دورها في الاقتصاد من بوابة دعم المشاريع الناشئة وتحفيز رواد الأعمال، انطلاقة جديدة تهدف إلى تعزيز متانة النظام المالي ضمن برامج متوازنة تشمل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء البلاد.

سلط انتقاد العاهل المغربي الملك محمد السادس للبنوك العاملة بالبلاد الضوء على القطاع الذي يحقق أرباحا يصفها مراقبون بالمرتفعة، ويغلق الباب أمام تمويل مشاريع الشباب.

وقال الملك محمد السادس خلال خطاب ألقاه أمام أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة الشهر الماضي إن “القطاع البنكي لا يزال يعطي أحيانا، انطباعا سلبيا، لعدد من الفئات، وكأنه يبحث فقط عن الربح السريع والمضمون”.

ولفت حينها إلى “صعوبة حصول أصحاب المشاريع من الشباب على القروض، وضعف مواكبة الخريجين من الجامعات والمعاهد، وإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة”.

ووفق بيانات بنك المغرب المركزي، ينشط في القطاع 24 مصرفا محليا ووافدا من بينها 5 بنوك إسلامية، لديها أكثر من ستة آلاف فرع بالبلاد و45 فرعا في الخارج، إضافة إلى مؤسسات قروض أخرى مثل جمعيات القروض الصغيرة ومؤسسات تحويل الأموال.

وبلغ إجمالي القروض المصرفية الممنوحة بنهاية العام الماضي، نحو 90 مليار دولار، منها 35 مليار دولار للمشاريع الخاصة و4.1 مليار دولار ممنوحة لأصحاب المشاريع الصغيرة.

وتشكل مسألة تغييب البنوك المحلية الشباب في خطط تمويل مشاريعها إحدى نقاط الاستفهام التي لطالما أثارت الجدل في الأوساط الاقتصادية المغربية.

ويؤكد الخبير الاقتصادي الطيب أعيس أن البنوك في بلاده تعتمد على تقليل نسبة المخاطر إلى أقصى حد ممكن.

الطيب أعيس: البنوك تعتمد على تقليل نسبة المخاطر إلى أقصى حد ممكن

ونسبت وكالة الأناضول لأعيس قوله إن “البنوك تطلب ضمانات كبيرة من أجل تقديم قروض، مثل الرهن على الأرض أو المنزل، وبالتالي فإن الأغنياء هم الذين يستفيدون من القروض”.

وأضاف “في المقابل الشباب الذين لديهم أفكار مشاريع، لا يستفيدون من القروض، ومستثنون من الاستفادة من التمويل”.

وانتقد تغييب البنوك في بلاده لدورها الاجتماعي، رغم أن القانون يمنح المؤسسات البنكية الاحتكار في مجال الإقراض وجمع الأموال، ولكن بالمقابل الأرباح الكبيرة التي تجنيها، لا تساهم بشكل كبير في تمويل الاقتصاد.

ولفت إلى أنه أمام هذا الوضع، جاء الخطاب الملكي، وطالب بشكل مباشر بتغيير عقلية كبار المسؤولين في البنوك المحلية بخصوص التعامل مع رواد الأعمال.

وقال العاهل المغربي إنه “من الصعب تغيير بعض العقليات البنكية”، داعيا إلى “ضرورة تغيير العقليات الإدارية، ووضع حد لبعض التصرفات التي تعيق التنمية والاستثمار”.

ويرى الكثير من المتابعين للشأن المغربي أنه من غير المعقول ألا يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي 3 بالمئة، في الوقت الذي تفوق نسبة نمو البنوك 30 بالمئة.

وفي محاولة لتعزيز دور القطاع المصرفي في الاقتصاد المغربي، شرعت الحكومة في وضع لبنات جديدة أكثر انفتاحا حتى يستفيد الجميع دون حصول أضرار محتملة.

وقررت الحكومة وبعد خطاب العاهل المغربي تأسيس صندوق لدعم تمويل المشروعات الصغيرة والشباب من رواد الأعمال من أجل تسهيل الحصول على التمويلات البنكية.

ورصدت الحكومة ملياري درهم (207 ملايين دولار)، لفتح حساب خاص في صندوق دعم تمويل المبادرة المقاولاتية، وهو صندوق مالي تابع للدولة، من أجل ضمان قروض الشركات الصغيرة والشباب من أصحاب المشاريع.

ودعا عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، البنوك إلى دعم مشاريع الشباب.

وفي حديث مع الأناضول، قال الكتاني “البنوك تحقق أرباحا كبيرة من خلال الدعم الذي توفره الدولة، إلا أنه يبدو أن العقلية الربحية طغت”.

وأوضح أن البنوك لم تلعب دورها المطلوب في دعم الشباب، بما يتماشى وسياسة الإصلاح المتبعة حاليا، خصوصا أنها تملك الإمكانيات المالية لذلك.

وطالب البنوك بمنح قروض الإنتاج، خصوصا للشباب بدل الاقتصار على قروض الاستهلاك التي تثقل كاهل الأسر.

وحسب التقرير السنوي للبنك المركزي، فإن وتيرة نمو القروض البنكية سجلت خلال العام الماضي، شبه استقرار في النمو بنسبة بلغت حوالي 3.2 بالمئة.

90 مليار دولار حجم القروض التي منحها 24 بنكا يعمل في المغرب خلال 2018، وفق المركزي

في المقابل، تباطأ نمو القروض المقدمة للشركات الخاصة بقوة، إذ انتقل من 3 بالمئة إلى 0.5 بالمئة، بينما نمت القروض المقدمة لشركات التطوير العقاري بنسبة 6.4 بالمئة مقارنة مع 10.4 بالمئة خلال العام الماضي.

وتشير التقديرات الرسمية إلى استقرار نسبة الديون المتعثرة للسنة الثانية على التوالي عند حوالي 7.5 بالمئة.

وكانت الحكومة قد كشفت مطلع فبراير الماضي عن استراتيجية جديدة تحدد معالم التحول المستقبلي للنظام المالي في إطار سياسات الإصلاح التي تنفذها بهدف تحسين مناخ الأعمال وتعزيز مؤشرات النمو على أسس مستدامة.

وعرض وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون في اجتماع مجلس الوزراء حينها تفاصل مشروع الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي، مؤكدا دورها في تعبئة الموارد وتمويل الأنشطة الاقتصادية المختلفة.

وأوضح أن الحكومة حريصة على إيجاد بيئة مواتية لتطوير التكنولوجيا المالية تشمل مناخ أعمال بمعايير عالمية لاستقطاب المزيد من الاستثمارات، والملاءمة المستمرة للإطار القانوني والتنظيمي لإزالة كافة العراقيل.

وتضافرت جهود كل من وزارة الاقتصاد والمالية والبنك المركزي لوضع الاستراتيجية عبر مقاربة تشاركية تهدف إلى تنسيق الإجراءات وتحديد الأولويات والأدوار والمسؤوليات لمختلف المتدخلين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: