السلطة الجزائرية تفشل في تحويل الأزمة إلى صراع بين العرب والأمازيغ
لم تعرف علاقة السلطة بالمكون الأمازيغي في الجزائر توترا كالذي يسود البلاد خلال الأشهر الأخيرة، حيث صعدت الكتائب الإلكترونية الموالية لها من وتيرة الشيطنة واتهامات الخيانة والعمالة لكل ما هو أمازيغي لاعتقادها الراسخ بأن هؤلاء هم محرك أساسي في موجة الحراك الشعبي المشتعل رغم أن الانتفاضة السلمية ضد النظام تجاوزت بكثير الاعتبارات الإثنية والثقافية والأيديولوجية.
وجدد وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي خطاب السلطة القائمة، حول مخاوفها مما تقوم به أقليات دينية وأيديولوجية في البلاد، لركوب موجة الاحتجاجات السياسية وتوجيهها لصالح مقاربات لا تحترم رأي وإرادة الأغلبية الشعبية والسياسية.
وكانت رسائل يوسف بلمهدي، في كلمة ألقاها في نشاط رسمي للحكومة مؤخرا، موجهة لتيار سياسي معين معارض للسلطة، محذرا إياه من استغلال مسألة غلق وحظر الحكومة لنشاط الكنائس ودور العبادة المسيحية غير المرخصة، أو التضييق على حمل رايات الهوية الأمازيغية، في الترويج لمقاربة قمع السلطة لأقلية ثقافية ودينية في البلاد.
وتماهى خطاب وزير الشؤون الدينية مع الحملة الدعائية الضخمة التي تشنها كتائب إلكترونية ضخمة، أظهرت عداء غير مسبوق للمكون الأمازيغي، ووقوفا مستميتا مع خيارات السلطة القائمة، دون أن تعير أهمية لارتدادات خطابها على وحدة واستقرار المجتمع، لاسيما وأنها تعتبر أن الأزمة التي تعيشها البلاد تعود لهيمنة هؤلاء على مفاصل
الدولة، ولا تتوانى في الدعوة إلى تطهير البلاد منهم. ويقضي عشرات الشبان من حاملي الرايات الأمازيغية في المسيرات الشعبية عقوبات السجن النافذ والسجن المؤقت، رغم أن القوانين في البلاد لا تجرم الفعل، وأن سلوك السلطة جاء تلبية لرغبة الرجل القوي في السلطة وفي المؤسسة العسكرية الجنرال أحمد قايد صالح في “عدم رؤية أي راية في المسيرات إلا الراية الرسمية”.
النظام السياسي القائم فشل في تحويل الاضطرابات السياسية السائدة إلى صراع بين أنصار الهوية والثوابت الوطنية وبين دعاة الانفصال والعلمانية رغم تسخيره لإمكانيات دعائية ضخمة
وذكرت تنسيقية الدفاع عن سجناء الرأي أن “أكثر من مئتي موقوف يتواجدون في السجون منذ حظر رفع الراية الأمازيغية، وأنه باستثناء الناشطين والمعارضين السياسيين، فإن أغلبية هؤلاء تم اعتقالهم من طرف قوات الأمن بسبب وحيد هو رفع راية الهوية الأمازيغية”.
واجتهدت السلطة بكل الوسائل المتاحة لديها، بداية من تهديدات قائد أركان الجيش إلى غاية قوات الأمن والدعاية الإلكترونية، في إعطاء انطباع للرأي العام بأن الوضع في البلاد لم يعد مجرد احتجاجات شعبية ضد السلطة فقط، وإنما تعداه إلى أجندات سياسية وأيديولوجية تنفذها أقلية من منطقة القبائل لفرض توجهاتها على الدولة.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن العلاقة المتوترة بين الأمازيغ والسلطة منذ عقود، خرجت بعد الحراك الشعبي من بعدها الجهوي، لإدراك أصحابها أن الصراع القائم ليس بين مكون جهوي معزول وحكومة، وإنما بين مجتمع وبين نظام سياسي، وأن التغيير نحو دولة الحريات والديمقراطية التي تحترم جميع التيارات، لا يأتي إلا بمساهمة جميع الفعاليات في الانتفاضة السلمية.
ويعتقد المؤرخ والباحث محمد أرزقي فراد أن “النظام الأحادي يخشى الحرية والتعددية، لأن الأمر يكشف مناوراته التي دأب من خلالها على توهم صراع بين مكونات المجتمع الجزائري (العرب والأمازيغ)، والترويج لمخاوف الانفصال والعمالة، بينما في الواقع هو من يكرس تلك المخاوف بممارساته الممقوتة”.
وفشل النظام السياسي القائم لأول مرة في تحويل الاضطرابات السياسية السائدة إلى صراع بين أنصار الهوية والثوابت الوطنية وبين دعاة الانفصال والعلمانية والولاء الأيديولوجي للغرب، رغم تسخيره لإمكانيات دعائية ضخمة على شبكات التواصل الاجتماعي، أمام قناعات ترسخت لدى الشارع الجزائري بأن الأزمة ليست بين مكونات ثقافية وأيديولوجية واجتماعية، وإنما بين مجتمع يطمح للحرية ولدولة القانون وبين سلطة متمسكة بمواقعها.
وأحبط التضامن الشعبي الذي ظهر في مختلف المسيرات الأسبوعية، خاصة بين العرب والأمازيغ، والتنديد بمناورات ما وصف بـ”صناعة الفتن والتفكيك الاجتماعي”، محاولات إلحاق منطقة القبائل بالطابور الخامس المعادي لمصالح ووحدة الدولة، خاصة في ظل الاعتقاد السائد بأن مشروع الدولة التي ينشدها الحراك الشعبي يعمل على تكريس الحرية والتعددية داخل المجتمع الواحد.