الحكومة المغربية تبدد آمالا بإعادة النظر في تجريم الإجهاض

أكد رئيس الحكومة المغربي، سعدالدين العثماني، أن موقف المغرب من إباحة الإجهاض حُسم بشكل نهائي، في رد على مشروع قانون جنائي أرسله المجلس الوطني لحقوق الإنسان، للبرلمان حول السماح للسيدة الحامل بوضع حد لحملها، إذا شكل تهديدا لصحتها الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية، لمكافحة الإجهاض السري، على ألا تتعدى مدة حملها ثلاثة أشهر.

لفت رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني، في لقاء حزبي، السبت، إلى أن موقف المغرب من الإجهاض تم الحسم فيه نهائيا، قائلا “كان هناك حوار وطني حول موضوع الإجهاض قبل أربع سنوات ونصف السنة. وأقر الملك محمد السادس توصيات لجنة خاصة أشرفت على الحوار أُدرجت في مشروع القانون الجنائي”، مضيفا “موقفنا واضح من الأمور التي تتجاوز حدود الثوابت الوطنية، سنثبت على كل ما يهم المرجعية الإسلامية”.

وأوضح العثماني أن “البعض يحاول أن يعيد النقاش حول الإجهاض إلى بدايته، وهذا ليس إيجابيا، لا يجب أن نتحلل مما اتفقنا عليه، ولن نسمح بذلك، ومن الصعب أن نعود بالنقاش إلى الوراء بعد تحقيق التوافق”.

وشكلت قضية الصحافية هاجر الريسوني (28 عامًا)، التي صدر بحقها حكم قضائي بالسجن لمدة سنة؛ لإدانتها الإجهاض وإقامة علاقة خارج أطر الزواج، دافعا جديدا للمطالبين بإلغاء تجريم الإجهاض نهائيا، على حساب الرافضين له، وبعد أسبوعين على قرار محكمة الرباط بإدانة الريسوني أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس، عفوا ملكيا في حقها.

وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي)، قد دعا الجمعة في تقرير أرسله للبرلمان حول مشروع القانوني الجنائي، إلى التمييز بين الإجهاض وبين “وضع الحد الطبي للحمل”، موضحا أن الفرق بينهما يتمثل في أن الأول “تكون الحامل ضحية له نتيحة عنف يقع عليها أو إجهاض سري لا يلتزم بالضوابط القانونية التي تحمي صحتها وسلامتها”، والثاني “قرار تتخذه السيدة الحامل اعتبارا لظروف خاصة تسمح به كما يحددها القانون”.

وشدد رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، شفيق الشرايبي، من منطلق خبرته، على ضرورة التعجيل بإصدار قانون يسمح بالإيقاف الآمن للحمل، مؤكدا في الوقت نفسه على ضرورة توسيع دائرة الحالات المسموح فيها بذلك، لمواجهة مختلف عواقب الحمل غير المرغوب فيه.

وكان رد رئيس الحكومة واضحا في ما يتعلق بالإجهاض، لكن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أوصى بـ”الانطلاق من المفهوم الشمولي لمدلول الصحة لتجريم الإجهاض، كما أقرته المنظمة العالمية للصحة الذي يطال الصحة العضوية والصحة النفسية والاجتماعية”، ويمنح الحامل حق وضع حد لحملها عندما يكون في استمراره تهديدا لصحتها النفسية، وأن يحاط وضع الحد الطبي للحمل بضمانات لكي يتم في ظروف تأخذ خطورته بعين الاعتبار وتؤمن السلامة الصحية للحامل.

ويذكر أن الحكومة سبق لها أن أقرت  في يونيو 2016، مشروعا لتعديل القانون الجنائي، يتم بموجبه وضع قيود على الإجهاض، وتنص تعديلات الحكومة على “وضع القيود والشروط الدقيقة للإجهاض في إطار المرجعية الإسلامية، في حالات زنا المحارم والاغتصاب والتشوه الخلقي للجنين فقط”. وبعد مصادقة مجلس النواب على مشروع التعديلات يُعرض على مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) للمصادقة عليه، وبعدها يُنشر في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ، وحالت خلافات كبيرة بين الأحزاب حول عدد من البنود، من بينها ما يتعلق بقضية الإجهاض دون تمريره في البرلمان طوال تلك الفترة.

وفي هذا الاطار اعتمد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في صياغة المذكرة الموجهة للبرلمان المغربي، على “التراكم المعرفي والبحثي الذي أنجزه، سواء المجلس الاستشاري أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعلى توصيات الندوات الوطنية ذات الصلة بالموضوع، وعلى الحوار الوطني حول العدالة والالتزامات الدولية، وكذلك الاجتهادات القضائية بما فيها الأوروبية والأميركية”.

وأوضح الشرايبي قائلا، “هناك عواقب عديدة لتجريم الإجهاض، فالنساء الحوامل الراغبات في وقف حملهن يجدن أنفسهن مجبرات على اللجوء إلى الإجهاض غير الطبي وغير الآمن، ويجد أطباء أنفسهم وراء القضبان لأنهم متهمون بممارسة الإجهاض السري، ناهيك عن مشاكل اجتماعية لا حصر لها، من انتحار وجرائم شرف وأطفال مهملين”.

وقد برر المجلس الوطني لحقوق الإنسان التوصية بما اعتبره “المواكبة التشريعية الحمائية لواقع الإجهاض السري بالمغرب والتصدي للظاهرة بطريقة عقلانية، والعمل على تجنيب النساء، وعدد مرتفع منهن من المراهقات والشابات المغربيات، مخاض الإجهاض السري”.

شكلت قضية الصحافية هاجر الريسوني، التي صدر بحقها حكم قضائي بالسجن لمدة سنة؛ لإدانتها الإجهاض وإقامة علاقة خارج أطر الزواج، دافعا جديدا للمطالبين بإلغاء تجريم الإجهاض نهائيا

كما طالب المجلس بـ”مكافحة الإجهاض السري ولوبيات المتاجرين بأجساد النساء المغربيات وغيرهن، في الظروف القاسية والمؤلمة التي تصاحب الإجهاض السري للنساء الحوامل، والاعتراف بأن مواصلة حمل غير مرغوب فيه لأسباب تتعلق بالصحة بمفهومها الشامل الجسدي والنفسي، فيه تعد على حرمة كيان السيدة الحامل ومن ثم خرق لحقوق الإنسان”.

ورغم أنه لا يوجد أرقام رسمية حول الإجهاض، فقد قامت الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة، بدراسة في العام 2015، حصرت حالات الإجهاض في 80 ألف حالة في السنة، في حين تؤكد الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري أن عدد الحالات يتراوح بين 600 و800 حالة إجهاض يوميا.

وحرص المجلس الوطني لحقوق الإنسان على  إحاطة توصيته بالإشارة إلى أن “الإجهاض لا يمكن أن يصبح حدثا مبتذلا لا يستحق وقفة متأنية قبل اللجوء إليه، نظرا إلى تعلقه أيضا بحياة جنين تعتبر موجودة بالقوة أو بالفعل، وهو ما يستلزم إحاطة تحريره بضوابط تحصن اللجوء إليه من الزلل”.

وينص الفصل 453 من القانون الجنائي المغربي المعمول به حاليا، على أنه “لا يمكن العقاب على الإجهاض، إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج. ولا يطالب بهذا الإذن، إذا ارتأى الطبيب أن حياة الأم في خطر، غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم”. كما نص الفصل 453 على أنه “عند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع الزوج من إعطاء موافقته أو أعاقه عن ذلك عائق، فإنه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتب عله الإجهاض إلا بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم يصرح فيها بأن صحة الأم لا يمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: