الانقسامات الأوروبية تعمّق أزمة المهاجرين العالقين في المتوسط

عمّق الخلاف الذي ظهر خلال السنوات الأخيرة بين الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، بشأن ملف الهجرة غير النظامية، أزمة أعداد كبيرة من المهاجرين وسط البحر المتوسط الذين ينتظرون لأيام طويلة على متن السفن التي قامت بإنقاذهم، وهي سفن تتبع منظمات خيرية غير حكومية.

ودفعت أسباب مثل الحروب، والاضطرابات، وكذلك المجاعات في منطقة الشرق الأوسط، وأفريقيا، الآلاف من المهاجرين إلى التفكير في الهجرة إلى أوروبا من خلال عبور المنطقة الوسطى من البحر المتوسط الواقعة بين إيطاليا ومالطا وليبيا، رغم موت أعداد كبيرة منهم خلال السنوات الأخيرة، ورغم المخاطر التي تواجههم خلال هذه الرحلة التي تكون أشبه ما يكون برحلة موت.

وبحسب معطيات منظمة الهجرة العالمية، فإن عدد من وصلوا لأوروبا عبر المتوسط خلال الفترة من 1 يناير وحتى 23 أكتوبر الماضيين، بلغ 82 ألفا، و978 مهاجرا، 12 ألفا و343 منهم وصلوا للقارة العجوز عبر إيطاليا ومالطا. كما أن الفترة ذاتها شهدت كذلك مصرع 1080 شخصا، خلال ركوبهم البحر للهجرة.

وعلى خط الهجرة غير النظامية هذا الذي يستخدم بكثرة للعبور من أفريقيا إلى أوروبا، اتخذ عدد كبير من منظمات المجتمع المدني الخيرية، خلال الفترة الأخيرة، مبادرات لإنقاذ المهاجرين، غير أن رفض إيطاليا ومالطا فتح موانئهما أمام سفن تلك المنظمات، أسفر عن أزمات إنسانية أخرى.

وعمّقت سياسة “الموانئ المغلقة” التي تبنّاها وزير الداخلية الإيطالي الأسبق وزعيم حزب الرابطة الشعبوي ماتيو سالفيني من أزمة المهاجرين.

وأعرب سالفيني في أكثر من مناسبة مناهضته لعمليات إنقاذ المهاجرين، لم يكتفِ بذلك، بل سنّ تشريعات وقوانين جديدة كانت سببًا في منع اقتراب سفن المنظمات الإنسانية من الموانئ الإيطالية.

ومن ثم لما بدأت إيطاليا تطبّق سياسة “الموانئ المغلقة”، وكذلك مالطا، تحت ذريعة “انتظارهم مزيدًا من التضامن من أوروبا”، طفت على السطح أزمة إنسانية بالمنطقة، كما تأججت أزمة الهجرة من جديد على الأجندة السياسية لأوروبا.

وحتى شهر أغسطس الماضي، وهو الشهر الذي شهد نهاية تولّي سالفيني منصبه بالحكومة الإيطالية، لم يتم السماح لأي سفينة إغاثة بالاقتراب من البلاد، الأمر الذي تسبّب في ظهور أزمة إنسانية أخرى كانتظار من تمّ إنقاذهم من المهاجرين على متن تلك السفن وسط البحر لمدة أسابيع.

ومن جانب آخر، ترفض دول الاتحاد الأوروبي استقبال المهاجرين ما جعل البعض من المراقبين يتهمونها بشأن موقفها المتناقض مع سياساتها بشأن الهجرة، وهو ما أرغم إيطاليا على ترك هؤلاء البشر فريسة للموت في البحر.

رفض إيطاليا ومالطا فتح موانئهما أمام سفن المنظمات الإغاثية تسبب في خلق أزمات إنسانية للمهاجرين

ويحتدم السجال مؤخرا كذلك على الوضع الأمني في ميناء طرابلس، حيث تؤكد العديد من المنظمات الدولية، وفي مقدمتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، على تعرّض المهاجرين في ليبيا للتعذيب، وأن هناك مخاطر كبيرة عليهم هناك بسبب الاضطرابات الداخلية التي تشهدها البلاد. ورغم أن هذه المنظمات تقول إن ميناء طرابلس غير آمن بالنسبة للمهاجرين، إلا أن ماتيو سالفيني، وبعض البلدان الأوروبية يتفقون على رأي يقول إنه من الأصوب نقل هؤلاء المهاجرين الذين تم إنقاذهم إلى الميناء المذكور.

وعلى الجانب الآخر ترفض سفن منظمات الإغاثة رفضا باتا نقل هؤلاء إلى ميناء طرابلس بسبب “عدم الأمن” إلى جانب “انتهاكات حقوق الإنسان” هناك.

ولذلك تريد هذه السفن نقل المهاجرين إلى أقرب مكانين آمنين، وهما مالطا وإيطاليا غير أن هاتين الدولتين تتعنّتان وترفضان استقبالهم، ما يجبر المهاجرين على البقاء لأيام بشكل محفوف بالمخاطر على متن السفن وسط البحر في ظل ظروف إنسانية صعبة للغاية.

وفي سبتمبر الماضي، توصّل وزراء داخلية مالطا، وإيطاليا، وألمانيا، وفرنسا خلال قمّة مصغّرة عقدوها في مالطا إلى اتفاق مبدئي حول توزيع تلقائي للمهاجرين الواصلين إلى مالطا وإيطاليا على دول أخرى، في وثيقة تتطلّب مصادقة بقية دول الاتحاد الأوروبي عليها.

وبالرغم من أن هذه القمة الرباعية شهدت تعبير بعض البلدان عن موافقتها على الاتفاق، بقي عدد من البلدان غير متحمسة لهذا الأمر. غير أنه وفقا لما صدر عن القمة يتم توزيع المهاجرين على البلدان الأربع المذكورة. إلا أنه حينما يدبّ خلاف في ما بينها يضطر المهاجرون للانتظار في البحر.

ولكن هناك بوادر أمل تلوح في الأفق بشأن سياسة لإيطاليا الجديدة المتبعة في ملف الهجرة حيث خسر وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني منصبه في أغسطس الماضي، وجاءت الحكومة الثانية التي أسسها رئيس الوزراء، جوزيبي كونتي، واتبعت هذه الحكومة سياسة أكثر مرونة بشأن قضية المهاجرين، حيث كانت تسعى إلى عدم إبقاء السفن في البحر.

وغير أن رفض السماح لسفينة ”أوسيان فيكينغ” الإغاثية بالدخول للموانئ الإيطالية بعد أن أنقذت في أكتوبر 104 مهاجر، وبقائها في البحر لمدة 12 يوما، أعاد للأذهان الممارسات التي كان يتبعها سالفيني، بيد أن إيطاليا سمحت في ما بعد بدخول السفينة لموانئها بعد موافقة كل من ألمانيا وفرنسا على استقبال المهاجرين في إطار الاتفاق المتوصل اليه في قمة مالطا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: