في هذا المقال يطرح على الجالية المغربية ببروكسيل السؤال “هل النفاق طبيعة عندها ؟”

كان صحفيي أخبارنا الجالية في تغطية صحفية بالقنصلية العامة المغربية ببروكسيل يتحدث مع مواطنة مغربية مهاجرة بالديار البلجيكية  وتطرق الحوار إلى إنجازات القنصلية و التحسن الذي عرفته و أوجه الاختلاف و الخروقات التي يمكن ان تتغير  فتبارى الاثنان في الإشادة بها ثم قالت المواطنة فجأة: أنا على فكرة عندي نقد للقنصلية المغربية  . ممكن أقوله؟

هنا قالت المواطنة

ــ أريد أن أنتقد القنصلية و موظفة نشيطة بالقنصلية في كذا و كذا ، فجأة تقدمت إلينا الموظفة المزعومة

فتنفس الصحافي الصعداء وانفرجت أساريره ثم قال:

ــ وما هي تعليقاتك ؟

قالت المواطنة بحماس:

سأوجه نقدي لسعادة القنصل  لأنه غير كل شيء للأحسن و أصبحت القنصلية مفتوحة في وجه الجميع ، الكبير منهم و الصغير ، و أصبحنا نحس كأننا في بيتنا بالضبط .

هذا المستوى المتقدم من النفاق الاحترافي ربما لا يوجد  له مثيل في بلدان كثيرة ويبدو أنه مع كثرة المنافقين أصبح على من ينافق القنصل او السفير  أن يكون مجددا ومبدعا.

بالأمس القريب كان شخص من أعز الأصدقاء و الذين كانوا يمددونني بالمعلومات عن كل ما يجري بالقنصلية و السفارة ، معلومات كانت كلها سيئة و مخجلة للعمل داخل هاتين المؤسستين ، ليس ليخدمني بل ليجعل منها عملا له و قوتًا لأولاده ، معلومات تجعل من كل صحافي يؤمن بالتغيير و محاربة الفساد يسمعها و يوصلها بطريقته العامة ، في حين كان هذا الشخص يساوم و يتوسط لدى الآخرين لتسوية الأوضاع، نفاق و خداع لم تشهده البشرية من قبل ،

لا أظن أى مدرسة اقتصادية في العالم تدرس هذا النوع من النفاق ، لكنه نموذج للنفاق الإبداعي المتطور. لا يقتصر النفاق على القنصل او السفير  وإنما يمتد إلى كل صاحب منصب. تأمل كيف يعامل المرؤوس مديره في بلادنا، إنه غالبا ما يكيل له المديح ويشعره دائما أنه نابغة زمانه وقد يتجسس على زملائه وينقل أخبارهم لمديره ليحصل على رضاه.

لا يقف النفاق عند مديح المدير والرئيس. كانت لنا أرض في البيضاء  استولى عليها بعض الناس بدون وجه حق ولما أقمنا دعوى قضائية لاسترداد أرضنا فوجئنا بأن معظم الجيران يعترفون بحقنا في الأرض لكنهم يرفضون الإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة “تجنبا للمشاكل”. في الأسبوع الماضى نبهنى بعض الأصدقاء إلى أن أستاذا جامعيا قام بالسطو على عدة مقالات نشرتها من قبل  (وكلها مسجلة وموجودة على الموقع )  نقل أستاذ الفنون الجميلة مقالاتي بالنص والحرف ونشرها في مقالتين باسمه على اعتبار أنهما من تأليفه.

الغريب أن بعض الذين نبهوني إلى هذه السرقة الوقحة واستنكروها بشدة، فعلوا مثل جيراننا في البيضاء  ، فقد طلبوا مني ألا أخبر أحدا بأنهم نبهوني للسرقة لأنهم لايريدون مشاكل. إن السكوت عن الحق والدفاع عن الباطل و السلبية في مواجهة الظلم والكذب إيثارا للسلامة وتملق الرؤساء..كلها تطبيقات للنفاق وهي تنتشر بين الجالية  الآن أكثر من أى وقت مضى مما يدفعنا إلى التساؤل:

” هل النفاق طبيعة في جاليتنا ببروكسيل  ..؟”

 الإجابة نفي قاطع. لقد أثبت المغاربة  مرارا في التاريخ الحديث أنهم لا يقلون شجاعة عن أي شعب آخر وقد قاتلوا دفاعا عن المغرب  في عدة حروب وثاروا دفاعا عن حقوقهم في العديد من المواقف. لماذا ينافق المغاربة  إذن ..؟ لايمكن أن نفهم ظاهرة النفاق بمعزل عن السياق السياسي. إن النظام الحاكم في أى بلد هو الذى يخرج من الشعب أحسن أو أسوأ ما فيه.

إن المغربي  يمارس النفاق لأنه ببساطة يائس تماما من تحقيق العدالة. إنه ينافق لأنه يعلم يقينا أن الكفاءة لا تؤدى بالضرورة إلى النجاح والعمل الجاد لايؤدى بالضرورة للترقي والتعليم الجيد ليس شرطا للحصول على الوظائف وأن القانون لا يطبق إلا على الضعفاء، أما “الأكابر”، فإن القوانين يتم تغييرها لحمايتهم . المغاربة  يعلمون أن كلمة الحق أصبح ثمنها باهظا وهم غالبا غير مستعدين لدفعه.

المواطن  الذى ينافق القنصل او السفير  يعلم أن مستقبله ورزق أولاده بين أيديهم ، و حضوره في الحفلات و المناسبات متوقف على أمر منهم  ولو أنه قال الحق أو قصر في نفاق القنصل فإنه سيفقد هذه الامتيازات  وهناك مئات  المنافقين يحلمون بأخذ مكانه. المواطنة  التى تشكو من عمل السفارة و القنصلية  تعلم جيدا أن كلامها سيجلب عليها احتقار السلطة  لكنه سيجلب أيضا رضا بعض المواطنين  الذى سيفتح أمامها أبواب جهنم  على مصراعيها كما تعتقد …

في الدول الديمقراطية لا يحتاج المواطن إلى ممارسة النفاق لأن القواعد عادلة والأسباب تؤدى إلى النتائج.

إذا اجتهدت، سوف تتقدم في العمل وإذا تعلمت جيدا ستحصل حتما على وظيفة وإذا غضب عليك مديرك فإن يده ليست مطلقة في التنكيل بك لأن هناك لوائح تطبق على الجميع بمن فيهم مديرك. المواطن في دولة ديمقراطية لايخاف من قول الحق ليس لأنه أشجع من المغاربة  وإنما لأنه مطمئن إلى حماية القانون الذى يطبقه قضاء مستقل يساوى بين الكبير والصغير.

إننا بالطبع لا ندافع عن المنافقين ولا نلتمس لهم الأعذار، لكن النفاق ليس مجرد نقيصة أخلاقية وإنما ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالنظام الحاكم. من السذاجة أن نتصور أننا سنتخلص من النفاق عن طريق المواعظ الدينية والأخلاقية لأن النفاق ليس هو المرض وإنما هو أحد أعراض مرض الاستبداد. عندما نتخلص من الاستبداد ونقيم نظاما ديمقراطيا حقيقيا لن يحتاج المغاربة  إلى ممارسة النفاق لأنهم سيعيشون في حماية القانون وسيحتكمون جميعا إلى قواعد عادلة تحترم الكفاءة والجهد وتمنح كل ذي حق حقه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: