الحراك الجزائري يعتبر الانتخابات الرئاسية ثورة مضادة
مثلت ترشحات بعض رموز نظام الرئيس السابق، عبدالعزيز بوتفليفة، انتكاسة لمكونات الحراك الشعبي التي تطالب بإسقاط النظام برمته، واستبعاد من تقلدوا مناصب في الفترة الماضية من المشهد السياسي، وأثارت جدلا واسعا وصلت حد اعتبارها ثورة مضادة تمهد لعودة المسؤولين السابقين.
وقُوبلت ترشحات بعض الشخصيات المحسوبة على نظام بوتفليقة لسباق قصر المرادية بردود فعل مستهجنة اتضحت في استفهامات عميقة حول قدرة الاستحقاق على إخراج البلاد من الأزمة، أم توريطها أكثر في تعقيدات جديدة. وفي أولى ردود الفعل الشعبي، تعرض مرشح حزب طلائع الحريات علي بن فليس، إلى مضايقات ليل السبت في أحد أحياء العاصمة، حيث قام مجموعة من الشبان بطرده من أحد المطاعم بضاحية درارية، ورددوا على مسامعه اتهامات بسرقة البلاد، وهو ما اضطره إلى مغادرة المكان فورا.
ويقدم الموقف، الذي تعرض له المترشح علي بن فليس، مؤشرا على الصعوبات التي تنتظر المرشحين أثناء القيام بحملتهم الانتخابية، في ضوء الرفض الشعبي للانتخابات، خاصة بعد حصر السباق على شخصيات تنحدر من نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
ويرى في هذا الشأن أستاذ العلوم السياسية عبدالحق بن سعدي، في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، أن “قائمة المرشحين للرئاسة تؤكد ما كان متداولا من قبل، حول عدم جدوى الاستحقاق الانتخابي، بسبب انفراد السلطة غير الشرعية برأيها وفرضه بالقوة، رغم الرفض الواضح لذلك من طرف الحراك الشعبي”.
وقال “هذه القائمة تؤكد وجود إرادة واضحة لتوجيه نتائج الانتخابات بعدما انطلق العمل لتحقيق ذلك منذ استقالة بوتفليقة، باتخاذ قرارات غير دستورية تفتقد للجدية اللازمة لمثل هذا الاستحقاق، خاصة وأن الأمر مرتبط بانعدام كلي للثقة من جانب الحراك إزاء السلطة المتهمة في سياستها ووجودها وانغماسها في تزوير الانتخابات، وهو ما أفرز مرشحين محسوبين على النظام المرفوض ومن أبرز وجوهه، بل ومتهمين بالفساد الرهيب الذي عصف بالبلاد”.
وبشأن مدى قدرة هذه الانتخابات على إخراج البلاد من الأزمة، أكد عبدالحق بن سعدي، أن “الموعد الانتخابي يخص السلطة وحدها دون عموم الشعب كونه مفروضا بالقوة والإكراه ولا يعبر عن الإرادة الشعبية التي تطالب بتوفير شروط النزاهة والحرية في الانتخاب، ما يعني أن المسألة مرتبطة بالبحث عن الشرعية المفقودة للنظام القائم المتناقض مع الدستور ليس إلا، وهذا ما يبرر إصرار السلطة على إجراء هذه الانتخابات حتى وإن كانت نسبة المشاركة ضئيلة وغير معبرة عن الإرادة الشعبية”.
واعتبر أن الموعد المحدد للانتخابات الرئاسية بيوم 12 سبتمبر القادم لن يكون سوى خطوة أخرى نحو عدم الاستقرار وتعقيد الوضع أكثر، ويطفئ شعلة الأمل التي أحيت روح الكثير من الجزائريين منذ 22 فبراير”. ولاحظ أن تمسك السلطة بإجراء انتخابات في وضع محتقن سيفضي إلى تنظيم استحقاق انتخابي سيفرز رئيسا جديدا فاقدا للشرعية الشعبية المعبرة عن الأغلبية، وهو ما سيؤدي إلى استمرار الأزمة في البلاد.
غير ذلك، عبر نشطاء جزائريون، ممن دعموا مسار الانتخابات الرئاسية، عن اعتذاراتهم على دعمهم في وقت سابق لخيار الذهاب إلى الانتخابات للخروج من الأزمة وقطع الطريق على أعداء الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي.
ويرى مراقبون أن داعمي الانتخابات الرئاسية أصيبوا بخيبة أمل كبيرة بعد الكشف عن هوية المتسابقين على قصر المرادية، بعدما هيمن عليها مقربون ومحسوبون على نظام الرئيس بوتفليقة، الذي انتفض الشعب ضده منذ فبراير الماضي.
وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات تظهر إحباط داعمي خيار الانتخابات وصدمتهم من أسماء المرشحين، واعتبروا ترشحاتهم بوابة لعودة بوتفليقة من الباب الواسع. وفيما شرع المرشحون في الترويج لبرامجهم الانتخابية من أجل إقناع الناخب الجزائري بالانخراط في المسار السياسي والتصويت لصالحهم، رغم أن موعد الحملة الانتخابية لا زال بعيدا نسبيا، تأمل شخصيات أسقطت ترشحاتها السلطة المستقلة للانتخابات، في أن يعيدها المجلس الدستوري إلى سباق الرئاسة بعد النظر في طعونها.
وكان مرشح التحالف الوطني الجمهوري والوزير السابق بلقاسم ساحلي، أول من أعلن عن تقديم طعن لدى المجلس الدستوري لمراجعة ملف ترشحه، في حين امتنع المرشح المستقل، فارس مسدور، عن الإدلاء بأي تعليق لدى اتصال “أخبارنا الجالية ” به، وأرجأ كل شيء إلى ما بعد الطعن الذي سيقدمه لدى الهيئة المذكورة.