قضاة الجزائر ينتفضون دفاعا عن استقلاليتهم
دخل قضاة الجزائر في إضراب وطني مفتوح احتجاجا على ما اعتبروه هيمنة وزارة العدل على القطاع، فضلا عن مطالب مهنية واجتماعية أخرى، ومراجعة القانون الأساسي الناظم لعلاقة السلطة القضائية بالسلطة التنفيذية، بُغية تكريس ما سمي بـ”استقلالية القضاء”.
وجاء قرار الإضراب خاصة بعد حركة نقل القضاة التي أعلنت عنها من طرف الوزارة، وشملت حوالي ثلاثة آلاف قاض.
ويعتبر الإضراب الذي شلّ مختلف المحاكم والمجالس الأول من نوعه في تاريخ البلاد، حيث لم يسبق لهذه الفئة أن شنّت حركة احتجاجية بهذه القوة، من أجل ثني الرجل القوي في الوزارة الوزير بلقاسم زغماتي، عن القرارات المتخذة في الآونة الأخيرة.
وذكرت مصادر قضائية بأن نسبة الاستجابة كانت عالية جدا، وأنها قاربت المئة بالمئة، رغم الحركة التمردية التي حاول الفرع النقابي بولاية تيندوف قيادتها، بإعلانه عدم تلبية نداء الإضراب، وتحدث في بيان له، عن “هيمنة عناصر معينة على المجلس الوطني للنقابة، وأن القرار لم يحظ بموافقة جميع الفروع”.
احتدت أزمة القطاع القضائي بعد وصف وزارة العدل قرار مقاطعة العمل القضائي، بـ”المخالف للقانون الأساسي وعدم الالتزام ببنوده
وجاء في بيان للفرع المذكور، بأن “اللقاء الطارئ لنقابة القضاة، هو محض افتراء ولا أساس له من الصحة، وعليه يتبرأ من كل ما صدر في بيان النقابة الوطنية”، وأن رئيس الفرع عبدالوهاب بروك، مستعد لإثبات أنه لم يكن هناك أي اجتماع استثنائي أو عادي للمجلس”.
وذكر رئيس النقابة يسعد مبروك، أن “الإضراب الوطني المفتوح الذي دعت إليه النقابة الوطنية للقضاء، حقق نسبة استجابة عالية على مستوى محاكم ومجالس قضاء الوطن، حيث بلغت 96 بالمئة في يومه الأول”.
وفي خطوة لاحتواء عدم استجابة الفرع النقابي بولاية تيندوف، سارعت قيادة النقابة الوطنية إلى إصدار قرار يقضي بتوقيف القاضي عبدالوهاب بروك، من رئاسة الفرع ومن عضوية المجلس الوطني، مع إحالة ملفه على مجلس التأديب، وأكدت أن قضاة فرع تيندوف سحبوا الثقة منه، وأعربوا عن التزامهم بقرارات القيادة المركزية.
وعمّق الإضراب الذي صدم الحكومة، ووزير العدل تحديدا الذي تراهن عليه السلطة لتطهير القطاع مما تصفهم بـ”الموالين لنظام بوتفليقة”، الأزمة السياسية في البلاد في فترة تقبّل تسبق الانتخابات الرئاسية المقررة قبل نهاية العام الجاري، لاسيما في ظل استمرار حركة الرفض لها من طرف المعارضة السياسية وقوى الحراك الشعبي.
ولا زالت الحملة المفتوحة من طرف السلطة القائمة على الفساد، تثير المزيد من الجدل حول إمكانية تحوّل القضاء إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية بين أركان النظام، خاصة بعد إحالة العشرات من المسؤولين الكبار ورجال الأعمال والعسكريين المحسوبين على نظام بوتفليقة على السجن.
ورافع المجتمعون في اجتماع مجلس نقابة القضاة لصالح استقلالية القضاء، والى رفع جميع القيود والضغوط الممارسة عليهم من طرف السلطة الوصية، في تلميح للوتيرة المتسارعة في القطاع خلال الأشهر الأخيرة، لاسيما مقاضاة العشرات من المعارضين والناشطين السياسيين، الذين طبّقت عليهم عقوبات متفاوتة.
يعتبر الإضراب الذي شلّ مختلف المحاكم والمجالس الأول من نوعه في تاريخ البلاد، حيث لم يسبق لهذه الفئة أن شنّت حركة احتجاجية بهذه القوة
وكان وزير العدل بلقاسم زغماتي، أعلن مؤخرا عن حركة داخل القطاع مست نحو ثلاثة آلاف قاض، ولم يتوان في توجيه انتقادات علنية للقضاة وحمّلهم مسؤولية أزمة الثقة المتراكمة بين الشعب والسلطة، وهو الأمر الذي أثار غضب النقابة بسبب “عدم إشراكها في الحركة المذكورة، وتعريضها للضغط والتوجيه”.
واحتدت أزمة القطاع القضائي بعد وصف وزارة العدل قرار مقاطعة العمل القضائي، بـ”المخالف للقانون الأساسي وعدم الالتزام ببنوده، خاصة تلك التي تحظر على القاضي المشاركة في العمل الاحتجاجي أو التحريضي”.
وأضاف البيان، “نقابة القضاة التي تحتج اليوم على الحركة السنوية في سلك القضاة، كانت قد زكّت المعيار الأساسي المعتمد في حركة النقلة، والذي ينص على نقلة كل من قضى خمس سنوات في نفس الجهة القضائية”، ودعت من أسمتهم بـ”القضاة المتضررين من الحركة” إلى رفع تظلماتهم أمام المجلس الأعلى للقضاء طبقا للقانون.
وتأتي الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة في تاريخ البلاد، متزامنة مع إضراب وطني شامل آخر دعت إليه كونفيدرالية النقابات المستقلة تضامنا مع الحراك الشعبي وتأكيدا على شرعية مطالبه السياسية، فضلا عن دعوات أخرى إلى الإضراب نهاية الشهر الجاري، استعدادا لمسيرات شعبية ضخمة في الفاتح من نوفمبر الداخل، إحياء لذكرى اندلاع ثورة التحرير العام 1954، وهو ما يعتبر تصعيدا لافتا ضد السلطة.