الجزائر تقطع طريق السلطة أمام العسكريين
ارتأت السلطة الجزائرية منع العسكريين المتقاعدين من الجيش من ممارسة أنشطة سياسية طيلة الخمس سنوات التي تلي الإحالة على التقاعد وقطعت الطريق أمام العسكريين الطامحين للقيام بأنشطة حزبية أو الراغبين في الاصطفاف في الشق المعارض لها.
قررت الحكومة الجزائرية منع أفراد وضباط المؤسسة العسكرية من الممارسة السياسية طيلة الخمس سنوات التي تلي الإحالة على التقاعد، في خطوة قانونية استباقية تكبح بروز العسكريين المتقاعدين الراغبين في الوصول إلى السلطة أو معارضتهم للسلطة، على غرار ما وقع مع الجنرالين المسجونين حسين بن حديد وعلي غديري.
وناقشت الحكومة في مجلس الوزراء الأخير قانونا يمنع كل عسكري من البروز في المشهد السياسي، انضاف إلى قائمة القوانين المثيرة للجدل في الساحة السياسية وطرح تساؤلات كثيرة حول حق المعنيين في الممارسة السياسية والطموح لشغل منصب سياسي، لاسيما وأنه قانون استكمل قوانين أخرى سابقة سمّيت بواجب التحفظ العسكري.
وبغض النظر عن قطع الطريق على شخصيات كشفت عن نواياها في خوض المعترك السياسي أو معارضة السلطة وانتقاد خيارات المؤسسة العسكرية في المدة الأخيرة، يرى مراقبون في الجزائر أن القانون أزاح كل مصادر الإزعاج أو التشويش على السلطة الحالية، بما فيها الضباط والقيادات السامية المسجونة بتهم أخرى، بسبب المنع من الخوض في المسألة مع فرضية إطلاق سراحهم لاحقا.
وفي سياق تعليقه على هذا القانون، اعتبر العقيد السابق في جهاز الاستخبارات، العربي شريف أن القانون يحمي المجتمع وأفراده، نظرا لحساسية الرتبة والوظيفة التي كان يشغلها أي عنصر، وتأمينا للمؤسسة من توظيف أسرارها وتفاصيلها في فعل هو من صميم العمل السياسي والتجاذب الأيديولوجي.
القانون خطوة استباقية لخروج جنرالات من السجن تطمح لتقلد مناصب سياسية
وكرس قانون حظر الممارسة السياسية على منتسبي الجيش في الخمس سنوات التي تلي الإحالة على التقاعد، هواجس قيادة المؤسسة العسكرية من تحولها إلى مصدر تضارب أو استقطاب بين عناصرها، أو التأثير على عقيدة الانضباط والحياد المفترض في الشأن السياسي.
وسبق للقيادة نفسها أن أصدرت خلال الأشهر الماضية قانونا شبيها، يتعلق بواجب التحفظ العسكري على العناصر المغادرة خلال السنتين المواليتين، وذلك في أعقاب ظهور عدد من الضباط المتقاعدين في المشهدين السياسي والاستراتيجي بتحاليل ووجهات نظر في مسائل مختلفة.
ولفت العقيد العربي شرف إلى أن خروج الضابط أو العسكري إلى حالة التقاعد، يعتبر في السنوات الأولى إحالة على الاستيداع، أي الإبقاء على حالة الجاهزية استجابة لأي استدعاء من المؤسسة لأداء مهمة ما، وهو ما يعني وضعه في حالة احتياط لا يتم فيها الانخراط في الحياة السياسية.
ولم يستبعد مراقبون في الجزائر أن يكون القانون تأطيرا للمشهد القادم، مع إمكانية خروج أي من الضباط المسجونين بتهم مختلفة، للحيلولة دون خوضهم في الشأن السياسي للبلاد، لاسيما وأن غموضا كبيرا يلف حملة التطهير التي أجرتها قيادة الجيش داخل صفوفها، خاصة منذ فضيحة شحنة الكوكايين عام 2018.
ويتواجد منذ عدة أشهر الجنرال السابق حسين بن حديد، المتقاعد منذ العام 1996، في سجن الحراش بالعاصمة، بتهمة استهداف الروح المعنوية للجيش، وذلك في أعقاب تصريحات أدلى بها الرجل لوسائل إعلام، انتقد فيها المؤسسة العسكرية، وقدم رؤيته لحل الأزمة السياسية.
ولا يزال بحوزة ضباط كبار في جهاز الاستخبارات السابق، الكثير من الأجوبة على الأسئلة المطروحة لدى الرأي العام، خاصة تلك المتعلقة بخلفيات وملابسات حل جهاز الاستخبارات من طرف نظام بوتفليقة في 2015، وسجن عدد من جنرالاته الأقوياء، كما هو الشأن بالنسبة لعبدالقادر آيت أوعرابي (حسان)، الذي كان يشغل خطة مسؤول بدائرة محاربة الإرهاب في المخابرات.
ويكاد الجنرال حسان المقرب جدا من مدير الجهاز السابق الجنرال محمد مدين (توفيق) المسجون بدوره منذ عدة أشهر، أن يستنفد عقوبة الخمس سنوات سجنا، وقد تكون بحوزته العديد من الألغاز، خاصة عملية “تيقنتورين” العام 2013، حينما أشرف شخصيا على عملية اقتحام الجيش للقاعدة الغازية وهي العملية التي أفرزت حينها عن مقتل المجموعة الإرهابية التي اقتحمت القاعدة و38 رعية أغلبهم أجانب.
وذكرت تقارير محلية أن الهدف من القانون، هو “إيجاد تناسق بين أحكام قانون المستخدمين العسكريين وقانون الانتخابات، وأن القانون الجديد يلزم العسكري العامل المقبول للتوقف نهائيا عن الخدمة في صفوف الجيش، بعدم ممارسة أي نشاط سياسي أو حزبي أو شغل منصب انتخابي”.
وأضافت “أن الإحالة على التقاعد تضع صاحبها في حالة احتياط لمدة خمس سنوات”، ولأن الوضعية الجديدة تبقيه تحت تصرف المؤسسة المستخدمة، فإنه يحظر عليه الانخراط في أي عمل سياسي أو خوض مجال انتخابي.
وبدخول هذا القانون حيز التنفيذ يكون أي سيناريو مشابه للذي حدث مع الجنرال المسجون علي غديري، الذي ترشح للانتخابات الرئاسية في البلاد وتقدم بملفه في موعدي أفريل وجويلية الماضيين قبل إلغائهما، قد أزيح تماما، لاسيما وأن الألغاز القائمة حول المؤسسة نفسها وحول عدد من الأحداث التي عاشتها البلاد في السنوات الأخيرة ستبقى قائمة خلال الفترة القادمة، في ظل حظر النشاط السياسي والانتخابي على العسكريين.