عناصر الأمن الخاص لا حقوق لهم في مجتمع يحرسونه

فئة مجتمعية تقع في منزلة بين المنزلتين ليست في سلك الوظيفة العمومية تجري عليها قوانينها وتستفيد من امتيازاتها، ولا هي ضمن القطاع الخاص براتب مضمون وقانوني وحقوق مضمونة. إنها فئة حراس الأمن الخاص بالمغرب التي وجدت نفسها تشتغل بكل طاقاتها دون مردود يقيها شظف الحياة وأصحابها غير مطمئنين إلى مستقبل يحتكر مجهودهم بشراهة شركات وسيطة بينهم وبين مشغليهم.

تستعين جميع المؤسسات العمومية والخاصة في المغرب من بنوك ومدارس ومستشفيات ومتاجر ومصحات خاصة وسفارات وفنادق، بخدمات حراس الأمن الخاص أو ما يطلق عليهم في المغرب “السِّكِيرِيتِي”، والذين يصل عددهم إلى حوالي مئة وعشرين ألف حارس وعدد الشركات يصل إلى 5000 شركة منها 1000 فقط مرخصة.

يجد المواطنون في مداخل المؤسسات أو داخلها “السِّكِيرِيتِي” يقدم لهم بعض المعلومات أو تسهيلات الدخول إلى مكاتب الموظفين وأعينهم على من قد يأتون قصد أعمال التخريب والإيذاء.. “إنها مهنة المخاطر”، كما يؤكد لـ”أخبارنا الجالية ”، رشيد الإدريسي الشريف، رئيس جمعية الإتحاد الوطني لحراس الأمن الخاص بالمغرب، ويضيف أن الحارس مطالب بالتصدي لكل ما قد يشكل خطرا على المؤسسة والأشخاص مثل الحرائق وغيرها لأنه هو المسؤول الأول والأخير عن أي حادثة خارجة عن المألوف في المؤسسة.

ويقبل عدد من الشباب من حاملي الشهادات الجامعية وبعض المتقاعدين على هذا القطاع غير المهيكل لوضع حد لبطالتهم، لكن دون أن يرتفع مستواهم الاجتماعي إلى مستوى العيش الكريم والابتعاد عن الضغط المالي اليومي، نظرا لافتقارهم للحقوق المهنية مع التعسّفات والتهديد بالطرد من بعض المسؤولين في الشركات الوسيطة.

“مافيا” شركات الوساطة

لا تخضع طريقة التوظيف لمعايير قانونية معتمدة بل تتم عبر عقود موسمية ما يجعل حراس الأمن مهددين بالعودة إلى نقطة الصفر وحياة البطالة من جديد، فأغلب المشغلين لا يحترمون القوانين المعمول بها وكذلك يتجاوزون طبيعة العمل المتفق حوله حيث يتم تجاوز المهام الرئيسية في العقد.

ويقول عبدالرحيم، ثلاثيني يشتغل منذ عشر سنوات متنقلا بين ثلاث مؤسسات، “إن أصحاب الشركات يضخمون حساباتهم البنكية بالملايين على حسابنا نحن من نؤدي العمل ليلا نهارا، صيفا وشتاء دون مستحقات تذكر”.

وقد تم إحداث جمعية “أرباب شركات الحراسة” في عام 2007 انخرطت فيها ما يزيد عن 100 شركة وتضاعفت إلى ما يقارب 400 شركة حاليا مع الإقبال على خدماتها من طرف مؤسسات الدولة الخاصة والعامة، ولم تعد تتركز أعمال تلك الشركات في المدن الكبرى والمتوسطة فقط بل تعدتها إلى استقطاب اليد العاملة في المدن الصغرى وبعض القرى الكبرى، لكن بعض الشركات تتعامل بطريقة غير شرعية بالالتفاف على القانون لأجل كسب صفقات استخدام حراس الأمن.

وكمثال على الجشع الذي تظهره بعض شركات الأمن الخاص بالمغرب، قال حميد أحد المسؤولين بإحدى الجماعات المحلية بمدينة فاس، إن هناك شركة أمن خاص مقرها في بن جرير قرب مراكش، حصلت على صفقة بمديرية الأملاك المخزنية، في مدينتي فاس وصفرو، هذه الشركة لا تحترم الحد الأدنى للأجور ولا تصرح بالمستخدمين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبعدما أنهت العقد هذه السنة تركت الناس دون مستحقاتهم بل طالبتهم بالإمضاء على تنازل يبرّئ ذمتها إذ هم طالبوا بمستحقاتهم.

وقد وصف المسؤول المحلي أعمال هذه الشركات بالمافيات التي تستعين بلوبي فاسد داخل دهاليز المؤسسات يمرر هذه الصفقات، مطالبا الجهات المسؤولة بالتدخل في هذا الملف الذي تضرر منه المواطن المغربي لفتح تحقيق، وإرجاع الأمور إلى نصابها بقوة القانون.

كحالة خاصة لوضعية حراس الأمن الخاص الهشة، اشتكى قبل سنتين الحراس العاملون بمستشفى الحسن الثاني بسطات، من إقدام الشركة المشغلة في إطار تعاقد يربطها بالمندوبية الإقليمية لوزارة الصحة بسطات، على خفض رواتبهم، والتي من المفروض أن تدفع لهم (2700 درهم) في حين يتقاضون 1700.

في المقابل، تدعي الشركة المشغلة بأن هؤلاء قد تلقوا جميع مستحقاتهم وحقوقهم المترتبة عن مدة العمل التي عملوا بها مع الشركة التي يربطهم بها عقد لم يستسغه الحراس الخاصون مطالبين السلطات بالتدخل لإنصافهم وهددوا بحرق أجسادهم إذا لم يتلقوا رواتبهم ومستحقاتهم. ويقول رشيد أحد الحراس، “يستغلوننا أبشع استغلال فإلى جانب 12 ساعة من العمل المضني فإن المقابل المادي هزيل ولا يسجلوننا في صندوق الضمان الاجتماعي، فنحن غير مؤمنين ضد حوادث الشغل ولا المرض”، مضيفا أن “المشكلة تتمثل في المسؤولين الذين يتغاضون عما يفعله أصحاب الشركات”.

وفي ما يخص تعامل الشركات الوسيطة مع الحراس، أكد رشيد أنها “تتعامل بطريقة الأسياد مع العبيد في القرون الوسطى وهذه ليست مبالغة ولكنه واقع الحال” مفسرا أن هؤلاء الحراس يعملون أزيد من 12 متواصلة في اليوم.

قطاع غير مهيكل، فطريقة التوظيف لا تخضع لمعايير قانونية معتمدة 

ولفت الشريف، في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، إلى أن هذه الفئة من المجتمع ﻻ تستفيد من حقوقها المشروعة مثل العطلة الأسبوعية والعطلة السنوية أو التعويض المباشر عن العمل في الأعياد والمناسبات الوطنية، إذ من المفارقات كما يؤكد الشريف، أن حارس الأمن الخاص بالمغرب يعتبر الرجل الذي يمارس مهنة صعبة للغاية دون أن توفر له العيش الكريم بل هو دائما في احتياج وعوز.

من جانبه، عبّر عبدالصمد، حارس بأحد المؤسسات التابعة للتجهيز بمدينة فاس، عن غضبه من ظروف عمله القاهرة والضغوط اليومية التي يعمل فيها من حيث ساعات العمل التي تصل إلى 12 ساعة والتي لا تتناسب مع راتب شهري لا يتجاوز 1500 درهم.

وقال في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، “إنني أشتغل لمدة 12 ساعة مستمرة دون أن أتوفر على ضمانات الاستقرار الوظيفي ولا العائلي، فبالإضافة إلى الراتب الشهري الهزيل لا نحلم بأي ترقية أو بامتيازات الأقدميّة، ولا أخفيكم سرا أنني استعين ببعض الخدمات الخاصة لموظفين في البناية حتى أضمن إكراميات تساعدني على متطلبات أسرتي”.

وأضاف عبدالصمد بحسرة، “لن تستغرب إذا قلت لك إنه في المناسبات الدينية مثل رمضان والعيدين أو الدخول المدرسي، ألجأ إلى مؤسسات القروض الصغرى حتى أتعامل مع مصاريف تلك المناسبات وتضطر الزوجة إلى بعض الأشغال اليدوية وبيعها في السوق حتى نستطيع سداد القرض والفوائد”.

وهناك من اعتبر المشتغلين بهذا القطاع جزءا من آلة العبودية الجديدة حيث تستغلهم الشركات والسماسرة الذين لا يعترفون بقانون الشغل وهم غير مسجلين في الضمان الاجتماعي، وإذا مرض أحد العاملين في هذا القطاع يتم طرده وتعويضه بآخر بكل بساطة.

وبالإضافة إلى استغلال الحارس الخاص في أعمال “السخرة” التي لا علاقة لها بعمله لا يستفيد من العطلة السنوية، وحتى إذا طالب بها وأعطيت له يتم خصم تلك الأيام من راتبه الشهري الذي لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور. وقال نورالدين الحارس الخاص بمؤسسة تعليمية، لـ”العرب”، “إن المناوبة النهارية مع زميله تبدأ من السابعة صباحا حتى السابعة مساء وقد تستمر مناوبتي إن لم يحضر المناوب الليلي”، متسائلا بحرقة كيف يعقل لشخص يتحمل مسؤولية زوجة وأبناء أن يلبي حاجياته براتب شهري يتراوح بين 1500 و2000 درهم على أقصى تقدير.

وفي ما يخص التعويضات هناك شركات كبرى دولية لها فروع بالمغرب تمنح التأمين الصحي للعاملين بها، كما يؤكد رشيد الإدريسي الشريف، أما أغلب الشركات المتوسطة أو الصغرى ﻻ تمنح التأمين للحراس بل يتم سرقة أيام

عملهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وذلك بعدم تسجيل 26 يوم عمل القانونية والاكتفاء بتسجيل 13 يوما، وهذا الأمر ”نعتبره جريمة تمس مستقبل هؤلاء الحراس عند الوصول إلى سن التقاعد وهي سرقة من المستقبل”.

إن مهمة الحارس الخاص هي المحافظة على أمن وسلامة المؤسسة التي يشتغل بها، وهذا يستدعي بالضرورة تلقيه تدريبات خاصة تؤهله للقيام بعمله، وهذا ما نفاه الحراس.

الحماية القانونية

“مهنة المخاطر”

لا يوجد قانون يحمي سلامة الحارس البدنية أثناء تأدية مهمته، وقد شدد رئيس جمعية الإتحاد الوطني لحراس الأمن الخاص بالمغرب، على أن المغرب ﻻ يتوفر على مهنة الحراسة الخاصة بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما هي مهنة المراقبة المستمرة لأن حراس الأمن ﻻ يسمح لهم القانون بالتدخل البدني لمواجهة اللصوص أو المجرمين وإنما يطلب منهم أن يتذكروا ملامح الجناة عندما تسألهم الشرطة عن الوصف.

يشكل العدد الكبير من شركات الحراسة تهديدا لحاضر ومستقبل حارس الأمن خصوصا وأن أغلب الشركات لا تحترم فصول القانون المنظم لعملها، الشيء الذي دفع عددا من المدافعين عن الحراس والحارسات إلى استنفار كافة الطرق للفت انتباه الحكومة والمشرع إلى هذه المعضلة التي يتقاطع فيها الحقوقي مع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وذلك بعدما دخل القانون 27.06 المنظم لمهنة الحراسة الخاصة سنته الخامسة، بعد صدوره بتاريخ 30 نوفمبر 2007.

ويطرح مهنيون إعادة صياغة القانون المنظم للمهنة المتعلق بالحراسة لأنه ﻻ يشير إلى الحراس بالمرة وإنما ينصّ على كيفية تأسيس الشركة داخل البلاد وماهية الشروط والنواهي.

ولأن القانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل دخل حيز التنفيذ بتاريخ 8 يونيو 2004، فإن أعمال الحراسة لم ترد ضمن الفئات الواردة في المادة الثالثة من المدونة.

وكانت هناك محاولة من رئيس الحكومة سعدالدين العثماني الذي أصدر منشورا يحمل رقم 02.2019 في 31 يناير 2019، ينص على احترام تطبيق التشريع الاجتماعي في إطار الصفقات العمومية الخاصة بحراسة وصيانة ونظافة المقرّات الإدارية والصفقات المماثلة.

وأكد رشيد الإدريسي الشريف، أن المرسوم لم يتم تطبيقه على أرض الواقع لحد الساعة.

وفي ذات الإطار أكد الشريف، “إننا نتعامل مع شكاوى المتضررين من جانب الإرشاد والتوجيه والاستشارات القانونية كما نتدخل أحيانا لحل بعض المشاكل بشكل ودي بين الحارس والشركة المشغلة إن كانت المشكلة قابلة للحل من الناحية المهنية”.

ولدفع مؤسسات الدولة للعناية بحراس الأمن، قالت لبنى نجيب، الرئيسة المركزية للجمعية الوطنية لحارسات وحراس الأمن الخاص بالمغرب، “إن وزير التشغيل السابق، محمد يتيم وعدنا بتعديل البنود الثلاثة 191 و192 و193 من قانون الشغل المتعلقة بالحراس وحراس العمارات ولا تنطبق على مهنة الحراسة التي تقدمت كثيرا، ولكنه لم يف بوعده”.

وأضافت لبنى نجيب لـ”أخبارنا الجالية ”، “وجهت رسالة تظلّمية للعاهل المغربي الملك محمد السادس قبل 4 أشهر تتضمن كل المشاكل التي يتخبط فيها القطاع، بعدها بشهر واحد جاء الرد من الديوان الملكي وأعطى توصياته لوزارة التشغيل مرة أخرى من أجل فتح باب الحوار”.

ولا تقتصر هذه المهنة على الرجال فقط بل تضم النساء أيضا، نساء يتعرضن لنفس المصاعب والمتاعب، حيث تجدهن بالفنادق والشركات والمتاجر الكبرى والمحافل الكروية والمهرجانات الثقافية وغيرها. وتقول لبنى نجيب، الرئيسة المركزية للجمعية الوطنية لحارسات وحراس الأمن الخاص بالمغرب، إن نساء الأمن الخاص تشتغلن 12 ساعة مثل الرجال تماما وللأسف أغلبهن متزوجات ولديهن أطفال أو مطلقات.

نساء حارسات

الحراس الخاصون بالمغرب.. عمل مضن وحقوق مهضومة

وفي الآونة الأخيرة أصبح الطلب على الحارسات أكثر خاصة في الاستقبالات ويقتصر دورهن الأساسي على التفتيش خاصة بالشركات والفنادق وغيرها من الأماكن.

وأكدت الرئيسة المركزية للجمعية الوطنية لحارسات وحراس الأمن الخاص بالمغرب، لـ”أخبارنا الجالية ”، أنه عمل جد صعب بالنسبة للمرأة، فالحارسات يقمن بعدة أدوار وللأسف أغلبهن يتعرضن للاستغلال الوظيفي. واسترسلت المسؤولة عن الحراس والحارسات بالمغرب، موضحة أن الولوج إلى هذا المجال ليس بشكل اختياري، لأنه قطاع يوفر فرص عمل أكثر وبنفس الوقت يوجد استغلال وحيف كبيران يمارسان عليهن من طرف شركات الحراسة، فالأجرة لا تتعدى 2000 درهم مقابل 12 ساعة من العمل في اليوم. ومن الشروط أن تكون المرشحة تجيد القراءة والكتابة وأيضا تجيد لغة أجنبية للتواصل.

وتحدثت لبنى نجيب عن تجربتها حيث تقول لـ”أخبارنا الجالية ”، إنها اشتغلت بعدة فنادق لأكثر من 16 سنة من العمل في الميدان، وحاليا تعمل بالملاعب والمحافل الكروية كحارسة أمن، كما اشتغلت بأحد الملاهي الليلية، وكانت أسوء تجربة عاشتها في حياتها.

وأوضحت لبنى نجيب، أن إدارة “نايت كلوب” احتاجت إلى امرأة طويلة وممتلئة كي تخيف النساء اللواتي يسهرن في الملهى. وأضافت “كنت اشتغل من التاسعة مساء حتى الساعات الأولى من الصباح، وحضرت أحداثا كثيرة وواجهت أخطارا كثيرة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: