مراكش تفتح الأبواب لأفريقيا لتشارك في تشكيل عالم جديد

بهدف المساهمة في إرساء عالم جديد وأكثر انفتاحا وعدالة، تجمعت عدة شخصيات سياسية بارزة وعالمية في مدينة مراكش المغربية انطلاقا من السبت للمشاركة في أشغال أعمال الدورة الثانية عشرة لمؤتمر السياسة العالمية.

وحضر أشغال هذا المؤتمر الذي يتم تنظيمه برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، العديد من الخبراء والأكاديميين من دول عدة لمناقشة الآليات الكفيلة بتنظيم العلاقات بين الدول على جميع المستويات.

ويعد مفهوم الحوكمة العالمية من أبرز القضايا التي طغت على نقاشات المؤتمر الذي تم افتتاحه السبت والذي يعتبر أحد أهم الفضاءات للتفكير والحوار الضروري بشأن القضايا الرئيسية في العالم.

وأكد رئيس ومؤسس مؤتمر السياسة العالمية، تيري دو مونبريال، أن القوى المتوسطة ينبغي عليها أن تدرك الواقع الدولي كما هو، من أجل أن تقرر مصيرها بشكل أفضل.

وشدد دو مونبريال على رهان الاتحاد الأوروبي خارج فضائه الجغرافي، قائلا “أوروبا وحدها متينة بإمكانها أن تواجه القوتين الإمبرياليتين المتنافستين خلال العقود المقبلة، أو غيرهما من العمالقة كالهند واليابان”.

وأضاف أن “أمن أوروبا يرتبط بشكل وثيق بأمن المناطق المجاورة لها، وأنا من بين أولئك الذين يرحبون في هذا الصدد بحدوث تقارب محتمل مع روسيا”، مشددا على ضرورة “العمل سويا لتعزيز تنمية وأمن جيراننا في الجنوب، كبلدان المغرب العربي والساحل، التي يرتبط مصيرها بمصيرنا”.

وقال دو مونبريال، وهو أيضا رئيس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، “إذا كنا نلتقي للمرة الخامسة في المغرب، فذلك لأننا مقتنعون بهذا الواقع، ولأننا نرى في البناء المشترك للأمن شمال – جنوب مساهمة إيجابية للنظام الدولي ككل”.

وركزت أعمال النسخة الثانية عشرة على تحديات التكنولوجيا في المجتمع والسياسة والقوى السيبرانية والتهديد عبر الإنترنت والطاقة والبيئة، بالإضافة إلى الآفاق الاقتصادية والسياسية، والتجارة والاستثمار المباشر والثقة، وكذلك مستقبل النظام النقدي الدولي، وسلاح القانون والعولمة.

شخصيات سياسية بارزة دوليا تلتقي في مؤتمر السياسة العالمية بمراكش المغربية بهدف النقاش حول أهم القضايا الدولية ومناقشة الآليات لإرساء عالم منفتح وعادل

وناقش المؤتمر، مواضيع: أوروبا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا، خاصة شمال وغرب القارة، واتجاهات السياسة الخارجية الجديدة في شرق آسيا، والعديد من المواضيع الأخرى.

وكانت تطورات القارة الأفريقية من بين أهم الموضوعات التي طرحت للنقاش، حيث قال دو مونبريال إن الوضعية الدولية مقلقة جداً لأن هناك عددا من عوامل الخطر في العالم.

وأكد أن القارة الأفريقية لا تخرج عن هذا الوضع بالنظر إلى ما يقع في دول الساحل الذي يمكن أن يتطور إلى خطر أكبر، مشيراً إلى أنه من الضروري توقع أكثر الفرضيات مأساوية من أجل تجنبها.

وقال بول كاغامي، رئيس رواندا، في هذا الصدد إن على القادة الأفارقة تولي مسؤولية مصالح بلدانهم وتطوير القارة بأقصى إمكانياتها للانتقال من وضع التبعية إلى الاكتفاء ثم الرخاء.

وأضاف، أن إفريقيا تتمتع اليوم بعلاقات تجارية قوية مع جميع أنحاء العالم، سواء أوروبا أو الهند أو أميركا الشمالية أو الصين؛ لكنه أشار إلى “أهمية تحقيق المزيد من الاستثمار والتجارة مع الجميع، لأن ذلك يجعلنا جميعاً في وضع أفضل”.

وذكر الرئيس الرواندي أن اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأفريقية التي من المقرر أن تطبق منتصف السنة المقبلة ستحدث تغييراً جذرياً في طريقة ممارسة الاقتصاد في القارة وفي العالم، وستجعل أفريقيا أكبر منطقة حرة للتجارة في العالم.

وبشأن ما حققته بلاده من تقدم لافت على المستوى القاري، قال كاغامي إنه “استثمر في صحة وتعليم المرأة، إذ بدأت النساء المتعلمات في المشاركة في الاقتصاد، وكان لذلك أثر”.

وأشار كاغامي إلى أن 52 بالمئة من سكان بلاده من النساء، وأضاف “إذا قمنا بتهميش 52 بالمئة من سكاننا فلن تكون هذه الخطوة ذكية ولن تقودنا إلى الأمام”.

وأكد أن وقت مغادرته قيادة البلاد سيأتي، وآنذاك سيكون على الشباب تقرير ما يجب فعله، وسيختارون في ما بينهم من يحمل المشعل.

وخصص كاغامي حيزاً هاماً من الكلمة للحديث عن بلاده، إذ قال إن الأشخاص الذين وُلدوا بعد الإبادة الجماعية التي حدثت في البلاد يشكلون حوالي 42 بالمئة، أما الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة فيقدرون بحوالي 70 بالمئة، مشيراً إلى أن هذه الفئة تقوم بكل شيء اليوم.

وأوضح “بعد الإبادة الجماعية كنا نبحث كيفية تجاوز الوضع، وكانت سنغافورة مثالاً جذاباً لنا من نواح كثيرة، مثل الاستثمارات والعلوم وكيفية الاستثمار في مواطنيها وتجارتها”.

النموذج الرواندي قابل للعمل في العديد من الظروف

وذكر أن “المحن التي واجهتها رواندا كانت صعبة، وهو ما يجعل النموذج الرواندي قابلاً للعمل في العديد من الظروف”، وشدد على أنه “سينجح لأنه يعتمد على جعل الأشخاص في قلب كل شيء والعمل على إشراكهم”.

ويرى الرئيس الرواندي أنه لا يمكن للدول الأفريقية الركض دائما نحو بلدان أخرى لطلب المساعدة، وقال إن ذلك ممكن قاريا ما دام الأفارقة ساهموا اليوم بحوالي 125 مليون دولار في صندوق السلام التابع للاتحاد الأفريقي.

وخصص المؤتمر حيزا هام من نقاشاته للآليات الضرورية الكفيلة بجعل أفريقيا من بين إحدى أهم الدعامات للنمو العالمي.

وقال الوزير الأول بجمهورية كوت ديفوار، أمامدو غون كوليبالي، إن أفريقيا تتوفر على أسس “متينة” حتى تصير إحدى دعامات النمو والرفاه العالمي الرئيسية وترفع التحديات التي تواجه القارة، موردا “أنها مسؤوليتنا جميعا، وتقع أولا على عواتق القادة الأفارقة”.

و أفاد كوليبالي بأن معدل النمو بالقارة، المرتفع على المعدل العالمي، كان في حدود 3.5 بالمئة سنة 2017 و2018، ليصير 4 بالمئة سنة 2019، ثم 4.1 بالمئة سنة 2020، كما يظل رغم كل ذلك “غير كاف” أمام تحديين رئيسيين لأفريقيا الراهنة، وهما إحداث فرص ضخمة للشغل، لاسيما في صفوف الشباب الذين يشكلون 70 بالمئة من سكان أفريقيا، وتقليص الفقر.

وشدد على “أن الأمر يتعلق بتحديين رئيسيين يتعين كسبهما سويا وهما إشكالية الهجرة والتهديدات الإرهابية في القارة”. وبشأن إحداث فرص شغل ضخمة لفائدة الشباب، الذين يشكلون حاضر ومستقبل القارة، سجل الوزير الأول الايفواري الحاجة إلى “تحويل منهجي لاقتصادياتنا الأفريقية”.

وأضاف أن هذا التحويل يشكل راهنا مكونا أساسيا للسياسات المتبعة من قبل مختلف الحكومات، ويوجب تنمية متسارعة للصناعة الأفريقية، التي تبقى قليلة التنافسية بسبب كلفة عوامل الإنتاج المرتفعة وحجم السوق.

وأكد المسؤول الإيفواري أن جل البلدان الأفريقية تتبنى مشاريع كبرى قصد إعادة تأهيل وتنمية البنى التحتية المتصلة بالنقل والطاقة بهدف خلق اقتصادات قوية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: