ارتفاع قياسي للبطالة يغذي فتيل الاحتجاجات الاجتماعية في الجزائر
يتوقع خبراء ارتفاع مؤشرات البطالة في الجزائر إلى أرقام غير مسبوقة في المدى القريب، بسبب تراجع الاستثمارات الحكومية والخاصة، لاسيما خلال الأشهر الأخيرة التي تشهد ركودا اقتصاديا سيلقي بارتداداته على الجبهتين الاجتماعية والسياسية، خاصة وأن البطالة تعد الخزان الأول للاحتجاجات المشتعلة منذ أشهر.
وتفيد دراسات مختصة بأن الجزائر مطالبة بتحقيق نسبة نمو لا تقل عن سبعة بالمئة، من أجل الحفاظ على مستوى البطالة الحالي المقدر، حسب إحصائيات رسمية، بـ12 بالمئة. ولأن التحدي يندرج في خانة المستحيلات في ضوء الأوضاع الحالية، فإن البلاد مقبلة على موجة بطالة قياسية في المدى القريب والمتوسط.
وعادت مؤشرات البطالة إلى الارتفاع منذ العام 2015، بعدما نزلت إلى ما دون الـ10 بالمئة، خلال سنوات الانفراجة المالية، حيث تبلغ حاليا نحو 12 بالمئة، و25 بالمئة في أوساط خريجي التعليم العالي، الأمر الذي يعتبر قنبلة اجتماعية واقتصادية بصدد التضخم والتهديد بالانفجار.
وأمام حالة الركود الاقتصادي الذي خلفته الاضطرابات السياسية منذ ثمانية أشهر، اضطرت المئات من المؤسسات الحكومية والخاصة إلى تسريح الآلاف من العمال الذين انضموا إلى لوائح البطالة في الأشهر الأخيرة، رغم التطمينات التي تقدمها حكومة تصريف الأعمال للوعاء الاجتماعي المنتسب إلى مؤسسات مملوكة لما يعرف برجالات المال والأعمال الموالين لنظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وذكرت إحصائيات أخيرة أن الركود مسّ بشكل كبير مؤسسات البناء والأشغال العمومية، حيث تعرضت أكثر من ثلاثة آلاف مؤسسة للإفلاس، والى تسريح حوالي مئة ألف عامل، بسبب تراجع وتيرة القطاع الذي كانت تدعمه الاستثمارات العمومية في شكل مشروعات سكن وبنى تحتية.
وتعتبر البطالة في الجزائر من أهم التحديات الاجتماعية التي أقلقت الحكومات المتعاقبة، وبرزت تجلياتها بشكل واضح في الاحتجاجات المتواصلة طيلة السنوات الأخيرة، لاسيما في مناطق الجنوب والمحافظات الداخلية النائية، وتصاعدت حدة لهجتها تجاه الطرق الملتوية المنتهجة في مجال التشغيل.
25 بالمئة نسبة البطالة حاليا في أوساط خريجي التعليم العالي في الجزائر، الأمر الذي يعتبر قنبلة اجتماعية واقتصادية بصدد التضخم والتهديد بالانفجار
ولم تنجح السلطة في تعميم سياسة شراء السلم الاجتماعي لإشاعة الاستقرار السياسي في البلاد، بسبب تراجع مداخيلها من النفط واستشراء الفساد في مؤسسات الدولة، فالاعتماد على أنماط توزيع الريع عبر القروض البنكية وعشوائية إنشاء المؤسسات المصغرة، أفضيا إلى فشل الآلاف من الشباب في الخروج من مأزق البطالة ودخولهم في متاعب مع البنوك والقضاء بسبب عجزهم عن تسديد قروضهم.
ويلفظ قطاع التعليم العالي الذي يستقطب نحو مليون ونصف مليون طالب، عشرات الآلاف من الطلبة سنويا، وقليلا ما يحصل المتخرجون على فرص شغل، بسبب غياب التكامل بين التعليم العالي وبين سوق الشغل، وتقلص الاستثمارات العمومية التي تفتح مناصب جديدة، نتيجة لتقلص مداخيل الدولة في السنوات الأخيرة.
ويعتبر قطاع الوظيفة العمومية من أكبر القطاعات التي تستقطب أعدادا كبيرة من اليد العاملة في الجزائر، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد منذ صائفة العام 2014، حالت دون توفير فرص شغل جديدة رغم حاجة الإدارة والتعليم والصحة ومختلف الخدمات إلى أعداد جديدة للالتزام بتقديم خدماتها.
ودعا التكتل النقابي المستقل الذي نفذ عدة إضرابات في الوظيفة العمومية، إلى مراجعة الحكومة لقوانين التقاعد بغية السماح بتشغيل أعداد جديدة من البطالين لاسيما المتخرجين من الجامعات والمعاهد العليا، إلا أن الحكومة ترى أن القطاع يستقطب أعدادا تفوق حاجته وأن التمديد في سن التقاعد سيمكن الصناديق الاجتماعية من التحكم في توازناتها المالية.
وكان عمال في مؤسسات مملوكة لرجال أعمال محسوبين على نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، قد هددوا بالدخول في إضرابات مفتوحة، احتجاجا على الإجراءات الحكومية التي قضت بسجن العشرات من رجال الأعمال بتهم الفساد، وتطبيق إجراءات احترازية للمؤسسات المعنية، مما أدى إلى وقف صرف الرواتب ووقف عمليات استيراد المواد الأولية التي تدخل في دورات الإنتاج.
وشكل العاطلون عن العمل خزانا مغذيا للاحتجاجات السياسية المشتعلة في البلاد منذ ثمانية أشهر، ورغم ذوبان التنظيمات والجمعيات التي كانت تتبنى مطلب الشغل لمنتسبيها في زخم الحراك الشعبي، إلا أن البطالة وفشل سياسات التشغيل من بين العوامل التي فجرت الشارع الجزائري ضد السلطة القائمة.
وتعكس الشعارات المرفوعة بشكل لافت في مظاهرات العاصمة، وحتى على شبكات التواصل الاجتماعي، حجم الهوة بين السلطة وبين العاطلين عن العمل.
ورغم الطابع الاجتماعي للدولة، حيث تخصص الحكومة نحو 15 مليار دولار سنويا كمساهمات اجتماعية في دعم أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع، ومنح البطالة للأسر المعوزة ولتمويل بعض أنماط التشغيل، إلا أن الآليات الإدارية والقوانين الناظمة لم تترجم الجهود المرصودة في نتائج ميدانية تفكك قنبلة البطالة.