الحياة في المملكة المتحدة

بعد سنوات طويلة من مغادرة مقاعد الدراسة وجدت نفسي مؤخرا مضطرة من جديد للجلوس إلى طاولة الامتحان مرتين متتاليتين، الامتحان الأول من أجل الحصول على شهادة في إجادة اللغة الإنكليزية والثاني امتحان عام وشامل حول الحياة في بريطانيا “life in UK”، ويتطلب معرفة إجابات مئات الأسئلة عن التاريخ السياسي البريطاني والجغرافيا والحكومات والملوك وطبيعة المدن والمعمار والفنون والرياضة والموسيقى والابتكارات والنظم الديمقراطية والقضائية… وقد تمكنت من النجاح بتفوق في الامتحانين.

التجربة رغم صعوبتها استخلصت منها عدة دروس مهمة، دفعتني إلى كتابة هذا المقال الذي سيبقى ذكرى جميلة تنطوي على قيمة كبيرة على الأقل بالنسبة لي، ولعل فائدته تعم على البعض ممن سيمرون بتجربة مماثلة.

في الأيام الأولى من المراجعة والمطالعة المكثفة شعرت بأنه لا يمكنني الاستمرار ولا بأي شكل من الأشكال وبأنني مهما قرأت وطالعت لن أستطيع تحقيق النجاح المطلوب، رغم أنني في سنوات الدراسة لم أكن متعثرة ولا قليلة الهمة، بل كنت موهوبة وحريصة جدا على التفوق.

ليست الاختبارات أمرا جديدا في حياتي، لكن المشكلة تكمن في أنني لم أفكر يوما في أن أخوض تجربة الامتحانات وضغوطها من جديد منذ أن تخرجت من الجامعة وقطعت نهائيا مع ذلك الزمن الصعب والمخيف، هذه الامتحانات الطارئة جعلتني أعيش حالة من الرهبة، ولكنني كنت محظوظة لأنني حظيت بدعم زوجي وعائلتي، وهو ما دفعني لأن أعمل بجد أكثر، وحفزني على النجاح.

تبين لي بعد خوضي هذه التجربة أن الخوف من الامتحانات يظل ملازما لنا طوال حياتنا، وأن الأمر يكون أحيانا خارجا عن نطاق إرادتنا وتحكمنا، وكل ذلك ناتج عن التخويف الذي نخضع له خلال مراحل الدراسة سواء من قبل الآباء أو المدرسين، وهم من يشكلون مصدرا كبيرا للضغوط ويتسببون في فشل التلاميذ بدلا من نجاحهم، إذا لم يمتلكوا الطرق الكفيلة بزرع التفكير الإيجابي في نفسية التلاميذ، ومساعدتهم على التخلص من الأفكار السلبية عن الامتحانات.

الرسائل السلبية التي تبث إلى الطلاب بشأن الامتحانات تعد واحدة من أشهر المشكلات النفسية التي يصعب التخلص منها حتى عند بلوغ مراحل متقدمة من العمر.

ولا يبدو أن الخوف من الامتحانات من ابتكار المخيلة كما يعتقد البعض، بل هو نتاج الثقافة الاجتماعية التي نكتسبها من المحيطين بنا، فهي المسؤولة عن تضخيم هذا الشعور أو الحد منه.

وقد أفادت الدراسات التي أُجريت حديثا بأن البيئة التي يشعر فيها الطلبة بالضغط ويتعرضون للتأنيب والتقريع، لا تؤدي إلى نتائج أفضل، وهي التي تحدد الطريقة التي ينظرون بها إلى الحياة.

يرى المربي الفرنسي لويس لوكران الذي كان أول من استعمل البيداغوجيا الفـارقية أن لكل شخص خصوصيات تميزه عن غيره، مشددا على أن الأشخاص لا يتشابهون في كيفية التّعلم، وبناء على ذلك يجب أن تؤخذ في عيـن الاعتبار خصوصيات كل تلميذ وحوافزه وميولاته.

هذه الاستراتيجية ضرورية وجوهرية لخلق بيئة مدرسية أكثر أمانا من الوجهة النفسية للطلبة، ومثل هذا الأمر لا يحدث بمحض الصدفة، فثمة أشياء بوسع الأسرة والمدرسين في المؤسسات التعليمية، القيام بها، مثل التسامح مع أخطاء التلميذ وإخفاقاته بل وحتى الاحتفاء بها، ويمثل ذلك وسيلة صحية لمضي التلميذ قدما على طريق تحقيق النجاحات المنشودة مقارنة بإدانتها.

وينصح العلماء الأسر بتوفير آليات الاستقرار النفسي والطمأنينة للأبناء المقبلين على الامتحانات والابتعاد عن النهج القائم على التسلط أو القمع وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عما يدور في خلدهم بخصوص الاختبارات من دون محاولة التأثير عليهم بكلمات التخويف.

وبالتأكيد سيصب كل هذا في مصلحة التلاميذ ويساهم بشكل كبير في تحفيزهم على الأداء على نحو أفضل، وقد أكدت لي التجربة التي مررت بها كيف تكون مسألة الإحساس بـ”الأمن النفسي” مهمة ومتجذرة في النفس أيضا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: