التايمز: ربيع عربي جديد يلوح في الأفق هدفه فساد الأنظمة وقمعها
“ربيع عربي جديد يهدد بالانبثاق”، عنوان مقال نشره المعلق في صحيفة “التايمز” البريطانية روجر بويز، وقال فيه إن الأنظمة المتشددة والفاسدة من القاهرة إلى بغداد تكافح لإحكام الغطاء على المعارضة الجماهيرية.
وقال: “طالما ركز الغرب والعدد المتناقص من حلفائه في الشرق الأوسط على مهمة هزيمة البطلجية الجهاديين من تنظيم “الدولة”، كان هناك نوع من الإجماع المتداعي حول المهمة التي كان يقوم بها. والآن وقد تمت هزيمة الخلافة فقد فتحت أبواب جهنم”.
والسبب كما يقول هو التنازلات القبيحة التي قدمت لسحق عدو ذكي مثل تنظيم “الدولة”. ففي سوريا عبأت الولايات المتحدة في ظل باراك أوباما الأكراد وجندتهم كجنودها الانكشاريين الذين عبروا عن استعداد للمخاطرة بحياتهم في الميدان، وفعلت أمريكا هذا مع معرفتها أنهم لم يكونوا جنودا مجربين فقط، فإحدى الفصائل كانت مرتبطة بالحركة الانفصالية، حزب العمال الكردستاني، الذي ظل شوكة في جنب تركيا ولأكثر من 40 عاما.
وكان هناك فاتورة يجب دفعها، هي أن تقوم تركيا، عضو الناتو، بمباركة من الرئيس دونالد ترامب باحتلال جزء في منطقة حساسة من العالم والتي ستواجه فيها قوة عصابات اعتبرت نفسها يوما حليفا للولايات المتحدة وشركائها في التحالف ضد تنظيم “الدولة”. وهي قوة تقوم بحراسة آلاف من أسرى تنظيم “الدولة”، فهل سيكون الوضع في حالة فوضى أكثر من هذا؟ ويجيب الكاتب بنعم لأن الكثير من المستبدين في الشرق الأوسط اعتبروا تنظيم “الدولة” بمثابة الهدية.
وقبل أن تتاح الفرصة للجميع كي يستنشقوا هواء الربيع العربي عام 2011 كان الحكام القساة يسيطرون على مناصب قادة كانوا أقل وحشية منهم. ففي مصر وفي العراق قدم القادة الأقوياء أنفسهم كحماة لاستقرار البلاد بدلا من الفوضى. وكان تهديد تنظيم “الدولة” والقاعدة حقيقيا وكذا فكرة تمزق المجتمعات بسبب العنف الطائفي. والآن وبعد هزيمة تنظيم “الدولة” أو أسر قادتها لم يعد لدى القادة أي ذريعة لتبرير القمع. وعليه يقوم أبناء الطبقة المتوسطة والمهنيين ورجال الأعمال الذين همشهم الجيش الحريص على مصالحه وسدنة النظام والقائمين على دعايته بالتحالف مع الطلاب والعمال الذين يطالبون بإصلاح شامل للحكم والوفاء بوعود قطعت قبل ثمانية أعوام.
ففي مصر شعر المحتجون بالغضب عندما شاهدوا أشرطة فيديو كشفت عن تبذير الرئيس (الجنرال السابق) عبد الفتاح السيسي ملايين الدولارات على بناء القصور. وجوهر النقد هو أن الجيش المصري الذي تقوم شركاته بالإشراف على بناء المدن الجديدة التي يفترض أنها جزء من مشروع التحديث الوطني للسيسي يقوم بتقوية جيشه، أو رعاية مصالحه، مع أن نسبة الفقر زادت من 25.2% عام 2010 إلى 32.5% هذا العام. ويشعر رجال الأعمال بالضيق فيما تكمم أفواه الأكاديميين، وتشعر العائلات بالغضب على قطع الدعم عن الأرز والمكرونة في وقت يعيش فيه الجنرالات وأبناؤهم في رفاهية ورغد، ويتساءلون هل كان عام 2011 من أجل هذا؟ ولكن مصر تغلي في الداخل حسب الناشط محمد زريع.
الحكم من خلال العصبية لا يؤدي في النهاية للإصلاح. وفهم الإخوان المسلمون، الجماعة المحظورة، الثغرة بين الفقير والغني لكن السيسي ليست لديه هذه الحساسية وربما ستكون مقتله.
وأدت الاحتجاجات الشهر الماضي إلى اعتقال الآلاف. وتم اعتقال الكثيرين في معسكرات الأمن المنتشرة حول القاهرة لأن الزنازين العادية باتت مزدحمة. ويخشى السيسي الأثر الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي على المزاج العام، فقد تم استخدام هاشتاغ كفاية يا سيسي مليون مرة. وهو يخشى من انتشار السخط بين الطلاب والعمال في المصانع ومن المدن إلى الأرياف.
ويعلق الكاتب أن الحكم من خلال العصبية لا يؤدي في النهاية للإصلاح. وفهم الإخوان المسلمون، الجماعة المحظورة، الثغرة بين الفقير والغني لكن السيسي ليست لديه هذه الحساسية وربما ستكون مقتله. ويشير الكاتب إلى تظاهرات العراق التي تم قمعها بوحشية أشد. ففي أسبوع واحد قتلت قوات الأمن أكثر من 100 شخص وجرح أكثر من 2.000 شخص. ويرى الكاتب أن جذور السخط مشابهة لما في مصر رغم نهاية المعارك الرئيسية ضد تنظيم “الدولة” والموارد النفطية العالية، فلم يتم استثمار أموال كافية لخلق وظائف عمل للشباب أو لتحسين الخدمات.
وغضب المحتجون أكثر على عزل جنرال لعب دورا في العمليات ضد تنظيم “الدولة” في الموصل والفلوجة ورفض الخضوع لضغوط حلفاء إيران من جماعات الحشد الشعبي، وموقفه من الفساد جعله رمزا للتظاهرات. وما يجري في العراق ليس اضطرابات طائفية لكنها احتجاجات ضد سيطرة الأطراف السياسية على الوظائف والعقود وتسييس الجيش.
وفي كل المنطقة تبحث الأنظمة عن الرجال الخاسرين وتحميلهم المسؤولية، والمشتبه بهم معروفون، قطر وتركيا والإخوان المسلمون، مع أن المشاكل نابعة من الداخل ومن الحلول التي تتبعها الحكومات والتي عادة ما تتسم بالوحشية وأسوأ من الوحشية السابقة.
ويرى أن الدول التي تحتفل اليوم بهزيمة تنظيم “الدولة” تقوم بخلق الظروف لولادة تنظيم “الدولة” رقم 2. فبدلا من التركيز على بناء مؤسسات الدولة يقوم الساسة بالتركيز على بناء القصور، والتحدي الأكبر لهذه الأنظمة هو كيفية بناء نظام سياسي يستقي شرعيته من الشعب. وحتى يحصل هذا فسيظل الحكام يديرون أنظمة ضعيفة وغير مستقرة تتعثر دائما في المشاكل. ويقول ترامب إنه يهدف بسحب القوات الأمريكية لإنهاء الحروب الدائمة ولكنها ستظل مشتعلة بالأمريكيين أو بدونهم. في يوم من الأيام ستأتي مرة ثانية وتضرب أمريكا وحلفاءها.