محامو الجزائر ينددون بحملة الاعتقالات المتواصلة
نظم المحامون مسيرات في عدد من المدن الجزائرية، تعبيرا عن تضامنهم مع فعاليات الحراك الشعبي، ومع سجناء الرأي المتواجدين في السجون، على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبية التي تعيشها الجزائر ضد السلطة منذ نحو ثمانية أشهر.
وخيمت ذكرى الخامس من أكتوبر 1988، على أجواء الحراك الجزائري، حيث اقترنت الذكرى التي شهدت أول انتفاضة شعبية ضد السلطة، وقد أفضت إلى مقتل نحو 500 متظاهر، مع الاحتجاجات السياسية المطالبة بالتغيير السياسي الشامل وبرحيل كلي لرموز السلطة.
وانتظمت السبت في العاصمة وفي عدد من المدن الجزائرية وقفات احتجاجية رمزية، نظمها المحامون وناشطون وجمعيات، للتعبير عن الروابط الوثيقة بين المحطتين اللتين يجمعهما عنوان واحد هو النضال من أجل الديمقراطية والحرية.
ولو اقترنت الأولى بممارسات القمع والضحايا والانفتاح السياسي والتعددية الحزبية والإعلامية، فإن الثانية تتجه إلى المزيد من الخنق والتضييق على الحريات، لأن السجون تستقبل يوميا الموقوفين بسبب التعبير عن آرائهم ومطالبهم السياسية.
وصعد المحامون في الآونة الأخيرة من لهجة التصعيد تجاه السلطة، وهدد المكتب النقابي في العاصمة، بمقاطعة الدفاع عن المحبوسين، بسبب ما أسموه بـ”إفراط السلطة في حملة التوقيفات والاعتقالات التي لم تعد مبررة قانونا”.
وصرح المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي، بأن “البلاد تسير نحو الانزلاق في دولة اللاقانون، وتجاهل أبسط الحقوق الأساسية في التعبير عن الرأي، وهو أمر يسيء إلى سمعة الجزائر”.
وفي بيان لمجلس منظمة المحامين بالجزائر العاصمة، فإن الهيئة تتجه إلى “مقاطعة كل المتابعات الخارقة للقانون والمؤدية إلى محاكمات صورية، بسبب حملة الاعتقالات المفتوحة ضد نشطاء خرجوا للتظاهر بطرق سلمية، ورفع عدة مطالب ومنها استقلال القضاء”.
وكانت الأجهزة الأمنية قد أوقفت السبت، العشرات من الناشطين في ساحة الشهداء بوسط العاصمة، خلال تنظيمهم لوقفة احتجاجية إحياء لذكرى الخامس من أكتوبر، وإضفاء رمزيتها على فعاليات الحراك الشعبي المناهض للسلطة.
وذكر شاهد عيان لـ”أخبارنا الجالية ”، أن “مصالح الأمن قامت باعتقال العشرات من المحامين والصحافيين والناشطين الذين نظموا وقفة رمزية لتأكيد الروابط النضالية بين أحداث الخامس من أكتوبر وبين أحداث الحراك الشعبي، وتواصل نضال الجزائريين من أجل الديمقراطية والحرية”.
وأدان التنظيم حملة التوقيفات والاعتقالات التي طالت المتظاهرين السلميين، واعتبره خرقا صارخا للحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا، والتي تدخل في صلب جميع العهود والمواثيق الدولية، بما فيها تلك التي صادقت عليها الدولة الجزائرية.
وعبر عن صدمة وخيبة المحامين لانزلاق وضعية حقوق الإنسان في الجزائر إلى مستويات مقلقة، ولاسيما في ظل هيمنة ما وصفه بـ”الأساليب القمعية في مواجهة المظاهرات السلمية”، وشدد على رفضه القطعي لتلك الممارسات التي من شأنها تأزيم الوضع في البلاد.
ولفت إلى أن “مجلس منظمة المحامين ، عاين في الفترة الأخيرة بكل أسف، جملة من الخروقات القانونية والإجرائية تمس بأبسط الحقوق والحريات وحقوق الدفاع في معالجة الملفات، سواء أمام الجهات الأمنية أو القضائية “.
ويعتبر تنظيم المحامين من أكبر القوى المهنية التي ساندت الحراك الشعبي بقوة منذ انطلاقته في شهر فبراير الماضي، حيث عبر منذ الوهلة الأولى عن انخراطه في مسار مطالب التغيير السياسي الشامل في البلاد، وتطوع للدفاع عن الموقوفين والمعتقلين منذ بداية الجدل عن الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الـ18 من أبريل الماضي، وكان الرئيس السابق يعتزم الترشح لخوضها.
وتصاعدت موجة الانتقادات للسلطة خلال الأسابيع الأخيرة، على خلفية الاعتقالات والسجن المؤقت الذي طال العشرات من الناشطين والمعارضين، نظرا لاختراق الأجهزة الأمنية للقوانين والنصوص الناظمة.
وتحصي تنسيقية المعتقلين السياسيين، نحو ثمانين معتقلا منذ بداية الحراك الشعبي، بسبب ما عرف برفع راية الهوية الأمازيغية أو المشاركة في المسيرات الشعبية، ويوجد بين هؤلاء طاعنون في السن، على غرار حميدو قاريدي ولخضر بورقعة، إلى جانب فضيل بومالة، سمير بلعربي وكريم طابو.
وذكر بيان المنظمة بأن الخروقات تبدأ من “الحق القانوني في الاتصال بالأقارب أو المحامي، إلى الإفراط في اللجوء إلى الإيداع في متابعات طالت كافة فئات المجتمع بالرغم من سلوكهم السلمي في التظاهر، وهو ما يتنافى مع تطلعات المواطن في بناء عدالة مستقلة يثق فيها”.
وعبرت المنظمة عن رفضها لأن “تكون طرفا في إضفاء الشرعية على مثل هذه الخروقات والتجاوزات، التي تفرض عليها في حال استمرارها في حتمية مقاطعة كل هذه المتابعات الخارقة للقانون والمؤدية إلى محاكمات صورية”.
ولا تزال مسألة إطلاق سراح الموقوفين، من ضمن المطالب الأساسية لقطاع عريض من المعارضة السياسية، قبل أي حديث عن أجندة سياسية، فحتى تنظيم “فعاليات المجتمع المدني”، ولجنة الحوار والوساطة، المقربتين من السلطة وضعتا مطالب التهدئة كشرط أساسي للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية.