السيسي يستدعي الاحتياط للتصدي لجيش محمد علي!
بلغة العسكريين، فقد استدعى عبد الفتاح السيسي الاحتياط، وهو أمر مرتبط بإعلان البلد التعبئة العامة، للدخول في الحرب، أو الاستعداد لها!
فبعد أن سرح كثير من أبواقه وأذرعه الإعلامية، أعادهم مرة أخرى بقراره التعبئة العامة، وحضر يوسف الحسيني وعبد الحليم قنديل وغيرهما وفي الطريق للجبهة، لميس الحديدي وجابر القرموطي وإبراهيم عيسى، وإن عاد البعض مثل الحسيني كضيوف، فلأن الاستدعاء تم بدون اعداد، ولأن الوقت لا يتسع للعقود وصياغتها والتوقيع عليها، للعودة كمذيعين، ولأن الحرب قد اشتعلت بالفعل، والذي أشعلها هو الفنان والمقاول محمد علي، وقد تبنت “الجزيرة”، و”الجزيرة مباشر” بالذات، فيديوهاته، وأذاعتها على الناس، كما تبنتها قنوات تركيا ونخص بالذكر هنا قناة “الشرق” بالذات، وبرنامج “مع زوبع” على قناة “مكملين”!
وهناك من أغضبهم أن يكون من أشعل الحرب، هو شخص من خارج دائرة السياسة والثورة، حسداً من عند أنفسهم، وهو الأمر الذي فشلوا فيه، بعد نضال استمر ست سنوات، ومنذ وقوع الانقلاب العسكري، فاتهم أن الأمر ينبغي النظر إليه من باب “أهل الحقيقة”، لا “أهل الشريعة”، وكما يقول المتصوفة: إن كنت في حكم الشريعة عاصيا/ فإني في علم الحقيقة طائع.
فقد وضع الله سره في أضعف خلقه، وليس منطقياً أن نتصور أن من يتزعم حراكا ضد شخص عبد الفتاح السيسي مع تواضع امكانياته، أن يكون أحد القادة السياسيين أو الدينيين، أو يكون قد سبق له العمل في “ناسا” مثلا، أو يكون سعد باشا زغلول، فالسيسي يحتاج إلى من هو أدنى من هذا، ولعلي كتبت هنا أدعو على أحدهم بالموت في حادث “توك توك”، إمعانا في الإذلال، مع أنه وفق الظاهر من الأمر، أن الميتة كلها ميتة، وأن المطلوب هو التخلص منه والسلام!
فك الشفرة
ولأن حكم عبد الفتاح السيسي دخل حرباً لم تكن على البال أو على الخاطر، فقد تراجع عن قرار اتخذه بفك جيشه الإعلامي، وتسريح جنوده، وقد مهد لذلك في مقابلته التلفزيونية مع المخرجة ساندرا نشأت، بأنه لا يعقل أن يظهر إعلامي كل يوم ليتكلم، وكان واضحاً أنه تطرق لهذا الحديث بدون مناسبة، وعبد الفتاح السيسي عندما تغلب عليه فكرة، فإنه يتعجل في البوح بها، دون انتظار وضعها في سياقها، فيبدو كما لو أنه يقفز في الهواء، ويومئذ كتبت هنا أنه سيفك جيشه ويسرح إعلاميه، ولم تكن هذه هي الرسالة الأولى في هذا الحوار، فقد كانت هناك رسالة أخرى، تمثلت في أنه اقتصر مقابلاته الدعائية في هذه الانتخابات على مقابلة واحدة، وأن يستدعي لها واحدة من خارج دائرة التقديم التلفزيوني، لتقوم بهذا الحوار ثم تعود مرة أخرى إلى مجالها كمخرج سينمائية!
وبالفعل تم تفكيك جيشه الإعلامي وتسريحه، فقد صرت خبيراً في فك شفرة السيسي، وفي ترجمة كلامه، فقد عُلمنا منطق السيسي!
لقد استيقظ السيسي من نومه ليجد الحرب على أعتاب قصره، (قصوره للدقة) ففيديوهات محمد علي ينتظرها الناس على أحر من الجمر، واسمه صار الأكثر شهرة في المنطقة، وهو لا يقدم نفسه على أنه زعيم، أو قائد ديني، بل إنه جزء من فساد حكم العسكر، فلم تفلح معه كل محاولات التشويه، بدءا من القول إنه “حرامي” هكذا بصريح العبارة على لسان “عمرو أديب”، أو أنه يتعاطى المخدرات، وأن له علاقات نسائية متعددة، وأكمل هو في تحديد موقعه من الإعراب بأنه جاهل لم يكمل تعليمه، وبدا الرأي العام متسامحاً تماماً معه، على نحو يستحق الدراسة والتأمل، فلم تنل منه الدعاية السوداء أبداً.
لقد بدا السيسي عاتباً على إعلامه بأنه لم يتحرك للدفاع عنه، وذلك في الندوة الشبابية التي عقدت خصيصا بهدف الرد عليه، فاته أن الإعلام يتحرك بتوجيهات تصدرها الأجهزة الأمنية، التي قال إنها قامت بتقبيل يده حتى لا يتكلم، وأن خطتها كانت تقوم على التجاهل، فكيف يتم الرد على هذه الحقائق!
كان العتاب هو كلمة “سر الليل”، وتحرك على إثرها ما تبقى من “جنود التسهيلات العسكرية”، وقام أحمد موسى باستدعاء والد محمد علي، وتم تسجيل فيديوهين لشقيقه، يقول فيه إن “محمد” أكل ورث أخيه المتوفى، وأحدهما تم تسجيله في مكتب رئيس مباحث قسم العجوزة، ولأن عمرو هو الأكثر مهنية، فقد حشد كل مهاراته لتوجيه نيران مدفعيته على “محمد علي”، فلما أعيته الحيل لجأ للتلفيق، ومثل سلاحاً فاسداً في الحرب، يطلق نيران مدفعيته ليصيب عدوا، فتصيب من يقف في جبهته، وبشكل ذكرني بمشهد مضحك في موقعة الجمل إبان ثورة يناير!
كان أحد الأصدقاء لا يعترف بأن لـ “السن أحكامه”، فوقف بجانب الشباب عند أحد مداخل ميدان التحرير، ليقذف معهم الشبيحة الذين يريدون اقتحام الميدان بالحجارة، وهي حجارة وصلتهم من جانب هؤلاء الشبيحة المعتدين، وكل حجر يقذفه صاحبنا كان يسقط على رأس أحد الثوار، وفشلت كل محاولات الشباب لإثنائه عن ذلك، فاندفعت مجموعة منهم نحوه يقبلون رأسه ويديه ويطلبون منه التوقف، فحجارته لا تصل للشبيحة وإنما أصابتهم هم وضحاياه منهم صاروا أكثر من ضحايا البلطجية، وكذلك عمرو أديب، وإن كان لا يقف في معسكر الثوار، ولكنه في جبهة الشبيحة.
لقد وصف عمرو أديب، “محمد علي” بالحرامي، فاته أن هذا “الحرامي” كان يعمل مقاولاً معتمداً لدى الجيش، ضمن عشرة من المقاولين، وأن ثقتهم فيه وصلت إلى حد تكليفه ببناء بعض القصور الرئاسية، وأن يخالط كبار العسكريين، ويلتقي بالسيسي في المسافة صفر، وهو أمر يؤكد ضرورة عودة الرقابة على ميزانية القوات المسلحة، بالشكل الذي حدث في عهد الرئيس محمد مرسي، من تمكين الجهاز المركزي للمحاسبات من مراقبة هذه الميزانية، ومراقبة ميزانية وزارة الداخلية، وهو ما توقف بعد الانقلاب العسكري، ودخل بسببه رئيس الجهاز المستشار هشام جنينة السجن، بعد محاولة فاشلة لقتله والتخلص منه، وقد سبقت هذا حملة إبادة استخدمت تصريحه بأن حجم الفساد وصل لـ (600) مليار جنيه، في سنة 2015، وقامت الدعاية على أنه يكذب، فكيف يكون الفساد بهذا الحجم، لكن تبين بظهور محمد علي أنه ليس بالرقم الضخم، وقد قال السيسي إن تكلفة شبكة الطرق وصلت إلى (175) مليار جنيه، وأن تكلفة المشروعات الجديدة هي 4 تريليونات جنيه!
وقال محمد علي إن إعادة بناء قصر المعمورة، تكلف 250 مليون جنيه غير ثمن الأرض، وأن السيدة انتصار السيسي طلبت تعديلات بقيمة 35 مليون جنيه، كما أن قصر السيسي عندما كان وزيراً للدفاع تكلف 60 مليون جنيه، وكان المقرر له هو 25 مليونا فقط، بجانب القصور الأخرى، فضلاً عن أن تمهيد الطريق لمقبرة العائلة لكي يمر السيسي منها لتشييع جنازة والدته تكلف مليونين وثلاثمئة ألف جنيه!
لقد حمل عمرو أديب على الذين يروجون لمحمد علي ومنهم الوزير في حكومة مرسي “عمرو دراج”، وأوشك أن يقول كيف لمحترمين مثلكم أن ينحازوا لـ “حرامي”، حسب وصفه، وبدا كما لو كان مستعداً للتقارب مع هؤلاء مقابل ألا ينحازوا لهذا الطوفان الكاسح المسمى بـ “محمد علي”، وإن كان كلامه مثل دعاية لصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما لفت الانتباه لما يقوم به تردد آخر لقناة “الجزيرة مباشر”، التي تبث ما وصفه بـ “الأعمال الكاملة” لمحمد علي، على النحو الذي دفع فريدة الشوباشي إلى إعلان أنها ليست مطمئنة له، لكن الحقيقة أنه يأخذ بقاعدة أخف الضررين، ويدفع خطراً داهماً، ولو بملاغاة خطر صغير.
واندفع عمرو أديب إلى التلفيق، فتعامل كما لو كان اسقاط السيسي هدفاً أمميا بتقديم أفراد من جنسيات مختلفة، قالوا إنهم شاركوا في مظاهرات الجمعة، واعتبر الدليل على هذا هو وجود صور جوازات السفر معه، ولمجرد أن أحدهم كان يقوم بتصوير هذه المظاهرات، لأنه تصادف أن كانت اقامته في لوكاندة في ميدان التحرير!
كان واضحاً أنه يتم تأويل كلامهم، لكن لا أحد يهزم الفلسطيني، فالشاب الفلسطيني، الذي تم القبض عليه لعب بهم “كرة شراب”، ووضع جهاز الأمن في خانة “اليك”، وهو الذي مد عمرو أديب بما قال إنها اعترافات لهؤلاء الشباب!
الشاب الفلسطيني قال إنه عضو في كتائب الأقصى في حركة الجهاد التابعة لحركة حماس، وهكذا ضرب ثلاثة فصائل فلسطينية في الخلاط، ليعطي إشارة بأن اعترافه تم بالإكراه، فكتائب الاقصى تتبع حركة فتح، وحركة الجهاد ليست تابعة لحركة حماس، إنها حركة مستقلة بذاتها، والجناح المسلح في حركة حماس هو كتائب “عز الدين القسام”، وليس “كتائب الأقصى”، والجناح التابع للجهاد الاسلامي هو “سرايا القدس”!
“الجزيرة” تعتذر
لقد قام مجمل أداء القوم على التلفيق والتزوير، فنشروا لقطات قالوا إن قناة “الجزيرة” هي من روجتها، وأنها جزء من عمل فني للممثل محمد رمضان، والذي تم استغلاله في هذا فنشر هذا الفيديو على صفحته، وكان قد تم الترويج على نطاق واسع أن “الجزيرة” اعتذرت عن نشرها لفيديوهات من مظاهرات قديمة، اعتماداً على أن القناة لن ترد، لكنها ردت وفضحت القوم، كما فضحت الممثل الذي تم استغلاله وتوظيفه في مهمة انقاذ السيسي الغارق لا محالة!
وتضاربت الرسالة الإعلامية، فمحمد علي لص، وحشاش، وزير نساء، وفي رسالة أخرى هو إخوان. وفي يوم الجمعة لم تخرج مظاهرات، كما قالت قناة “الجزيرة”، وفي الوقت ذاته يقولون إن المظاهرات خرجت لتهدم الدولة.
ومحمد الباز يستضيف رئيس لجنة القصور الرئاسية في مرحلة ما بعد الثورة المستشار خالد محجوب ليقول إن قصر المنتزه تم تطويره قبل 2011، بينما عمرو أديب يقول إنه تم بناؤه في سنة 2017، بعد تعرض السيسي لمحاولات اغتيال.
أما عبد الحليم قنديل فإنه في أول عملية له بعد الاستدعاء، أجهد نفسه في التأكيد على ضرورة بناء قصر في العاصمة الادارية الجديدة، فكيف تبنى عاصمة جديدة ولا يكون فيها قصر للحكم؟!
في حين أن محمد علي لم يتطرق لهذا القصر، الذي نشرت قناة “الجزيرة مباشر” تقريراً مهماً عن شكله ومساحته، وكيف أن مساحته تعادل عشرة أضعاف مساحة البيت الأبيض!
وما تكلم عنه محمد علي هو سلسلة القصور الأخرى، من قصر مدينة العلمين، إلى قصور الهايكتستب، إلى قصر المنتزه، وهو ما قامت به شركته “أملاك”، لكن قنديل كان يغني ويرد على نفسه باعتباره فرقة موسيقية مكتملة.
لقد هُزم السيسي بالحقيقة، ولن ينتصر بالأسلحة الفاسدة!