الاحتجاجات في مصر تنعكس حرب أنباء كاذبة حامية الوطيس

نشر مستخدمون لموقع فيسبوك صورة مفبركة يظهر فيها السيسي وهو يسير متقدما على رئيسي الصين وروسيا، في حين أن الرئيس المصري يظهر في الصورة الأصلية، التي التقطت عند افتتاح “منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي”، في الطرف الأيمن إلى جانب الرئيسين وليس أمامهما.

قابلت الهدوء، الذي تعاملت به السلطات المصرية مع الاحتجاجات التي شهدتها شوارع القاهرة وبعض المدن المصرية، معركة أنباء كاذبة حامية الوطيس بين المعسكرين المؤيد للنظام والمعارض له، على وقع صور مركّبة ومقاطع فيديو ملفقة تدعم فريقا ضد الآخر. واشتدت الحماسة في هذه الحرب بدخول وسائل إعلام خارجية على خط التّحمية.

وشهدت مصر الجمعة 20 سبتمبر تظاهرات محدودة في مناطق مختلفة سرعان ما تم تفريقها، ثم تجددت ولو بحجم أقل الجمعة الماضي في عدد من المناطق وقابلها تجمع للآلاف من أنصار الرئيس في القاهرة لاستقباله وهو عائد من نيويورك.

ومع الاصطفافات الإقليمية، تتخذ بعض هذه الأنباء الكاذبة أبعادا خارج مصر، لاسيما ما نشره المغني المصري الشهير محمد رمضان ونسبه إلى نشرة أخبار قناة “الجزيرة” القطرية مدعيا أنه كاذب. وتداول المنشور الآلاف من المستخدمين والصفحات المؤيدة للسيسي على مواقع التواصل.

وينقل الفيديو الذي نشره رمضان في 22 سبتمبر 2019 على حسابيه على فيسبوك وتويتر، مقطعا من نشرة أخبار “الجزيرة” عن تظاهرات مصر، تليه مشاهد يظهر فيها جمع من الأشخاص يصورون بواسطة هواتفهم، فيما تسمع هتافات ضد السيسي. ثم ينتقل مذيع النشرة إلى خبر عن إيران، ولو أن تقريره عن مصر بدا مبتورا وكأنه قطع في وسط جملة.

وبعد ذلك، يردُ شريط مكتوب في أسفل المقطع، يؤكد أن المشاهد المنقولة مركّبة وتعود إلى ما قبل تظاهرات مصر، وهي تصوّر جمهور المغني ذي الشعبية الواسعة في مصر. ويلي ذلك الفيديو الأصلي وهو خال من الهتافات ويظهر في أوله محمد رمضان.

وكتب المغني معلّقا على المنشور “عتابي على قناة الجزيرة عرض فيديوهات قديمة لجمهوري على أنها مظاهرات في مصر”. وردّت “الجزيرة” ناشرة الأصلي من نشرة أخبارها، وهو لا يتضمن المشاهد المنسوبة إليها، بل يواصل المذيع تقريره فيتحدث عن تظاهرات في محافظة سيناء.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الجدال، حيث دخلت وسائل إعلام أخرى على الخط. وقد زاد من حرارة الجدل التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي. ونشر مصور نال أكثر من 14 ألف مشاركة على مواقع التواصل، على أنه مسرب من طائرة السيسي، في حين أنه في الحقيقة مقطع دعائي لشركة أميركية لتجهيز الطائرات.

ويُظهر الفيديو طائرة في غاية الفخامة فيما يُسمع صوت يعلّق “هذا الفيديو مسرّب للطائرة التي يستخدمها السيسي في تنقلاته الدولية.. الشعب يتضور جوعا”. غير أن البحث عن لقطات ثابتة من الفيديو أرشد إلى موقع “AINonline” المتخصّص في أخبار الطيران، حيث وردت اللقطات مرفقة بعبارة “Citadel Completions”. وعند التفتيش، تبين أنه لشركة أميركية متخصصة في تجهيز الطائرات الفخمة.

وعثر فريق تقصي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس من خلال البحث بواسطة كلمات مفتاح تتضمن اسم الشركة، على نفس المنشور وجزء منه على أنه للطائرة الرئاسية المصرية، وهو في الواقع مقطع دعائي للشركة نشر في ديسمبر 2018، قبل نحو تسعة أشهر من التظاهرات.

في سياق تضارب الصور، نشر مستخدمون لموقع فيسبوك صورة يظهر فيها السيسي وهو يسير متقدما على رئيسي الصين شي جين بينغ وروسيا فلاديمير بوتين، معلقين عليها “رؤساء أكبر وأعظم دولتين في العالم.. ماشين وراك يا سيسي”، وقد حصدت الصورة الآلاف من المشاركات على عدة صفحات.

لكن البحث عن الصورة عبر محرك “Yandex” أرشد إلى الصورة نفسها، ويظهر فيها السيسي في الطرف الأيمن إلى جانب الرئيسين وليس أمامهما. والتقطت الصور الواردة على موقع وكالة “يو.بي.أي” الأميركية للأنباء، بحسب الوصف المرافق لها، عند افتتاح “منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي” الثاني في بكين في 26 أبريل 2019 بمشاركة رؤساء دول وشركات ومنظمات من العالم لبحث هذه المبادرة الصينية الضخمة لمشاريع البنى التحتية في العالم.

وفي المقابل، تداول المئات من المستخدمين على مواقع التواصل تظاهرة ضخمة على أنها جرت في ميدان التحرير بوسط القاهرة مساء السبت 21 سبتمبر 2019 للمطالبة برحيل السيسي، ولو أن اللافتات المرفوعة فيها تحمل صورا للسيسي، ما يشير إلى أن التظاهرة مؤيدة له.

وعثر فريق تقصي صحة الأخبار على الصورة نفسها منشورة في مواقع إخبارية مصرية، لاسيما في صحيفة “المصري اليوم” مرفقة بتاريخ 28 يناير 2015، ما يثبت أنها استخدمت مؤخرا بشكل مضلل.

وتحركت الاحتجاجات الأخيرة في مصر استجابة لمقاطع فيديو نشرها المقاول المصري محمد علي على فيسبوك من مقر إقامته بإسبانيا، واتهم فيها السيسي وبعض قيادات الجيش بالفساد. وفي بلد يعيش ثلث سكانه دون خط الفقر وفق دراسة رسمية حديثة، وتخضع فيه الحريات العامة لقيود كبرى، تلقى فيديوهات محمد علي اهتماما كبيرا وتحقق انتشارا واسعا على شبكات التواصل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: